د. علي حسين باكير - عربي21
حظيت جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخليج العربي باهتمام إعلامي واسع، واكتسبت الجولة التي قام بها إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات أهمّيتها من كونها الجولة الخارجية الأولى التي يقوم بها أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية والعامة التي أجريت في تركيا مؤخراً.
التمديد للرئيس لولاية جديدة من خمس سنوات بالتزامن مع تطلّع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية والسياسية والأمنيّة أعطى الزيارة زخماً كبيراً للزيارة، ورفع من سقف التوقعات في ما يتعلق بالنتائج المتوخاة منها.
تزامنت الزيارة أيضاً مع مرور نصف قرن على العلاقات التركية ـ القطرية، وحوالي عقد من الزمن على التحالف القائم بين البلدين والذي أثبت صلابته وجدواه على مر السنين من خلال قدرته على تجاوز التحديات والمصاعب التي واجهت الطرفين لاسيما أزمة حصار قطر في عام 2017. نجم عن زيارة الرئيس أردوغان إلى السعودية وقطر والإمارات سلسلة من الاتفاقيات مع الدول الخليجية على أكثر من صعيد لاسيما على صعيد الاقتصاد والاستثمار والطاقة والدفاع والأمن.
أكّدت نتائج الزيارة على الانتقال من مرحلة التطبيع والتقارب لا سيما مع السعودية والإمارات إلى مرحلة توثيق العلاقات والشراكة الاستراتيجية. الاقتصاد والاستثمار كان الموضوع الأبرز، حيث وقّع الجانب التركي في ختام زيارته إلى الإمارات وحدها على سبيل المثال 13 اتفاقية بقيمة حوالي 50 مليار دولار، كما أنه تمّ تقليد الرئيس أردوغان بوسام زايد، وهو أعلى وسام في الدولة.
قطاع الصناعات الدفاعية التركية لا يقل أهمّية عن قطاع الاقتصاد والاستثمار، وقد حظي باهتمام واسع من قبل الخليجيين قبل وأثناء الزيارة. ففي ختام زيارة الرئيس للمملكة العربية السعودية، تمّ توقيع اتفاقيات تعاون دفاعي شملت شراء عدد من المسيرات التركية من بينها مسيّرة أكينجي على ما نقلت التقارير، وقد شكّلت اتفاقية التوريد ونقل التكنولوجية هذه أكبر عقد تصدير في قطاع الصناعات الدفاعية التركية منذ إنشائه.
وكانت سلطنة عُمان قد حظيت بهذه المرتبة (صاحبة أكبر عقد توريد في الصناعات الدفاعية التركية) في السنوات الماضية عندما وقعت عقداً لتوريد المدرّعات التركية، ثمّ حلّت محلها باكستان التي وقعت أكبر عقد لتوريد الهليكوبتر التركية (أتاك)، والآن تحل السعودية محل هذه الدول كصاحبة أكبر عقد توريد للمسيرات التركية.
الاهتمام الكبير بقطاع الصناعات الدفاعية التركي نابع من عدّة أسباب، لعل أهمّها السمعة الممتازة التي اكتسبها هذا القطاع على المستوى الدولي، والسرعة الفائقة التي صعد خلالها في الأعوام القليلة الماضية، بالإضافة الى جمع منتجاته الدفاعية المحلية الصنع بين التكلفة المنخفضة والفعالية العالية والأداء المتميّز. ولعل المسيرّات التركية ولاسيما مسيرّة بيرقدار "تي بي-2" واحدة من العلامات الفارقة في الصناعات الدفاعية المحلّية التركية والتي اكتسبت شهرة واسعة لدورها الحاسم في عدد من المسارح الإقليمية.
علاوةً على ذلك، فإن نجاح تركيا في توطين الصناعات الدفاعية يعدّ حافزاً لدول مجلس التعاون الخليجي التي تسعى جاهدة هي الأخرى لتنويع شراكاتها الأمنيّة ووارداتها الدفاعية كمقدمة لتوطين صناعاتها الدفاعية على المدى البعيد. وقد أنشأت بالفعل هذه الدول مؤسسات معنيّة بتوطين الصناعات الدفاعية كـ"برزان" القابضة في قطر، والشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي)، ومجموعة "إيدج" القابضة للمنتجات والأسلحة الدفاعية في الإمارات.
وتعدّ هذه الدول من أبرز مستوردي السلاح على المستوى الدولي، لكن الغالبية الساحقة من أسلحتها تعتمد بشكل أساسي على الواردات القادمة من الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي. ومع صعود الرغبة في التنويع لدى دول الخليج لتجاوز عقبات الاحتكار والشروط السياسية ونقل التكنولوجيا من بين الأمور الأخرى، تشكّل العلاقات الدفاعية الخليجية مع تركيا عنصراً مهمّا وحيوياً في تحقيق الأهداف الخليجية في تنويع الواردات الدفاعية وتوطين الصناعات الدفاعية على المدى البعيد، لاسيما أنّ الجانب التركي منفتح على نقل التكنولوجيا إلى الدول الإسلامية ولديه قيود أقل على بعض الأنواع مقارنة بالدول الغربية.
لكن نجاح تركيا في تخفيض نسبة وارداتها من الأسلحة الغربية ورفع نسبة تلبية صناعاتها الدفاعية من احتياجاتها الدفاعية المحلية إلى 80%، علاوة على نجاحها في بناء قطاع صناعات دفاعية محليّة قوي وحيوي لا يعني بالضرورة أن التجربة الخليجية ستكون سهلة، إذ إنّ مدى نجاحها سيعتمد في نهاية المطاف على عدد من العوامل من بينها وجود الرؤية، والإرادة، والعزيمة، والكوادر الفنيّة البشريّة المؤهلة بالإضافة إلى تعاون جاد وملتزم مع الجانب التركي في هذا القطاع.
خلال العقد الماضي، كانت هناك عدّة تجارب في التعاون الدفاعي بين تركيا والدول الخليجية، بما في ذلك مع المملكة العربية السعودية، لكنّها لم تكن ناجحة كما كان يراد لها. هناك أسباب كثيرة لعلّ أبرزها عدم وجود التزام حقيقي من قبل الطرف الخليجي وربط السياسي بالأمني أو الدفاعي بشكل يجعل من التقلبات على المستوى الأوّل تؤثر بشكل سلبي على التعاون على المستوى الثنائي وحتى توقفه أو تنهيه بشكل كليّ. لدى الخليجيين الآن فرصة لتفادي أخطاء الماضي والاستفادة من الدروس والعبر لتطوير شراكة دفاعية وأمنية ناضجة، وحيوية، ومستدامة مع الجانب التركي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس