غزوان المصري - خاص ترك برس

سادت حالة من الهدوء في الشارع التركي عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدتها البلاد يوم الأحد الماضي (14 مايو/أيار 2023)، وخاصة بعد فشل استطلاعات الرأي التي كانت تدعي أن "تحالف الأمة"، بقيادة "حزب الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة)، سيحصل على نحو 50 في المئة من أصوات الناخبين.

 تنافس في الانتخابات الرئاسية كل من الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، مرشح "تحالف الجمهور"، وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو مرشح "تحالف الأمة"، فضًلا عن سنان أوغان مرشح تحالف "أتا" (الأجداد). وأعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تركيا أحمد ينار، الإثنين، رسميا إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/ أيار الجاري، لعدم حصول أي مرشح على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات.​​​​​​​

وحصل رجب طيب أردوغان على 49.51 بالمئة من أصوات الناخبين، فيما نال كمال قليجدار أوغلو 44,92 بالمئة، وسنان أوغان على 5.17 بالمئة ومحرم إنجه على 0.44 بالمئة. بحسب البيانات التي أعلنت عنها الهيئة العليا للانتخابات في تركيا.

فشلت بعض وسائل الإعلام الغربية في تضليل الرأي العام التركي، وتلقت ضربة قوية بعد أن كانت تنشر تقارير تستهدف الرئيس أردوغان وتزعم أنه سيخسر في الانتخابات الرئاسية أمام قليجدار أوغلو. وكل هذه المحاولات انقلبت ضد التحالف المعارض واستفاد منها حزب العدالة والتنمية الحاكم.

معروف أن الشعب التركي لا يقبل أبدًا الإملاءات التي تأتي من الخارج والتدخلات التي تحاول التأثير على السياسة الداخلية في بلاده وكان ردّه واضحًا في هذا الصدد من خلال التصويت لصالح تحالف الجمهوري والرئيس أردوغان. 

حقق تحالف الجمهوري نجاحًا كبيرًا على صعيد الانتخابات البرلمانية واظهرت النتائج الأخيرة أن شعبية التحالف لم تسجل تراجعًا في الآونة الأخيرة بل حقق زيادة لافتة على عكس التوقعات التي نشرها المعارضون في الداخل والخارج، ومن المؤكد أننا سنشهد في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية تصويتًا من أجل الاستقرار.

يرى المحللون والخبراء في تركيا أن الشعب يريد الاستقرار ولذلك فأنه سيفضل انتخاب أردوغان في الجولة الثانية حتى يكون هناك تناسق بين الرئاسة والبرلمان، ويرفض الخيارات التي من شأنها إثارة القلاقل في البلاد، وخاصة بشأن التضارب المحتمل بين الرئاسة والبرلمان في حال فوز قليجدار أوغلو.

هناك تحديات تواجه الرئيس أردوغان في حملته الانتخابية لاسيما التدخلات الخارجية وحملات التلاعب في مواقع التواصل الاجتماعي لكن المشاريع الخدمية والاستراتيجية التي ينجزها في عموم البلاد من حيث الطاقة والبناء والصناعات الدفاعية وغيرها تلفت انتباه الشعب بشكل كبير لأنه لم يخلف حتى اليوم بالوعود التي أطلقها منذ تسلمه السلطة في عام 2002. 

نلاحظ وجود التمام لافت حول تحالف الجمهور في الفترة الأخيرة، ويتوقع الخبراء والمراقبون أن نسبة أصوات الرئيس أردوغان في الجولة الثانية ربما تصل إلى 55 في المئة أو أكثر في ظل حالة عدم التجانس التي يعاني منها تحالف الأمة المعارض والفروقات في التفكير والتوجهات في الكثير من القضايا الهامة بين الأحزاب الـ6 التي تشكله بالإضافة إلى داعمه غير المباشر حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بدعم تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. علمًا أن الأخير أفقد التحالف نسبة كبيرة من الأصوات. 

يتعرض حزب الشعب الجمهوري حاليًا لضغوط كبيرة من قاعدته الشعبية بعد أن تسبب بخسارة مقاعد له في البرلمان لصالح الأحزاب الصغيرة المنحدرة من تيارات محافظة إسلامية والتي ضمها إلى تحالف الأمة أملًا بكسب أصوات المترددين في التصويت لأردوغان أو حزبه، وهذا الأمر أثار جدلًا كبيرًا حول مدى قدرة التحالف على حماية تماسكه خلال الفترة القادمة. 

وجد التحالف المعارض أن ورقة ترحيل الأجانب لاسيما اللاجئين السوريين في حال الفوز بالانتخابات لم يكن لها تأثير على النتائج، والآن لم يبق عنده أي وعود مقنعة يمكن أن يقدمها للمواطن التركي وبدأ يلجأ إلى أسلوب التهديد تجاه فئات كبيرة بما في ذلك المؤسسات المدنية والعسكرية، ولكن دون جدوى أيضًا. 

ركّز تحالف الأمة على 3 أهداف رئيسية هي العودة إلى النظام البرلماني وخفض معدلات التضخم وترحيل اللاجئين السوريين من الأراضي التركية والضربة القاضية التي تعرضوا لها تمثلت بتحالفهم غير المباشر مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتحسس منه الناخب التركي بسبب صلاته مع التنظيم الإرهابي والانفصالي “بي كي كي”.

أمّا تحالف الجمهور فكانت أهدافه واضحة جدًا، وهي استكمال المشاريع الاستراتيجية الكبيرة وخاصة في المجال التكنولوجي والصناعات الدفاعية وفتح فرص عمل للشباب والارتقاء بتركيا في المئوية الثانية للجمهورية إلى مصاف الدول المتقدمة والحفاظ على الدور الفاعل لتركيا إقليميًا ودوليًا وأن تكون من بين الدول العشر الأولى في العالم بحجم الاقتصاد، فضلًا عن خفض التضخم وتحسين الظروف الاقتصادية وإعادة إعمار الولايات الـ11 المتضررة من زلزال 6 فبراير/ شباط 2023. وكل هذه النقاط كان لها دور كبير في كسب ثقة الناخبين وهو ما انعكس على النتائج بشكل واضح.

عن الكاتب

غزوان المصري

خبير بالشؤون التركية، مهتم بالاقتصاد والسياسة والأعمال وبالتواصل العربي التركي ونائب رئيس منتدى الأعمال الدولي IBF


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس