د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية أنه "استجابة للدعوة المقدمة من وزارة الخارجية التركية، سيقوم السيد السفير حمدي لوزا نائب وزير الخارجية بزيارة إلى أنقرة يومي 7 و 8 من سبتمبر 2021، لإجراء الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا".

لماذا لم تتمّ حتى الآن جولة الإياب المتّفق عليها بين أنقرة والقاهرة على الرغم من مرور أكثر من 3 أشهر على اللقاء أو الحوار الاستكشافي العلني والرسمي الأول في العاصمة المصرية؟ كان هناك "تسريبات" كثيرة حول فشل الحوار وتجميده والعودة إلى خط البداية في مسار العلاقات وانتهاء ما بدأ في شهر أيار المنصرم بين الوفدين برئاسة نائبيْ وزير الخارجية في البلدين. لكن الخارجية المصرية قطعت الطريق على المزيد من هذه التنبؤات، لا ضرورة للاستعجال والتسرع، الأمور تسير كما هو مقرر لها والجلسة الثانية ستعقد في السابع من الشهر الحالي في العاصمة التركية أنقرة ولمدة يومين.

هناك مفاوضات تركية مصرية بدأت قبل أكثر من عام بعيدا عن الأضواء على مستوى أجهزة الاستخبارات بقرار سياسي رفيع وهناك تفاهمات تحولت إلى إنجازات في قضايا إقليمية حساسة تهم البلدين مثل الملف الليبي وأزمة شرق المتوسط. وبعدها جلست الوفود أمام الكاميرات مما يعني أن تأخر موعد جولة الإياب في الحوار لا تتعارض مع قناعة الجانبين أن هذا التعثر لن يطول لأن عجلة التقارب والانفتاح انطلقت ومن الصعب عرقلتها بعد الآن.

لم يكن أي عاقل في تركيا ومصر يراهن على تقارب محتمل في علاقات البلدين قبل عامين لأن ملفات الخلاف كانت كثيرة ومتشعبة ولأن عددها كان يتزايد على المستوى الثنائي والإقليمي. القناعة الجديدة في البلدين هي أن مكاسب استراتيجية كثيرة بانتظارهما بعد تحسين العلاقات وإعادتها إلى سابق عهدها ويبدو أن هذا ما سيحصل عاجلا أم آجلا. هي الرغبة المشتركة لدى القاهرة وأنقرة بطي صفحة القطيعة السياسية التي امتدت 8 سنوات، لكن سببها الحقيقي هو حدوث تطورات سياسية وأمنية واقتصادية في سياق إقليمي تستدعي تفعيل وتسريع هذا الحوار.

المهام الموكلة إلى سدات أونال وحمدي سند لوزا ليست سهلة تحتاج إلى حنكتهما الدبلوماسية وتجاربهما الطويلة والصبر مفتاح الفرج بعدما أفسدت السياسة العلاقة بين قطبين إقليميين تحتاج المنطقة إليهما جنبا إلى جنب كما شاهدنا في قمة بغداد مؤخرا.

الحوار الدبلوماسي المصري التركي خيار استراتيجي فرضته الكثير من المعطيات الإقليمية والدولية لكن ذلك لا يعني حتما أن المصالحة والتطبيع سيكونان بين ليلة وضحاها بعد 8 سنوات من القطيعة السياسية.

العقبة في العلن هي مسألة الإخوان المسلمين المصريين الذين استقبلتهم تركيا منذ 7 سنوات وفتحت لهم مجال التحرك السياسي والإعلامي فوق أراضيها لكن العقبة الحقيقية كما يبدو كانت ملف الإخوان المسلمين في ليبيا وداخل حكومة الوفاق الذي بقي يقلق القاهرة إلى أن تم تسجيل الاختراق المصري في التعامل مع الملف بعد تبدل واضح في سياسة مصر الليبية.

الهدنة القائمة في موضوع شرق المتوسط والتطورات المتلاحقة في منطقة الخليج إلى جانب القلق المشترك في ملف أفغانستان والزيارات المكوكية التي تجري على خط القاهرة والدوحة وعمان والحوار التركي الإماراتي كلها مسائل إيجابية ستصب لصالح تحريك وتفعيل الحوار. لكن الأهم دائما كان القناعة التركية حول أن إبقاء العلاقات متوترة وساخنة مع الرياض وأبو ظبي وبغداد مثلا لن يسهل إنجاز الرغبة التركية في المصالحة مع القاهرة.

بعد انتقادنا أكثر من مرة للجهود الكبيرة التي بذلت لتوتير العلاقات التركية المصرية قبل 8 أعوام يطلب إلينا اليوم أن نتحدث عن إيجابيات الحوار القائم بين البلدين وضروراته. لكن حقائق ومعطيات كثيرة تقول إن المسألة ليست بمثل هذه السهولة والبساطة لأن الحوار لا يمكن أن يكون تركيا مصريا فقط وتجاهل دول الاصطفاف وراء البلدين في العديد من الملفات الإقليمية. أصوات عربية كثيرة دعت إلى تحول حقيقي في سياسات تركيا العربية قبل الحديث عن تحول في العلاقات التركية المصرية وأصوات غربية عديدة دعت إلى سياسة مصرية جديدة في التعامل مع ملفات ليبيا والقضية الفلسطينية وسوريا لأنها ستسهل الحوار التركي المصري ويبدو أن هذا ما حدث.

كان وزير الخارجية المصري سامح شكري في أيلول العام المنصرم، يدعو أمام اللجنة الوزارية العربية المكلفة بمتابعة السياسات التركية إلى انتهاج سياسة عربية موحدة وحازمة "لردع تركيا". شكري ما زال على موقفه كما يبدو حين ردد قبل أيام أن مصر مازال لديها تحفظات على بعض السياسات التركية في عدد من الملفات، مكررا أن القاهرة وأنقرة تواصلان علاقاتهما الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال في سفارتي البلدين كما كان سابقًا. الوزير المصري لم يشأ الكشف عن الأوراق المصرية قبل انتهاء أعمال الجولة الثانية الرسمية من المحادثات بين البلدين، لكنه هو الذي يعرف أكثر من غيره أن الاتصالات التركية المصرية بدأت وسط تكتم شديد في منتصف العام المنصرم وأن 3 لقاءات تمت على الأقل لبحث سبل تحسين العلاقات بين جهازي الاستخبارات في البلدين بمشاركة دبلوماسية ضيقة قبل الجلوس الرسمي أمام العدسات.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عند انطلاق الجولة الأولى من المحادثات التركية المصرية في القاهرة عن بداية جديدة في العلاقات "المحادثات ستتواصل وسيتم تطويرها وتوسيعها". والمحادثات لن تظل استكشافية بين الجانبين وهو مصطلح تركي ابتكرته الخارجية عندما قررت إطلاق عملية تموضع إقليمي جديد. صحيح أن وصف المباحثات بالاستكشافية جاء بهدف عدم تعليق آمال كبيرة عليها، وإبراز الحذر والحرص أمام طاولة المفاوضات بانتظار تسجيل الاختراق الحقيقي. لكن الحماس والاندفاع التركي يواكبه اليوم قناعة مصرية حول اقتراب موعد الابتسامة الساحرة للسفير لوزا.

احتمال أن يكون يكون لكل طرف خصوصياته في خطط اللعبة التي أعدها، تمريرات قصيرة في مساحات واسعة على الطريقة التركية أو "خذ وهات" على الطريقة المصرية، لكن الحوار انطلق وكلا الطرفين متمسك به حتى ولو تعثر وتأخر وتشعبت الملفات وبذلت إسرائيل واليونان وفرنسا المزيد من الجهد لعرقلته.

جولة استكشافية أو استطلاعية أخرى كما يقال لكن الوفد المصري سيمضي يومين في أنقرة كما هو معلن وهذا يعني أن الجلسات ليست بروتوكولية ولن تبقى في العموميات بل ستتوغل في التفاصيل وتشعباتها. ثمة تطورات وقعت خلال الأسابيع القليلة الماضية، تقول إن المناخ الإقليمي يتغير ومن شأن ذلك أن يحفز أكثر تسريع الحوار استعدادا لموسم الحصاد.

"واللي شبكنا يخلصنا".

 

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس