طه كلينتش - يني شفق

عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عاما من القطيعة، حيث انعقدت قمة الدول العربية يوم الجمعة الماضي في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.، بعد أن عُلقت عضوية سوريا عام 2011 جراء القصف والهجمات التي نفذها نظام بشار الأسد بحق السكان المدنيين. وعادت إلى "البيت العربي" دون مواجهة أي عقوبات.

وناقشت القمة عدة قضايا هامة أبرزها: "رؤية السياسة الخارجية النشطة للمملكة العربية السعودية" و"التداعيات الإقليمية لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية" و"مستقبل اللاجئين السوريين في مختلف البلدان" و"علاقات روسيا وإيران مع دول الجامعة العربية" و"موقع قطر داخل جامعة الدول العربية"..إلخ.

كل هذه القضايا يجب الحديث عنها في مقال منفصل. سأتطرق حاليا لجملة قالها بشار الأسد في كلمته بالقمة: "أحد أكبر المخاطر في منطقتنا هو خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة"

من الواضح أي بلد يعنيه بشار الأسد بكلمته. ولم تكن هناك اعتراضات أو تعليقات على كلمة الأسد من أي دولة في القمة، وخاصة المملكة العربية السعودية المضيفة. ولكن أمير قطر تميم غادر الاجتماع مبكرا قبل أن يلقي بشار الأسد كلمته حتى لا يستمع إليه. ووفقا لذلك فمن الممكن التحدث عن حالة "اللاوعي" هنا. كحالة أزمة غارقة في صلصة القومية التي تتصاعد في لحظات الأزمات التي لا تزال تتدفق في العالم العربي.

في سياق العلاقات مع العالم الإسلامي والدول الإسلامية، يمكننا تقسيم مناطق المناورة في السياسة الخارجية التركية إلى ثلاث فئات:

1) البلقان التي لا تزال تركيا على اتصال وثيق بها كشعب وكدولة.

2) الجغرافيا العربية المركزية التي سيطرت عليها الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الثاني.

3) المناطق النائية التي لم تحكمها الدولة العثمانية بحكم الأمر الواقع وبشكل مباشر عبر التاريخ.

المنطقة التي حققت فيها تركيا نجاحا كبيرا من حيث أهداف السياسة الخارجية هي البلقان. ينظر إلى تركيا على أنها "الأخ الأكبر" في هذه المنطقة، وتعتبر المحور الذي بإمكانه أن يجتمع مع كل الجهات الفاعلة في نفس الوقت ويطور العلاقات معها، وإلى الآن تتم استشارة تركيا في حالة حدوث أي مشكلة في هذه المنطقة.

أما الجغرافيا العربية التي حكمتها الدولة العثمانية قرابة 400 عام، تواجه صعوبات الحكم الإسلامي من قبل المسلمين في كافة الأبعاد. إذ لا تزال "بقايا" العلاقات التي أقيمت على شكل (الحاكم والمحكوم)، محسوسة ومُشاهدة بشكل واضح حتى يومنا هذا. ("البقايا" التي ذكرتها موجودة بين نخب السياسة والنخب الحاكمة وبين جمعيات الفنانين والمثقفين أكثر من وجودها في الطبقات الشعبية. تتصرف الشعوب مع الاستجابات الحالية التي تهيمن عليها العاطفة) لهذا السبب، يجب التخطيط بعناية للخطوات التي ستتخذها تركيا فيما يتعلق بالجغرافيا العربية وكتابة الخطابات بدقة والحرص على عدم تسميم العلاقات والاتصالات الموجودة من قبل القوى الخارجية. إن مصر والسعودية وسوريا – رغم هيمنة النفوذ الإيراني على سوريا – هي الدول المتنافسة على راية خطاب "العروبة".

إن شعوب البلدان البعيدة التي لم تتأثر بتوترات "الحاكم والمحكوم" معنا، تندفع نحونا بتعاطف ومودة كبيرة دون اتخاذ أي خطوات تجاهها. فمن ماليزيا إلى السنغال، ومن باكستان إلى تنزانيا، يمكننا الاستشهاد بالعديد من البلدان كأمثلة في هذه المرحلة. ففي هذه البلدان يسمون أطفالهم على أسماء أبطال المسلسلات، بحكم وجود روابط ثقافية، حيث تحظى تركيا بالإعجاب من كافة النواحي.

من الضروري النظر إلى كلمة بشار، التي نقلتها أعلاه، في مثل هذا السياق. ففي كل خطوة نتخذها نحو سوريا في الفترة المقبلة، سنواجه ذلك العقل الباطن الذي يخرج من لسان الأسد.

لقد انتشرت شائعة تم تداولها على نطاق واسع، ونشرها العديد من قادة الرأي والمفكرين والصحفيين في أوائل عام 2000:

مر بشار الأسد بوقت عصيب في التوترات المستمرة مع إسرائيل لدرجة أنه رد على رسالة أرسلت إليه من تل أبيب: "إذا استمرت مضايقاتكم أكثر، فسوف نرفع العلم التركي فوق هضبة الجولان والنقاط الحدودية الأخرى، وسيتعين عليكم بعد ذلك محاربة تركيا!"

لسنوات، ظن الكثيرون أن الأسد بإمكانه أن ينطق بمثل هذه الجملة التي تم نشرها كإشاعة وتلقينها للشعوب. لقد أثبت لنا "الربيع العربي" أن هذا ليس هو الحال على الإطلاق. لذلك، من الأفضل عدم ترك الواقع في أروقة الشرق الأوسط وعدم خلع النظارات الواقعية.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس