
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، بصحيفة يني شفق، التصعيد الأخير في الصراع الإسرائيلي-الإيراني، من خلال تحليل الهجوم الجوي الواسع الذي شنّته إسرائيل على إيران، وتداعياته الإقليمية والدولية.
ويرى أقطاي أن الهجوم يأتي في سياق محاولة إسرائيلية لصرف الأنظار عن إخفاقها في غزة وإعادة ترميم صورتها العسكرية والاستخباراتية المهتزّة، عبر استهداف شخصيات قيادية في الحرس الثوري والبرنامج النووي الإيراني.
كما يسلّط الضوء على الموقف الدولي المتفاوت من الهجوم، بين دعم ضمني من واشنطن، وصمت روسي وصيني، مقابل موقف تركي مندّد يُعد الأوضح دعمًا لإيران.
ويطرح الكاتب تساؤلات حول قدرة طهران على الرد، ويضع المشهد في سياق التوازنات الجيوسياسية التي تحرص الولايات المتحدة على عدم الإخلال بها في الشرق الأوسط. وفيما يلي نص التقرير:
بعد قرابة عامين من ارتكاب إسرائيل مجازر إبادة جماعية في غزة، ضاربة عرض الحائط بكل القيم الإنسانية وكل شعارات الحضارة الحديثة، شنّت أخيرًا هجومها "المرتقَب" على إيران. ولم يكن مفاجئًا، فقد ظلّت إسرائيل تُلوّح بهذا الهجوم منذ أيام بل أشهر، لكن هذا الهجوم لا ينتمي إلى ساحة الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل في خطاب القوى العالمية، التي لا تزال تعتبر غزة القضية الأهم. فإسرائيل التي ترى في إيران تهديدًا لها منذ سنوات (وربما منذ تأسيسها، خاصة في ظل خطابات الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي قدّمت نفسها على أنها تهديد وجودي لإسرائيل)، لا تحمل هذه الضربة سوى معنى واحد: صرف الانتباه عن قضية كبرى حقيقية مثل غزة والتغطية على فشلها الذريع هناك.
إن هجوم إسرائيل على إيران ليس سوى محاولة يائسة للخروج من المستنقع الذي أوقعت نفسها فيه بغزة. ففي بقعة جغرافية صغيرة، ورغم امتلاكها تفوقًا عسكريًا وتقنيًا هائلًا، تدهورت سمعة الجيش والمخابرات الإسرائيلية إلى الحضيض خلال عامين من المواجهات. ولتجديد الروح المعنوية أصبح استهداف إيران كعدو أسهل أحد أهم الأدوات الروتينية لإسرائيل منذ حربها على غزة بعد السابع من أكتوبر. فبعد الإخفاق المُذِل أمام حركة حماس، يعيد الجيش والمخابرات الإسرائيلية بناء أسطورتهما من خلال عمليات ناجحة ضد إيران. ففي غضون ساعات قليلة، وجهت مئات الطائرات الإسرائيلية ضرباتٍ دقيقةٍ قضت على رئيس الأركان الإيراني وقائد الحرس الثوري وعدد من الجنرالات وعلماء البرنامج النووي. ورغم ما يكشفه الهجوم من ثغرات أمنية كبيرة في الداخل الإيراني، إلا أنه سيقدَّم كإنجازات استخباراتية باهرة يعيد لإسرائيل جزءًا كبيرًا من هيبتها المفقودة.
وبتحويل الأنظار من غزة إلى إيران، تعيد إسرائيل أيضًا لمّ شمل تحالفاتها السياسية التي تزعزعت بسبب عدوانها على غزة. فالتحالف الدولي الكبير الذي تشكل ضد إسرائيل بسبب الجرائم المرتكبة في فلسطين، لا يُبدي التعاطف ذاته عندما يكون الحديث عن إيران، مما يمنح إسرائيل عمليًا رصيدًا جديدًا من الدعم.
ومن المعلوم أن إسرائيل لا تتحرك اعتمادًا على قدراتها الذاتية فقط، سواء في جرائمها في غزة أو في حربها ضد إيران، إلا أن التوتر الذي شاب العلاقات مؤخرًا بين نتنياهو وترامب، بل وحتى رسائل ترامب الإيجابية تجاه طهران، كانت توحي بإمكانية أن تواجه إسرائيل إيران بمفردها في هذه المرحلة، غير أن تصريحات ترامب بعد الهجوم الإسرائيلي أظهرت أن إسرائيل ليست وحيدة في عدوانها ضد إيران. فقد صرّح في ردّه الأول قائلًا: "لقد أُبلغت مسبقًا بالضربات، ولم تكن مفاجئة؛ ولكن الولايات المتحدة ليست متورطة عسكريًا في الحادث، ونأمل أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات قريبًا". ولم يتردد ترامب لاحقًا في وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه "رائع"، مؤكدًا دعمه الكامل له.
ولا شك أن إعلان ترامب بأن الجيش الأمريكي ليس طرفًا في هذه الهجمات، ثم دعوته إيران للعودة إلى الاتفاقيات النووية، يمثل محاولة منه لاحتواء ما سبّبته إسرائيل من فوضى. فرغم كل قوتها التدميرية وهجماتها، لا تمتلك إسرائيل القدرة على خوض حرب شاملة ضد إيران. وحتى مع اتخاذ كل الإجراءات الوقائية ضد رد إيراني محتمل، إلا أن تدمير إيران بالكامل ليس هدفًا مطروحًا، مما يستدعي استمرار الدور الأمريكي في الحفاظ على هذا التوازن بالمنطقة. فبالرغم من المشهد الفوضوي، لا تزال الولايات المتحدة ترعى توازنًا إقليميًا بين إسرائيل ودول الخليج وإيران وتركيا، ولا ترغب في اختلال هذا التوازن نتيجة تدمير إحداها بالكامل. هذا التوازن يسمح لواشنطن بالإبقاء على الوضع القائم في المنطقة، وخروجها رابحة في جميع السيناريوهات.
إذا كانت إسرائيل لا تريد حرباً شاملة، فهل ترغب إيران رغم هذه الهجمات التي تتعرض لها في خوضها؟ بالطبع لا تمتلك طهران أيضاً القدرة على تحمّل تبعات مثل هذه المواجهة مع إسرائيل، لكن من الصعب عليها أيضاً أن تبتلع هذه الإهانة دون رد. والحقيقة أن عجز إيران عن مواجهة الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تجول في سمائها بحرية، يجعل حتى التساؤل عن قدرتها على الردّ أمراً غير ذي جدوى. ومع ذلك، فإن خروج "الأسطورة الإيرانية" من معادلة الشرق الأوسط بهذه الطريقة لا يمكن قبوله بسهولة ضمن التوازنات التأسيسية التي ترعاها الولايات المتحدة. ولذلك ستشهد الأيام المقبلة جهوداً دبلوماسية مكثفة لإقناع طهران بتهدئة الموقف والامتناع عن الرد. عندما تُسرد هذه الجمل التحليلية الواحدة تلو الأخرى، يبرز مشهد مثير للسخرية، ونحن ندرك ذلك ولكن الوضع هو كذلك بالضبط.
ويُضاف إلى هذا المشهد أن إيران، رغم كل ما تملكه من مبررات مشروعة، لم تحظَ بأي دعم دولي في مواجهة الهجوم الإسرائيلي. فروسيا التي تُعد شريكًا لإيران في العديد من الملفات وتتحرك معها ضمن تحالفات مشتركة، بعثت منذ البداية برسالة واضحة مفادها أنها "ليست ملزمة بدعم إيران". أما الصين، فرغم علاقتها الاستراتيجية مع طهران فإنها لم تقدم أي دعم عسكري، ولا يُتوقع منها ذلك في هذه الأحداث. في حين أن دول الخليج في حالة تقارب غير معلن مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، كانت تركيا الدولة التي قدمت الدعم الأكثر وضوحًا لإيران. فقد عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان، في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، عن رفضه للهجمات الإسرائيلية ضد إيران، واصفا جرائم نتنياهو والدولة الصهيونية بأنها شبكة مجازر، ومشيرا إلى توقيتها المريب، الذي يأتي في ذروة جرائم إسرائيل في غزة، وموجّهًا في الوقت ذاته تعازيه إلى الشعب الإيراني، قائلاً: "إن الهجمات الإسرائيلية على جارتنا إيران هي استفزاز واضح يتجاهل القانون الدولي. هذه الهجمات التي تأتي في وقت تكثفت فيه المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني وتزايدت فيه الضغوط الدولية ضد الأعمال اللاإنسانية التي تستهدف غزة، تظهر عقلية إسرائيل التي لا تعرف القوانين وتتجاهلها. حيث تسعى إدارة نتنياهو بأفعالها المتهورة والعدوانية وغير القانونية إلى جرّ منطقتنا والعالم بأسره إلى كارثة .يجب على المجتمع الدولي وضع حد لسياسة قطّاع الطرق الإسرائيلية التي تستهدف الاستقرار العالمي والإقليمي."
وأضاف الرئيس أردوغان، مشددًا على رفضه المطلق لتوسيع رقعة الدم والدمار في الشرق الأوسط قائلا: "كما يجب الوقوف أمام هجمات نتنياهو وشبكته الإجرامية التي تشعل منطقتنا بأكملها. واليوم نعرب مرة أخرى عن أننا لا نريد رؤية المزيد من الدماء والدمار والصراعات في الشرق الأوسط. نحن في تركيا، ندين الهجمات الشنيعة التي تستهدف جارتنا إيران، ونسأل الله الرحمة للضحايا والشفاء العاجل للمصابين، ونقدم خالص تعازينا إلى الشعب الإيراني الصديق والشقيق."
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!