ترك برس

في جميع الانتخابات التي تجري في الظروف العادية في أي بلد كان، نجد أن الأمر يتعلق بمواطني ذلك البلد. وقد تكون الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى، حالةً استثنائية حيث تؤثر الانتخابات الأمريكية على العديد من المواقع الجغرافية في العالم. كما أن انتخاب أحد الحزبين الديموقراطي أو الجمهوري، يمكن أن يغير بعض التوازنات بشكل جذري على سطح المعمورة.

وتتفق بعض الديكتاتوريات بشكل جيد مع الغرب الذي لا علاقة له بالحياة اليومية للناس هناك، أو ما إذا كانوا يمارسون الديمقراطية أم لا. ووفقاً للمقاربة الغربية لمعضلة الديمقراطية مقابل الديكتاتورية، فإن الدول الاستبدادية التي تعمل مباشرة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا مقبولة لدى الغرب بل مرضي عنها. ولا يشكك المنافقون الغربيون في الديمقراطية في تلك البلدان، ولا يصدرون تقارير حقوق الإنسان حولها. وعلى سبيل المثال، عندما يذهب ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة أو فرنسا، يستقبلونه عند بوابة الطائرة ويحتفون به أيما احتفاء.

لكن من الغريب أنه في الانتخابات التركية عموماً، فإن وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم تتخذ موقفاً بشأن هذه القضية.

لقد اعتادت وسائل الإعلام العالمية الغربية على نشر تحليلات قيّمة حول الانتخابات في بلد ما، وهم يستخدمون لذلك محررين مؤهلين معينين لتأليف كتابات جيدة بناءً على معلومات موثوقة تم جمعها من مصادر موثوقة. ومثل هذه الدراسات قد تحتوي على أخطاء طفيفة ولكنها تكون في المجمل عادلة. كما أن الفحص المتعمق لهذه التحليلات في المجلات الغربية قد يكون مثالاً يحتذى به للدول الأخرى.

ولكن الواقع الآن يبدو مختلفاً بأحداثه وتطوراته اللافتة للنظر فيما يتعلق بالانتخابات التركية. فإذا ما تركنا المعارضة جانباً في استطلاعات الرأي في تركيا، نجد أن ثلاث مجموعات نشطة انضمت إلى الحملة المناهضة لأردوغان.

أولاً، بدأت المنظمات الإعلامية الدولية في إصدار تهديدات مباشرة بدلاً من التنبؤات والتحليلات حول الانتخابات التركية. وخير مثال على ذلك ما نقرأه في عناوين الإيكونوميست من أنه يجب على الرئيس رجب طيب أردوغان المغادرة، ثم تحديث التغريدات المستفزة كل يوم على تويتر، وبعد ذلك إصدار تهديدات بالفوضى إذا لم يرحل أردوغان.

أما المجلات الفرنسية فقد شبهت أردوغان بالسلاطين العثمانيين السابقين أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما وجهت تهديدات مماثلة مفادها "إذا لم يرحل أردوغان فستعمُّ الفوضى في البلاد". واتبعت وسائل الإعلام الألمانية مثل دير شبيغل التي كانت أكثر عداءً لأردوغان، نفس المسار وراحت تهدد المواطنين الأتراك في ألمانيا إضافةً للشعب التركي.

حملة الجماعات الإرهابية أيضاً

وإلى جانب وسائل الإعلام الغربية، ظهرت مجموعة نشطة أخرى في الحملة الانتخابية هي تنظيم بي كي كي الإرهابي. وقام الإرهابيون المتمركزون في العراق وسوريا والمسؤولون عن قتل مئات الأشخاص بمن فيهم الأطفال والمدنيين وأفراد الجيش والشرطة، بتبني دور "المتحدثين الرسميين" خلال الحملة الانتخابية، بل أعلن أحد زعماء الجماعة التي تعتبرها كل الدول منظمة إرهابية، انهم يدعمون تحالف الأمة! فيما كرر إرهابي آخر تهديد الإيكونوميست بقوله إن أردوغان يجب أن يرحل! وقال آخر إنهم في حالة خسارتهم سيبدأون حرباً!

وبدا جلياً بما لا يقبل الشك أن هؤلاء الإرهابيين الذين أوغلوا في دماء الشعب التركي، يدعمون قلتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي لكتلة المعارضة، ويهددون الرئيس أردوغان تماماً مثل الإيكونوميست أو دير شبيغل.

واللاعب الثالث الذي ظهر في الحملة الانتخابية هو جماعة غولن الإرهابية وجواسيسها، وهي شبكة تجسس أمريكية تسللت إلى الدولة التركية على مدى 40 عاماً، وهم يتبنون معارضة الرئيس أردوغان، حيث شنوا حرباً شاملة على العملية الانتخابية.

ومثل وسائل الإعلام العالمية الغربية وتنظيم بي كي كي، تتطلع منظمة غولن الإرهابية إلى تشويه النظام القانوني وتنفيذ عمليات مشبوهة وابتزاز أموال الناس بشكل غير عادل، كما اعتادوا. والأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو أنه عندما استولت منظمة غولن الإرهابية على النظام القضائي وانخرطت في عمليات قانونية عميقة داخل الجيش، كانوا في صراع عميق مع حزب الشعب الجمهوري. لذلك يبدو الدعم الحالي منهم لحزب الشعب الجمهوري متناقض ومحزن.

ومع صعود نجم الدولة العثمانية، كان على الدول الأوروبية أن تتحد ضد التهديد التركي حيث أعلنت البابوية حرباً مقدسة من خلال توحيد أوروبا كلها تقريباً ضد العثمانيين. ويبدو أن عداء أردوغان الآن يدفع إلى توحيد الدول الأوروبية دون وجود بابا ولا قوة أخرى لتوحيدها.

وعلى مر التاريخ، اعتادت الأمة التركية على أنها في كل تهديد تتعرض له، يأتي رد فعل شعب الأناضول تاريخياً لحماية أمتهم وأرضهم وقائدهم عن طريق التعبئة. لذلك أعتقد أن أردوغان سيفوز في هذه الانتخابات كرد فعل جماعي على حملة تنظيم بي كي كي الدموي ومنظمة غولن الإرهابية ووسائل الإعلام الغربية المشتركة المناهضة لأردوغان.


**مقال تحليلي للكاتب التركي إحسان أقطاش، نشرته صحيفة "ديلي صباح"

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!