توران قشلاقجي - القدس العربي

يعد جمال باشا من أهم الشخصيات العسكرية والسياسية في الفترة الأخيرة من الدولة العثمانية، وهو بلا شك أحد أكثر الأشخاص الذين يتصدرون الحديث عند مناقشة العلاقات بين الأتراك والعرب. جمال باشا وأنور باشا وطلعت باشا هم ثلاثة من القادة المهمين لدى جمعية الاتحاد والترقي. وقد كان لجمال باشا دور نشيط في تحديد السياسة الداخلية والخارجية للدولة العثمانية في الفترة بين عامي 1913 و1918 التي شهدت ما يسمى بـ»سلطة الباشوات الثلاثة».

وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما هُزمت الدولة العثمانية، واصل جمال باشا أنشطته في أوروبا وآسيا، بعد أن فرّ إلى أوديسا عبر غواصة ألمانية في 1-2 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 رفقة 7 من قادة الاتحاد والترقي.

أثارت ممارسات جمال باشا في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، خاصة خلال فترة مهامه بين عامي 1911 و1917، الكثير من الانتقادات. وانتقد حسين كاظم قادري بك، أحد ولاة الدولة العثمانية في بيروت، ممارسات جمال باشا في المنطقة بعبارات قاسية ضمن مذكراته. تم طرد جمال باشا من الجيش في غيابه يوم 5 يوليو/تموز 1919، حيث اتهمته المحكمة العسكرية في إسطنبول بالتسبب في تمرد المكونات العربية، التي تعيش في الدولة العثمانية، ثم حُكم عليه بالإعدام. بعد الحرب العالمية الأولى، ذهب جمال باشا أولاً إلى أوروبا ثم إلى روسيا. ولاحقا انتقل إلى أفغانستان بهدف تحديث الجيش الأفغاني.. وقُتل جراء إطلاق النار على سيارته في 21 يوليو 1922، عن عمر يناهز الخمسين، على يد عنصرين من عصابات أرمنية في تبليسي، التي مرّ فيها أثناء عودته إلى أفغانستان. كان اسمه الحقيقي أحمد جمال، وهو من مواليد جزيرة ميدلي «ليسبوس» في 6 مايو/أيار 1872. في الآونة الأخيرة، ظهرت في تركيا تصريحات صدرت قبل 25 عاما عن رئيس تركيا الثامن تورغوت أوزال، حول جمال باشا. أحد أهم أجزاء مقابلة الصحافي الراحل يالجين أوزر مع الرئيس آنذاك تورغوت أوزال في عام 1991، والتي كان يخفيها منذ 25 عاما، تتعلق بقضية جمال باشا. نقل أوزال معلومات مذهلة عن كيفية انهيار الدولة العثمانية، إثر تعرضها للخيانة، وحول تعاون الخونة مع البريطانيين، وهي معلومات تشكل أهمية كبيرة بالنسبة إلى يومنا الحاضر. سأل يالجين أوزر المرحوم أوزال، عندما كانت الولايات المتحدة تحاول غزو العراق: «ألا يزيد الدعم المقدم للولايات المتحدة من سوء العلاقات مع العرب؟»، فأجاب: «إسأل حسن جمال حفيد جمال باشا»، ثم قدم شرحاً حول جمال باشا وكيف خان دولته. عندما طلب منه يالجين أوزر أن يتحدث بشكل مفصل أكثر عن قوله «إسأل حسن جمال عن هذا»، قال أوزال: «من مشاكلنا أن بلادنا والشرق الأوسط يقعان في الحزام الساخن. من السهل جدا العثور على أشخاص للبيع في هذه البلدان. لا يمكنكم شراء ألماني أو بريطاني أو فرنسي أو ياباني أو روسي. قبل تدمير الدولة العثمانية، اشترى البريطانيون بعض الناس من الداخل.. طلب البريطانيون من القائد العام للجبهة الجنوبية العثمانية جمال باشا، الذي كان يتقاضى راتباً منهم، إحضار فتيات علماء الإسلام في دمشق (التي كانت مركز العلوم الإسلامية في ذلك الوقت) إلى مقره وأن يجبرهم على تناول المشروبات الكحولية معه والتحرش بهن ثم تركهن. وبالفعل، نفذ جمال باشا الأوامر وسرعان ما انتشرت هذه الأحداث المخجلة في العالم العربي، وبدأت حملة تشويه مفادها أن «الدولة العثمانية فسدت وخرجت عن الطريق الإسلامي»، وبذلك جعلوا العرب يعادون الدولة العثمانية، وأدى ذلك إلى تحرك الشريف حسين والعرب في الحجاز ضد الدولة العثمانية مع البريطانيين، من دون البحث عن حقيقة الأمر والإشاعات. ولهذا السبب قلت لكم «اسألوا حسن جمال عن مصدر العداء العربي – العثماني».

وقال أوزال في مقابلته، إن الأوروبيين دمروا الإمبراطورية العثمانية من الداخل بالرجال الذين اشتروهم بالمال، وبالتالي انقطعت تركيا عن العالم العربي والمسلمين في الهند، وأضاف: «بهذه الطريقة حقق البريطانيون أمرين: سيطروا على حقول النفط في الشرق الأوسط، وسيطروا على الهند بإلغاء الخلافة بعد أن عجزوا عن السيطرة عليها عندما كانت تحت سلطة خليفة المسلمين».

خلاصة الكلام؛ هذه التصريحات التي أدلى بها تورغوت أوزال قبل 21 عاما عادت اليوم إلى أجندة تركيا. يذكر أوزال في مقابلته أن من يعطل العلاقات التركية العربية، هم عموما بيادق بيد الغرب، سواء أكانوا أتراكا أو عربا أو جنودا أو سياسيين أو كتابا. يقول أوزال إن بقوله الحروب والانقلابات لن تنتهي في هذه المنطقة، نظرا لأنها تقع تقع في الحزام الساخن، يؤكد أن قادة مثل السلطان عبد الحميد، الذين يحبون شعوبهم ويفعلون ما يلزم من أجل تنميتهم، كانوا دائما يتعرضون للهجوم ومحاولات الإطاحة من قبل الخونة. آمل أن تنصت شعوب الشرق الأوسط التي تعيش في الحزام الساخن إلى هذه النصائح. بشكل جيد.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس