سمير صالحة – خاص ترك برس

اتفاقية التفاهم المبدئي الموقعة بين إيران و مجموعة 5+1، (وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا)،  في الثاني من نيسان الماضي بمدينة لوزان السويسرية على أن يحدد الجانبان التفاصيل التقنية والقانونية للاتفاق النهائي إزاء برنامج طهران النووي بحلول نهاية حزيران المقبل حركت العواصم الاقليمية لبحث سيناريوهات ايران النووية في المرحلة المقبلة لتكون هي وإسرائيل في قلب كل المساومات والاتفاقيات الاقليمية وان يكون ذلك على حساب لاعبين إقليميين اخرين مثل تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية .

تحرك ايران النووي حقيقة لم يعد بمقدور احد تجاهلها او التعتيم عليها وهي ان مضي إيران في سياستها النووية لتحقيق هدفها النهائي امتلاك السلاح النووي، يزيد اليوم من قلق ودوافع جيرانها الإقليميين مثل تركيا والسعودية وإسرائيل ومصر للتخطيط والتحرك باتجاه امتلاك هذه القوة، لتحقيق التوازن الإقليمي، كما يزيد من التقارب التركي الخليجي، نحو التعاون المشترك للتصدى لتوسع النفوذ الإيراني المدعوم بالقوة النووية في المنطقة. تركيا التي حصلت على ضمانات حلف شمال الاطلسي منذ مطلع الخمسينات وحتى اليوم لم تعد تثق بالترسانة النووية الغربية والتعهدات المقدمة لها في اطار الحلف وخارجه لانها تعرف ان الغرب وواشنطن تحديدا يساوما طهران على ملفات إقليمية بشكل مباشر تتعارض وتهدد مصالح انقرة الاقليمية وتتركها تحت رحمة هذا التفاهم والتقارب الاستراتيجي الاميركي الايراني .

لذلك نرى هذا الانفتاح النووي التركي على روسيا والصين والهند وترجمة التصميم التركي على فتح الابواب امام تحقيق الطموح النووي بعد أن واجهت الحكومات التركية العديد من الصعوبات والعراقيل وفي مرات عديدة منذ الستينيات وحتى اليوم عندما كانت اسرائيل هي الهاجس واضيف اليه الان العامل الايراني حيث بات واضحا ان امتلاك إيران للنووي سيجعلها القوة الصاعدة عسكريا في المنطقة والقادرة على موازنة الصعود الاقتصادي والاستراتيجي التركي . وهذا ما يؤكد حقيقة ان لا خيار أمام تركيا سوى المضي قدما في برنامج خاص للطاقة النووية يخضع لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ويلزم اللاعبين الاقليمين بها وهذا ما يحدث الان .

من الخطأ الاعتقاد بأن تركيا متقبلة لفكرة وجود "إيران نووية"، فتركيا تتفق مع حلفائها الغربيين على أن إيران يجب ألا تمتلك السلاح النووي لان العكس من شأنه أن يعزز حالة عدم الاستقرار في المنطقة، بل ويضر بطموحات تركيا للحفاظ على وضعها كقوة إقليمية رئيسية، علاوة على أن وجود إيران نووية أمر سيدفع في الغالب العديد من اللاعبين الإقليميين للالتحاق بهذا السباق وبينها دول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديدا إلى العمل على امتلاك التقنية النووية لتضمن بناء معادلة التوازن العسكري والامني في عملية تعرف تماما انها تقود الى سباق تسلح خطير يغير المشهد الإقليمي كاملا فرضته طهران وتل ابيب على دول المنطقة دون ان تترك لها اي خيار اخر .

تركيا تتجنب الحديث عن برامجها النووية حتى الان إلا أن العديد من الخبراء والمتابعين يرون ان انقرة سعت وتسعى دائما للاهتمام بهذه المسالة بعيدا عن الاضواء وهذا ما تكشفه العديد من التقارير الاستخباراتية العالمية . 

الجهود التركية المبذولة في السنوات الاخيرة باتجاه توقيع عقود تعاون نووي سلمي مع روسيا والصين تؤكد حقيقة ان انقرة تعتمد وتتبنى الإستراتيجية النووية الإيرانية،نفسها فإن كانت طهران وتحت غطاء البرنامج النووي السلمي تصر على  الوصول الى القنبلة النووية، فإن أنقرة تسوق ايضا لفكرة احتياجها المتزايد للطاقة، بسبب النمو السريع للاقتصاد كحجة للعمل على برنامج نووي سلمي .

الغرب يريد الان معرفة طريقة تفكير الأتراك، وما سيقولونه في حال وصلت الجهود المبذولة في الملف الإيراني إلى الطريق المسدود، وتمسكت طهران بسياساتها النووية،

الحقيقة التي لايمكن التعتيم عليها بعد الان هي ان إدارة البيت الأبيض تريد أن تعرف من أنقرة كيف سيكون موقفها في المرحلة المقبلة عندما تنهي إيران وضع اللمسات الأخيرة على مشاريعها النووية؟ ما الذي ستقوله حكومة رجب طيب أردوغان أمام انقلاب التوازنات العسكرية والاستراتيجية الإقليمية الواضح لصالح إيران؟ هل ستظل تركيا تكرر مواقفها المعروفة حول رفض تواجد هذا النوع من الأسلحة في المنطقة، أم إنها ستحذو حذو المجموعة العربية التي أطلقت أخيرا خطوة واضحة مبكرة لا تحمل أي التباس حول رفضها لما يجري أولا، ورفضها أن يكون الحل أو البديل على حساب مصالحها الإقليمية والاستراتيجية ثانيا؟

نقطة تقنية لايمكن الاستخفاف بها او تبسيطها ايضا وهي ما قاله نائب رئيس شركة "ويستينغ هاوس" النووية، جيف بنيامين أن تركيا قادرة بإمكاناتها المحلية على تأمين ما نسبته 50 إلى 70% من متطلبات إنشاء محطة للطاقة النووية. وتأكيده أن شركة وستينغ هاوس الأميركية قيّمت المشاريع النووية المزمع إنشاؤها في تركيا، مضيفاً " نحن جادون للغاية بخصوص السوق التركية، ونريد من تكنولوجيتنا النووية أن تعمل هنا". " الاقتصاد التركي قوي وسجل نمواً سريعاً،إن الدولة التركية تولي اهتماماً كبيراً لاستخدام الطاقة النووية الآمنة والفعالة، وهذا من شأنه أن يمنح الثقة للشركات مثلنا، ونحن نقًيم بشكل جدي موضوع إنشاء محطة نووية في تركيا". 

إيران تصر على تقديم نفسها وكأنها الفائز الأكبر الذي ألزم الغرب بالتراجع عن مواقفه السابقة، وبات يسلم بحقها في الاستفادة من التكنولوجيا النووية، لكن الاتفاق المرتقب بعد لوزان وتفاصيله التي ستعلن هي الآي ستساعدنا اكثر فاكثر على فهم اسباب إسراع العديد من اللاعبين الإقليميين لمناقشة برامجهم وخياراتهم النووية في السر والعلن .

المتابع لنتائج اجتماعات لوزان النووية يرى بوضوح ان العواصم التي حاورت طهران رغم توحدها وتقاسمها في العلن الا انها منقسمة على نفسها إلى 4 أقسام؛ أوروبي وأميركي وروسي وصيني، مصالحه تتباعد وتتقارب حيال إيران بحسب علاقاته التجارية والعسكرية والأمنية معها، وان الخطورة الحقيقية التي تقلق تركيا والعديد من دول المنطقة هي ان بعض العواصم الغربية التي حاورت ايران بدات منذ الان تقدم حساباتها على حسابات المجموعة .

اين اصبح كل التصلب الأميركي في رفض الحوار المباشر وحديث الرئيس الأميركي أوباما عن الفرصة الأخيرة ورسال التهديد والتصعيد الهادفة لقطع الطريق على كل التحليلات المتفائلة في المحادثات التي جرت حتى اليوم ؟ 

هاجس ايران النووية يتبدد ويتراجع لصالح قضايا ومسائل أمنية واستراتيجية إقليمية أخرى تفرض نفسها، حتى إن الموقف الإسرائيلي نفسه بات أكثر ليونة وتساهلا ويوحي بقبول إيران الجارة النووية مقابل منع سقوط أنظمة كنا نعتبرها، حتى الأمس القريب، عدوة له . ايران ستلعب ورقة الازمة السورية على  طاولة المحادثات التي تجري مع المجموعة الغربية وهي لن تتردد في قبول اقتراح التخلي عن نظام الاسد عندما تتاكد ان ما سيقدم لها من هدايا وعروض هي ببعد استراتيجي اقليمي اهم من الاسد ونظامه وبقائه في سلطة لم تعد تتجاوز ربع مساحة الاراضي السورية .

الحكاية بالنسبة للاتراك هي شبه معروفة . تركيا لم تعد تقبل بعد الان خصوصا في علاقتها بالعواصم الغربية ان تبقى في موضع الشاب الخجول الذي ظل لأشهر يترقب اللحظة المناسبة لمصارحة ابنة الجيران بغرامه بها، إلى أن أغضبها الانتظار ودفعها لقرع بابه تسأله إمكانية ائتمانه على قطتها مساء، فهي تريد تناول العشاء مع أحد المعجبين بها. يبدو أن الحوار النووي التركي السعودي الذي دار قبل سنوات بين رجب طيب اردوغان والعاهل السعودي الملك عبد الله خلال زيارة اردوغان للملكة لا يريد أحدا التوقف عند مضمونه .

ما تناقلته وسائل الاعلام مؤخراً حول القرار الاستراتيجي الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بالحصول على أسلحة نووية «جاهزة» من باكستان، وإن «هذه الخطوة من جانب السعودية التي مولت جانبا كبيرا من البرنامج النووي لإسلام آباد على مدار العقود الثلاثة الماضية تأتي وسط حالة من الغضب المتزايد بين الدول العربية " السنية " بسبب اتفاق يدعمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما تخشى هذه الدول من أن يتيح لعدوها اللدود، إيران " الشيعية " تطوير قنبلة نووية». يعكس حقيقة تفاهم تركي سعودي نحو التحرك للانضمام  إلى النادي النووي العالمي .مدير المخابرات السعودية السابق، الأمير سعود الفيصل،هو الذي سبق له وقال «أي شيء سيحصل عليه الإيرانيون سنحصل عليه أيضا» .

الإعلان الروسي عن رفع الحظر على تسليم إيران صواريخ "إس 300" يفسره مراقبون بأنه رسالة تجارية وسياسية متعددة الأوجه موجهة إلى الغرب اولا . إعلان الكرملين عن رفع الحظر على تسليم هذه المنظومة الصاروخية، التي تعادل أو تتفوق على صواريخ باتريوت الأميركية القادرة على إسقاط الطائرات واعتراض الصواريخ، رافقها موجة من ردود الفعل في أجواء سياسية وإستراتيجية متوترة. 

ففي حين انتقدت ألمانيا على لسان وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير قرار توريد أنظمة دفاع جوي روسية طراز إس 300 إلى إيران، معتبرا أن المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي "لم تنته بعد وبأن توزيع المكافآت هو أمر سابق لأوانه"، قلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خطورة تسليم إيران منظومة صاروخية متطورة معتبرا أن هذه الصواريخ هي مجرد أسلحة دفاعية

ورغم ان البعض يحاول التقليل من ارتدادات هذه الخطوة معتبرا مثلا أن تسلم إيران للمنظومة الصاروخية الروسية "لن يؤثر في أمن المنطقة العربية"، إذ أن مصر تسلمت هذه الصواريخ الروسية قبل إيران الا ان هناك حقيقة لاديمكن تجاهلها وهي أن تسلم إيران لمنظومة الصواريخ المتطورة تحمل دلائل خطيرة، فتسليم هذا السلاح ينبغي أن يقاس بمعيار 2015. فالمنطقة تشهد تغييرات سياسية كبيرة، والمعادلات والتركيبات السياسية تختلف الآن عن ما كانت عليه الأوضاع الأمنية في العام 2007. مصر حصلت على الصواريخ المتطورة "عبر اتفاق استراتيجي أمني مع روسيا" بينما إيران "تأخذ السلاح الروسي، بدون أية شراكة أمنية روسية". إيران تريد أن تكون "قوة عسكرية مستقلة تدافع عن مصالحها فقط. هدف السعودية من شراء الأسلحة دفاعي في مواجهة التحدي التي تمثله إيران. وهذا ما ينسجم مع ما أعلنته السعودية بشأن مفاعلاتها النووية 16 المزمع إنشاؤها بتكلفة تقديرية تبلغ 300 مليار دولار " . 

لكن سيناريو التفاهم النووي بين ايران والغرب سيحمل معه سيناريو اخر مضمونه ان منطقة الشرق الأوسط قد تشهد تقاربا جديا بين "إيران وإسرائيل، بعد انجاز اتفاقية لوزان النووية . ما من أحد كان يعتقد أن إيران والولايات المتحدة ستجلسان وجها لوجه في مفاوضات 5 +1. وهو ما حصل. والآن تشهد العلاقات الإيرانية الغربية انفراجا وهو ما سيقود إلى "تقارب إيراني إسرائيلي حتمي في المنطقة". هذا التقارب قد يعزز من قوة إيران في المنطقة . ملفات عديدة نوقشت بعيدا عن الأضواء بين إيران والغرب في لوزان، وبات من المعروف ان إيران سترضى بتغيير في موقفها من الملف السوري ضمن إطار المحادثات النووية ورفع الحصار المفروض حولها وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس