ترك برس

ألقت الحرب الروسية على أوكرانيا بظلالها على الكثير من القطاعات في تركيا كما هو في باقي دول العالم، وفي مقدمتها مجالات الطاقة والسياحة والمواد الغذائية، الأمر الذي دفع الحكومة التركية لاتخاذ سلسلة خطوات وتدابير لمواجهة انعكاسات الأزمة عليها.

وتربط تركيا مع كلّ من روسيا وأوكرانيا علاقات تجارية واقتصادية كبيرة وحساسة، وخاصة في القطاعات الـ 3 المذكورة.

ووفقا لبيانات وزارة الثقافة والسياحة، استضافت تركيا 24.7 مليون سائح أجنبي في عام 2021، منهم 4.7 ملايين من روسيا و2.1 مليون من أوكرانيا.

وسجلت أسهم الخطوط الجوية التركية و"بيغاسوس" تراجعا بنحو 10%، في حين ارتفعت فوائد السندات.

وكان بولنت بلبل أوغلو، رئيس اتحاد أصحاب الفنادق والمرافق السياحية في جنوب بحر إيجه، قد صرّح أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستكلّف قطاع السياحة التركي 5 مليارات دولار.

وفي السياق نفسه، أكد محمد إيشلر رئيس اتحاد المرافق السياحية في إيجه أن خسائر القطاع قد ترتفع إلى 10 مليارات دولار بفعل التأثير المضاعف الناجم عن تأثير قطاع السياحة على 54 قطاعا فرعيا.

وأضاف "عقب الخسائر المادية ستتجه المرافق السياحية صوب السياحة المحلية، غير أن السياحة الداخلية لن تتمكن من تلبية احتياجات المرافق السياحية الضخمة"، بحسب ما نقله تقرير لـ "الجزيرة نت."

وذكرت صحيفة "سوزجو" التركية أن "روسيا شريك اقتصادي مهم لتركيا من ناحية السياحة وتدفق الغاز"، مشيرا إلى أنه رغم تباطؤ حركة صرف العملة مع الودائع المدعومة بالعملة الأجنبية، فإن التأثيرات الإضافية الناجمة عن أسعار الطاقة قد تشكل خطرا على التضخم، وتؤثر سلبا على ميزان الحساب التجاري.

الليرة والقمح

مع بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، انخفضت العملة التركية في بورصة إسطنبول نحو 9%، وانخفضت الليرة أمام الدولار الأميركي نحو 3% لتسجل 14.50 ليرة للدولار الواحد، في حين ارتفعت قيمة الذهب نحو 8%.

ويقدر الخبراء بأن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي تزامنا مع الحرب الروسية على أوكرانيا، قد يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات التركية، وتقليل عائدات السياحة، والتأثير على الحسابات المتعلقة بميزان الحساب الجاري، وهذا الوضع سيؤدي إلى خسارة الليرة التركية والأصول المقومة بالعملة المحلية.

واتسع العجز التجاري في يناير/كانون الثاني الماضي على أساس سنوي بنسبة 241% إلى 10.4 مليارات دولار، وفقا لبيانات وزارة التجارة التركية.

وفيما يتعلق بالقمح، فتركيا تستورد 9 ملايين طن من القمح، 65% منها من روسيا و15% من أوكرانيا، مما يخلق خشية من ارتفاع أسعار الخبز ومنتجات القمح، مقابل أن وزارة الزراعة والغابات أكدت أنه لن يكون هناك نقص في الحبوب -وتحديدا القمح- حتى موسم الحصاد القادم.

الطاقة

تغطي تركيا 95% من احتياجاتها للطاقة عبر الاستيراد، وتعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، الذي استوردت منه 33.6 مليار متر مكعب عام 2020 من أصل إجمالي استهلاك في العام نفسه بلغ أكثر من 48.1 مليار متر مكعب، وفقا لتقرير هيئة تنظيم سوق الطاقة.

ومن المرجح أن تؤدي الزيادة العالمية في أسعار مصادر الطاقة المتنوعة إلى زيادة فاتورة الطاقة في تركيا نظرا لاعتماد البلاد الشديد على الواردات، حيث تجاوزت فاتورة واردات الطاقة العام الماضي 55 مليار دولار.

لذلك جاء تصريح المدير التنفيذي لشركة الغاز التركية "غاز داي" محمد دوغان قلقا للغاية "إذا نظرنا إلى أسوأ الاحتمالات، وتصاعد الصراع الروسي الأوكراني خلال الصيف، وأوقفت روسيا تصدير الغاز إلينا، فإن أسعار الغاز ستقفز بشكل كبير، لكن إذا وقع ذلك خلال الشتاء، فإنه لن تكون أمام تركيا فرصة".

كما توقع خبراء الطاقة والنفط أن ترتفع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل في وقت قريب جراء التوتر الروسي الأوكراني، وفرض المزيد من العقوبات على موسكو، وزيادة الطلب العالمي على الطاقة بعد عودة النشاط الاقتصادي للدوران مع الرفع التدريجي للقيود المفروضة لمواجهة تفشي فيروس كورونا.

خطط الحكومة التركية لمواجهة انعكاسات الأزمة

وفي السياق أكد إسماعيل نعمان تالجي، نائب رئيس مركز أورسام بأنقرة المقرب من الحكومة التركية، أن وزارات الاقتصاد والمالية والطاقة والزراعة والسياحة أعدت خطة كاملة للتعامل مع أي خسائر محتملة ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وقال تالجي إن "لدى تركيا مخزون من القمح يمثل 5 أضعاف ما يستهلكه المواطن التركي، فضلا عن أن القمح المحلي يكفي لإنتاج الخبز دون منتجات القمح الأخرى"، مشيرا إلى أن خيار استيراد القمح من إيران موجود على الطاولة إذا لزم الأمر.

من جهته، قال رئيس مجلس إدارة الحبوب التركي أوزكان طاش بينار "تركيا دولة تتمتع باكتفاء ذاتي من القمح، المعدل الوسطي لحاجة السوق المحلية من القمح يبلغ 20 مليون طن، وهذه الكمية تنتج محليا"، لذلك برأي طاش بينار، فإن الحرب الروسية الأوكرانية لن تتسبب في أي مشاكل في توريد القمح للسوق المحلية في تركيا.

وفيما يتعلق بالطاقة، أوضح تالجي أن بلاده تستورد النسبة الكبرى من روسيا، لكن إذا تعذر الاستيراد منها بسبب الحرب فإن أنقرة ستعكف على تجديد اتفاقياتها مع أذربيجان وقطر ونيجيريا، ورفع نسبة الاستيراد منها.

أما بشأن ملف السياحة فأشار إلى أن تركيا ستتأثر بعدم قدوم السياح الروس كونهم يشكلون النسبة الكبرى، لكن تحسين العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل سيعوّض نسبيا الخسارة، مبينا أن وزارة السياحة تعكف على التحضير لموسم سياحي صيفي مختلف سيجذب السياح من كل العالم.

وختم تالجي بالقول إن الحرب ربما تأتي بالنفع على تركيا وليس العكس كون العقوبات الغربية على روسيا ستضطرها للجوء إلى أنقرة اقتصاديا وتجاريا.

وفي 24 فبراير/ شباط الماضي، أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية "مشددة" على موسكو.

وتشترط روسيا لإنهاء العملية تخلي أوكرانيا عن أي خطط للانضمام إلى كيانات عسكرية بينها حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والتزام الحياد التام، وهو ما تعتبره كييف "تدخلا في سيادتها".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!