ترك برس

أشار تقرير لشبكة الجزيرة القطرية إلى أن الأكراد يبرزون كعنصر هام في النسيج المجتمعي لتركيا في ظل التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها، ويحتلون موقعا مهما يؤهلهم للتأثير في تشكيل ملامح المستقبل السياسي للبلاد، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية.

وذكر التقرير أن التساؤلات تتزايد حول الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الأكراد في تحديد مسار السياسة التركية نحو آفاق جديدة. وهم يشكلون بين 15% و18% من مجموع السكان، أي ما يعادل 12.5 إلى 15 مليون نسمة، ويعتبرون عاملا هاما يستدعي التركيز على بناء تحالفات إستراتيجية معهم، بما قد يتطلب تقديم بعض التنازلات عند الضرورة.

وذكر أن نتائج الانتخابات المحلية لعام 2019 أثبتت أهمية دعم الأكراد لـأكرم إمام أوغلو في مدينة إسطنبول، حيث فاز بنسبة تجاوزت 54% من الأصوات مقابل 45% لمنافسه. والآن في ظل الواقع السياسي المتقلب، يعيد الأكراد تقييم تحالفاتهم السياسية مع حزب الشعب الجمهوري.

وبحسب التقرير، تأتي إعادة التقييم هذه على خلفية:

الوعود غير المحققة من قبل حزب الشعب الجمهوري.
 سلسلة الإخفاقات التي عاناها الحزب.
الشروخ الداخلية التي برزت إلى العلن داخل الحزب.

وأوضحت الجزيرة أن كل هذه العوامل دفعت الأكراد إلى التفكير مجددا في مدى جدوى تجديد التحالف مع "الشعب الجمهوري". 

وقد أدلى صلاح الدين دميرطاش، الزعيم الكردي والرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي -والذي يلقى عقوبة الحبس بتهمة "الدعاية الإرهابية" – بتصريحات تلقي الضوء على الفراغ الاتصالي بين حزبه وحزب العدالة والتنمية الحاكم.

واعتبر دميرطاش هذا الفراغ خسارة فادحة لكلا الطرفين وللمشهد السياسي التركي بشكل عام.

وأعلن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية، وهو من أبرز الأحزاب المؤيدة للأكراد، خوضه الانتخابات المحلية بمرشحيه في كل من إسطنبول وإزمير والعاصمة أنقرة.

وجاء هذا الإعلان على الرغم من محادثات طويلة غير رسمية كان قد أجراها الحزب مع "الشعب الجمهوري" بشأن تحالف يدعم بقاء إمام أوغلو -الذي يسعى للترشح للانتخابات الرئاسية 2028- في منصبه.

وبحسب خبراء، قد يؤدي هذا الوضع لفقدان حزب الشعب الجمهوري جزءا مهما من أصوات الناخبين الأكراد، والتي كان الحزب قد بذل جهودا كبيرة على مدى سنوات لكسبها.

ويأتي ذلك مع تجاهل العديد من الانتقادات الموجهة إليه بسبب تحالفاته مع أحزاب يزعم أنها تدعم حزب العمال الكردستاني.

تقلبات وتحالفات وتحديات

شهدت العلاقات بين الحكومة التركية والأكراد لحظات من التقارب والتباعد على مرّ السنين، ففي عام 2019، شكل الأكراد تحالفا مع حزب الشعب الجمهوري خلال الانتخابات المحلية، مما أدى إلى فوز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول.

واعتبر هذا التحالف بمثابة بداية العودة إلى التفكير بفتح باب كان قد أغلقه الرئيس التركي عام 2015 مع دخول "الشعوب الديمقراطي" البرلمان، محققًا 12.12% من الأصوات، وهو ما اعتبر تضييقا على الحزب الحاكم.

وضم تحالف الشعب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعام 2023 حزب "الهدى بار" الذي يمثل الأكراد المحافظين، ليدخل البرلمان للمرة الأولى.

كما أثار لقاء إبراهيم كالين (رئيس المخابرات) بالزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني، الذي ساعد على التوسط في المحادثات مع منظمة "بي كيه كيه" في الماضي، تكهنات بشأن ذوبان الجليد في العلاقات بين الجانبين، إلا أن مسؤولا كرديا نفى أن يكون الموضوع قد شهد أي تطور.

وفي مغازلة سياسية، ارتدي مراد كوروم، مرشح تحالف الشعب، الكوفية، وأدى رقصة الدبكة الخاصة بالأكراد، وتحدث بالكردية خلال لقائه مجموعة من سكان ولاية ديار بكر في مدينة إسطنبول.

ويواجه الرئيس رجب طيب أردوغان تحديات معقدة في إدارة توازن القوى داخل تحالفه، خاصة مع حليفه القومي اليميني دولت بهجلي.

فالمخاطرة بإثارة غضب بهجلي بالتخفيف من الضغوط الممارسة على "بي كيه كيه" قد تكون عالية جدا، وأي تحرك بهذا الاتجاه قد يصب في مصلحة حزب الجيد الذي يتخذ موقفا صارما مشابها تجاه القضايا الكردية.

دعم في غير محله

في تصريحاته لوسائل إعلام محلية، عبّر أحمد ترك، المرشح عن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية لبلدية ماردين، عن ندمه حيال الدعم الذي قدمه حزبه في الماضي لحزب الشعب الجمهوري.

وأوضح ترك أنه رغم الجهود الكبيرة التي بذلها حزبه لدعم مرشح الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية بمناطق جنوب وجنوب شرق، وعلى الرغم من "عدم توقعنا قدرته على حلّ المشكلة الكردية" مضيفا أن "أردوغان هو الوحيد القادر على حلّ المشكلة الكردية إن أراد ذلك طبعا لأنه قائد بكل معنى الكلمة".

في نفس السياق، توقع الباحث السياسي بمركز سيتا للدراسات باكي لالي أوغلو -خلال حديثه للجزيرة نت- أن تحافظ البلديات التي يسيطر عليها حزب "المساواة الشعبية والديمقراطية" على مواقعها بالانتخابات المقبلة، حتى مع وجود تقلبات طفيفة في نسب التصويت.

ويشير إلى أن التحدي الأبرز يكمن في العلاقات المثيرة للجدل بين هذه البلديات و"العمال الكردستاني" ففي أعقاب انهيار عملية السلام، كانت هناك مؤشرات واضحة على أن بعض بلديات "المساواة والديمقراطية" قد استغلت الموارد البلدية لدعم "الكردستاني" بدلًا من تخصيصها للخدمات المحلية، الأمر الذي عرض العديد من المسؤولين بهذه البلديات للمساءلة القانونية، وكان سببا في استبدالهم بموظفين حكوميين.

تنوع الناخبين الأكراد

يؤكد الباحث السياسي لالي أوغلو أن الناخبين الأكراد ليسوا كتلة واحدة متجانسة كما يُفترض عادة، بل ينقسمون إلى مجموعات متعددة تختلف اجتماعيًا وثقافيًا.

وتبرز هذه الاختلافات بشكل أوضح عند المقارنة بين الأكراد في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، وأقرانهم في المدن الكبرى مثل إسطنبول.

ويشير لالي أوغلو إلى وجود فجوة كبيرة بين الناخبين الأكراد و"المساواة والديمقراطية" الذي يتخذ من المنهج اليساري الاشتراكي أو الليبرالي اليساري موقفًا.

ويُعزى ذلك إلى تناقض هذا الموقف مع القيم التقليدية لقسم كبير من الناخبين الأكراد، بالإضافة لموقف الحزب من قضايا مثل حقوق المثليين واليسار المتطرف، والتي تبتعد كثيرًا عن التوجهات الاجتماعية للناخبين الأكراد. ويؤدي هذا التناقض إلى تعميق الشرخ بين الحزب وقاعدته الانتخابية.

ومن ناحية أخرى، يرى لالي أوغلو أن حصول "العدالة والتنمية" على أصوات من الأكراد، لا سيما في إسطنبول والمناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، سيعزز من مكانته كـ"حزب تركيا" و"ممثل مشترك للأتراك والأكراد".

ويأمل ناخبون أكراد في المقابل أن يتخذ "العدالة والتنمية" خطوات نحو إطلاق عملية سلام جديدة أو الاستمرار في تعزيز الديمقراطية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!