ترك برس

قال أورهان غازيغيل، المستشار الإعلامي السابق للسفارة التركية في موسكو، إن غالبية الشعب في روسيا يعتقدون أنهم يحاربون الولايات المتحدة وحلف الناتو وليس الأوكرانيين.

وفي حوار مع وكالة الأناضول أجاب غازيغيل عن أسئلة متعلقة بتاريخ العلاقات الروسية- الأوكرانية، ورأي الشعب الروسي في الحرب مع أوكرانيا ووجهة نظر الرئيس الروسي بوتين والأوضاع الحالية في روسيا.

- ما هو الوضع العام في روسيا الآن؟

غازيغيل: هناك حالة من التوتر تسود الأجواء في البلاد منذ مدة طويلة بسبب الأحداث التي بدأت في أوكرانيا عام 2014 وضم روسيا لشبه جزير القرم والأحداث التي اندلعت بعد ذلك في شرقي أوكرانيا. كل ذلك كان قد مهد الأرضية لدى الرأي العام الروسي للتوتر والصراع مع الغرب.

- ما هو رد فعل الشعب الروسي على الحرب؟

كان من الواضح أن هناك تحرك روسي سيتم حيال أوكرانيا وبصفة خاصة كان من المتوقع أن تتدخل روسيا عسكريا في شرقي أوكرانيا إلا أنه لم يكن أحد يتوقع أن تنشب حرب كبيرة لهذه الدرجة. ومن الصعب أن نقول إن أغلب الشعب الروسي لا يدعم هذه الحرب على أوكرانيا. كما أن الجميع يعرفون أن الحياة في البلاد ستتأثر بسبب العقوبات وارتفاع التضخم وتغير العديد من الظروف.

- هل يلقي الروس اللوم على الغرب بسبب العقوبات؟

علينا أن نحلل جيداً الأساس الاجتماعي والنفسي للشعب الروسي. من المعروف أن الاتحاد السوفيتي قد تفكك عام 1991 إلا أن "الشعب السوفيتي" واصل وجوده، ولا زالت بعض المفاهيم التي رسختها هذه الفترة في عقلية الشعب لا تزال قائمة حتى اليوم. وعلى مدار 70 عاماً كانت الولايات المتحدة وحلف الناتو بالنسبة للاتحاد السوفيتي هما أصل كل الشرور. والذين نشأوا على هذا الفكر وهذه الدعاية لازالوا يعيشون حتى الآن في روسيا. فعندما قال بوتين للشعب الروسي "إننا في الأصل لا نحارب أوكرانيا بل نحارب الغرب، نحارب الناتو والولايات المتحدة الأمريكية" كان في الحقيقة قد ذكرهم فقط بمجموعة من الرموز والمفاهيم المترسخة في ذهنهم منذ سنوات طويلة.

قسم من الشعب يقول إن "أجدادنا في الماضي مروا بظروف أصعب من هذه، أثناء الحرب العالمية الثانية وتمكنوا من النجاة منها، ونحن أيضاً يمكننا القيام بذلك إذا اقتضى الأمر، ولكن لن نقبل بأن يحتقرنا الغرب أو أن يحاصرنا حلف الناتو". وقسم أخر يرى أنه لا يتعين على روسيا أن تتصادم مع الغرب بهذا الشكل، وأن البلاد يجب أن تدار بشكل أكثر ديمقراطية، وأن تطور علاقات مع جيرانها، قائمة على التعاون بدلاً من التهديد. وهذا القسم أغلبه من الطبقة الوسطى، من الشباب المتعلم المنفتح على الغرب والعالم.

يمكننا القول إن نسبة القسم الأول من إجمالي الشعب الروسي هي الأكبر. وقد اتضح في دراسة أجريت مؤخراً حول ما إذا كان الشعب الروسي يدعم العملية العسكرية في أوكرانيا أم يرفضها، أن أكثر من 70 في المئة من الشعب يدعم العملية. وإذا ما تابعنا الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي في روسيا سنلاحظ استخدام العديد من الرموز والمفاهيم الراسخة في العقلية الروسية، من أجل إضفاء شرعية على العملية العسكرية في روسيا.

- ما هي تلك الرموز والمفاهيم؟

مكافحة النازية والفاشية والغرب. والكفاح ضد القوى الراغبة في حصار روسيا. فالشعب الروسي لا ينظر إلى الأمر على أنه حرب مع أوكرانيا. لأن الرسائل التي تُوجه للشعب كلها تقول إن روسيا تكافح النازية والنازيين الذين سيطرون على الحكم في أوكرانيا وتكافح ضد الجهود الراغبة في إبعاد الشعب الأوكراني عن الشعب الروسي.

- كيف ينظر الروس إلى أنفسهم وتاريخهم؟

تسبب إخفاق الاتحاد السوفيتي في الحفاظ على وجوده وعدم قدرته على منافسة الغرب وحل مشاكله الداخلية وتفككه نتيجة لذلك في صدمة كبيرة لدى الشعب الروسي. فالروس يولون أهمية كبيرة لأن تكون دولتهم قوة عظمة لها مكانتها في العالم. وعندما تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 أصبح الشعب الروسي يقول إنه فقد مكانته واعتباره في العالم وتحولت الرغبة في إعادة اكتساب هذه المكانة إلى فكر ومبدأ وطني لدى الشعب.

- ما هو دور الرئيس بوتين في ذلك؟

في أحد خطاباته السابقة وصف الرئيس الروسي بوتين تفكك الاتحاد السوفيتي بأنه أكبر كارثة جيو-سياسية حدثت بالقرن الماضي. وفي مؤتمر الأمن بميونخ عام 2007 قال بوتين إن النظام العالمي أحادي القطب، لم يعد يناسب الواقع والظروف الحالية في العالم، وإن موسكو لا تقبل هذا النظام وترغب في الكفاح من أجل تغييره. ومن خلال العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا في جورجيا عام 2008، رأى العالم أن روسيا بدأت تتحرك بالفعل في ضوء الرؤية التي عبر عنها بوتين بمؤتمر ميونخ للأمن.

- ما هي العناصر التي تغذي رؤية وفكر بوتين؟

يسعى بوتين لإعادة نهضة روسيا وجعلها قوة عظمى من جديد. وبينما يمضي قدماً لتحقيق ذلك، يضع نصب عينيه الميراث السوفيتي القديم. إذ أن الاتحاد السوفيتي هو أقوى وضع وصلت إليه روسيا في تاريخها. كما يهتم كثيراً بأفكار ورؤى بعض المفكرين الذين اضطروا لمغادرة روسيا في فترة محاربة النظام القيصري ضد البلاشفة. ومن أبرز هؤلاء المفكرين نيكولاي بيرداييف وإيفان إليين وبعض المفكرين الذين شكلوا الأسس الأيديولوجية للدولة الروسية الحالية.

- هل هذه الحرب صراع بين الأشقاء وليست حرباً بالمعنى المعروف؟

يمكن أن نصف ما يحدث بأنه صراع أشقاء داخل العالم السلافي. لأن روسيا وأوكرانيا دائماً ما ربطتهما علاقات وطيدة جداً قلما وجد لها مثيل في العالم. فمعظم العائلات الروسية تمتد جذورها إلى أوكرانيا والعكس صحيح ولم تحدث قطيعة تامة بين البلدين في أي وقت رغم إعلان أوكرانيا استقلالها. لذلك يمكننا القول إن هذه الحرب يمكن أن توصف بعد فترة طويلة بأنها كانت "صراع داخلي بين السلاف" أو "حرب داخلية". لأن المهاجمين والمدافعين تجمعهم روابط عرقية ودينية وتاريخية ولغوية مشتركة.

- ما مدى صحة الانتقادات التي تقول إن بوتين بدأ هذه الحرب بدوافع سياسية داخلية؟

يجب أن ننظر هنا إلى الصورة الكاملة حتى يمكننا تقييم الوضع بشكل صحيح. فهذه الحرب نتاج حسابات جيوسياسية كبيرة أكثر من كونها نتاج حسابات متعلقة بالأوضاع السياسية اليومية. أي أنه يجب فهم وضع روسيا داخل النظام العالمي. الحسابات السياسية الداخلية ربما تكون موجودة أيضاً، إلا أنه لا يمكن حل مشاكل داخلية بالدخول في حرب كبيرة كهذه ومعاداة كل العالم. وأرى أن سبب الحرب هو رغبة موسكو في تصفية حسابات مع النظام العالمي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!