إسماعيل ياشا - عربي21
ستشهد تركيا نهاية هذا الأسبوع انتخابات سيختار فيها الشعب التركي رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية، بالإضافة إلى مخاتير الأحياء في جميع أنحاء البلاد. ومهما كانت هذه الانتخابات محلية فإن النتائج سيكون تأثيرها على أبعد من تشكيل الإدارات المحلية، لتحدد مستقبل أحزاب وقادة سياسيين، وتلقي بظلالها على عموم الوضع السياسي في البلاد.
حزب العدالة والتنمية الحاكم المتحالف مع حزب الحركة القومية يسعى إلى تعزيز شعبيته في 31 آذار/ مارس، واستعادة بلديات مدن كبرى خسرها قبل خمس سنوات، مثل العاصمة أنقرة وإسطنبول. وإن نجح في ذلك، فستكون أمامه حوالي أربع سنوات ليست فيها انتخابات، ويمكن أن يستغلها في إنجاز بعض المشاريع التنموية الكبرى، ومكافحة التضخم وإصلاح الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة، والاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقع إجراؤها في 2028. ولكن في حال فشله فإن المعارضة ستبدأ في المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، بدعوى أن الحكومة فقدت شرعيتها.
حزب الشعب الجمهوري سيكون على رأس الأحزاب التي ستتأثر من نتائج هذه الانتخابات، ومن المتوقع أن يشهد الحزب بعد 31 آذار/ مارس صراعا داخليا يتنافس فيه على رئاسة الحزب كل من رئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو، ورئيسه الحالي أوزغور أوزل، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. وقد يفقد أوزل منصبه بعد الانتخابات مباشرة في حال خسر حزب الشعب الجمهوري بعض البلديات وتراجعت شعبيته.
لا يخفى على أحد يتابع الشأن التركي عن كثب أن إمام أوغلو يسعى إلى تولي رئاسة حزب الشعب الجمهوري، والترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية القادمة. وإن فاز إمام أوغلو في الانتخابات المحلية فقد يبقى لمدة كرئيس بلدية إسطنبول، ليحتفظ أوزل بمنصبه كرئيس صوري لبعض الوقت، ولكنه قد يستعجل بتولي رئاسة حزب الشعب الجمهوري إن خسر في نهاية الأسبوع.
الخيار الأول أمام رئيس بلدية إسطنبول أن يواصل مسيرته السياسية على رأس حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه قد لا يتمكن من الظفر برئاسة الحزب. وفي تلك الحالة، يتوقع أن يلجأ إلى الخطة البديلة، وهي الانشقاق عن حزب الشعب الجمهوري، لتأسيس حزب جديد برئاسته. ويرى مراقبون أن إمام أوغلو من خلال تدخله في تحديد أسماء المرشحين في كثير من المدن لضمان ترشيح مقربين منه للانتخابات المحلية، مهَّد الطريق لمثل هذه الخطوة، وأن هؤلاء سينضمون إليه إن انشق رئيس بلدية إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري وأسس حزبا جديدا.
حزب الشعب الجمهوري يهتز هذه الأيام بفضيحة مالية تفجرت بتسريب مقاطع فيديو إلى الإعلام يظهر فيها أشخاص مرتبطون بإمام أوغلو يعدُّون أموالا تم حملها في حقائق إلى مكتب محاماة. ويزعم المقربون من رئيس بلدية إسطنبول أن تلك الأموال تبرعات تم استخدامها في شراء مبنى فرع حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، إلا أن القوانين تفرض على الأحزاب أن تكون كافة تعاملاتها المالية مسجلة، كما أن هناك شكوكا حول استخدام تلك الأموال من قبل إمام أوغلو في شراء الذمم لإسقاط كليتشدار أوغلو والسيطرة على الحزب. ويجري الادعاء العام في إسطنبول تحقيقا حول الموضوع الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إلغاء نتائج المؤتمر العام الأخير الذي تم فيه انتخاب أوزل رئيسا لحزب الشعب الجمهوري، إن لجأ كليتشدار أوغلو أو بعض أعضاء الحزب إلى القضاء بناء على نتائج التحقيق.
حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية يخوض الانتخابات المحلية متحالفا مع حزب الشعب الجمهوري في بعض المدن، مثل إسطنبول ومرسين وغيرهما. يسعى الحزب إلى تحقيق مكاسب في هذه الانتخابات من خلال تعزيز حضوره في المجالس البلدية في المدن الغربية، بالإضافة إلى دعم مرشحين مقربين منه يخوضون الانتخابات كمرشحي حزب الشعب الجمهوري، كما هو الحال في قضاء أسنيورت بإسطنبول. وكان الحزب تعرض لانتقادات من أنصاره بعد تراجع شعبيته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بسبب تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري، كما كان هناك نقاش في صفوفه حول جدوى التحالف مع الأخير وتكرار ذات الخطأ، إلا أن تدخل قادة حزب العمال الكردستاني حسم الجدل لصالح التحالف مع حزب الشعب الجمهوري. ومن المؤكد أن فشل حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية في تحقيق أهدافه في الانتخابات المحلية سيؤدي إلى اشتعال ذاك النقاش من جديد.
هذه الانتخابات ستكون أيضا اختبارا للأحزاب الصغيرة التي تسعى إلى رفع شعبيتها، وتعزيز مكانتها في الخارطة السياسية التركية. ومن المؤكد أن حزب الرفاه الجديد الذي أعلن انشقاقه عن تحالف الجمهور قبيل الانتخابات، وانضم إلى صفوف المعارضة، يأتي على رأس تلك الأحزاب. ويرى حزب الرفاه الجديد برئاسة فاتح أربكان أنه يمكن أن يقدم بديلا لحزب العدالة والتنمية ليحصل على أصوات الناخبين المتدينين المنزعجين من أداء الحكومة وسياساتها، كما يحلم رئيسه الشاب بأن تحقق شعبية حزبه قفزة كبيرة في 31 آذار/ مارس، وتفتح الطريق أمامه ليخوض المنافسة على تولي رئاسة الجمهورية في 2028.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس