ترك برس

تناول مقال للأكاديمي التركي أحمد أويصال، التحول التاريخي في مسار القضية الكردية، مع إعلان تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور التخلي عن السلاح، بعد أكثر من 40 عامًا من الصراع المسلح، وتخلي ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن مشروع الدولة الكردية المستقلة. 

ويوضح أويصال في مقاله بصحيفة الشرق القطرية العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي ساهمت في هذا التحول، من بينها نجاح تركيا في مكافحة الإرهاب، وتغير الإدارة الأمريكية، وتراجع النفوذ الإيراني، إضافة إلى الدعم العراقي والسوري للمصالحة. 

كما يبرز الكاتب أن هذه المصالحة الكردية ـ التركية ستُحدث انعكاسات إيجابية على أمن واستقرار المنطقة، وتفتح الباب أمام تحالف ثلاثي بين الأتراك والعرب والأكراد، يعزز من التعاون السياسي والاقتصادي ويحد من مشاريع التقسيم والانفصال. وفيما يلي نص المقال:

وصلت تركيا إلى نهاية مشكلة حزب العمال الكردستاني (PKK) التي استمرت أكثر من 40 عاماً، حيث دعا دولت باهتشلي كرئيس الحركة القومية التركية في أكتوبر 2024 التنظيم للتخلي عن السلاح وتسوية القضية الكردية عبر المصالحة. ورد عبدالله أوجلان بترك السلاح وأعلن انتهاء السعي للدولة المستقلة قبل أسبوع كما أعلن الحزب التزامه بالقرار بحفله الرمزي لحرق السلاح في السليمانية في العراق. من بين الأسباب التي دفعت تنظيم PKK إلى التخلي عن السلاح يمكن ذكر تطور الديمقراطية في تركيا ونجاحها العسكري في مكافحة الإرهاب. كما أن تغير الأوضاع في سوريا، وسقوط نظام الأسد، وتولي حكومة جديدة قريبة من تركيا، كان له تأثير واضح، إلى جانب مجيء إدارة ترامب بدلًا من إدارتي أوباما وبايدن اللتين كانتا تقدمان الدعم المالي والعسكري لـ PKK أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

لعب دعم القيادتين في العراق أيضا، سواء حكومة السوداني أو إدارة بارزاني في إقليم كردستان العراق، دورًا مهمًا في هذا التحول. ويُعد تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة عاملًا إضافيًا مؤثرًا. ومن الجدير بالذكر أن إيران، والولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، كانوا في الوقت نفسه يصنفون حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، لكنهم كانوا يقدمون له الدعم بشكل مباشر أو غير مباشر داخل تركيا وخارجها. وقد بلغت المفارقة ذروتها حين وعدت إدارة أوباما، بحجة محاربة تنظيم داعش، جناح الحزب في سوريا (قسد) بإقامة دولة لهم في شمال سوريا.

بعد أحداث 7 أكتوبر، شهدت المنطقة تغييرات كبيرة في المواقف والتحالفات، انعكست بشكل مباشر على مستقبل حزب العمال الكردستاني وقسد داخل العراق وسوريا، وأضعفت الدعم الدولي الذي كانوا يتلقونه. وبمبادرة من تركيا وبدعم من الولايات المتحدة، توصّلت الحكومة السورية الجديدة إلى اتفاق مع قوات قسد يقضي بإدماجها ضمن النظام السياسي الجديد، مما يمنعها من تأسيس دولة مستقلة ويجبرها على التخلي عن سلاحها. ومع ذلك، تُبدي قوات قسد تحفظًا تجاه إلقاء السلاح، إذ تسعى للاحتفاظ بقدرتها العسكرية ضمن النظام، على غرار نموذج حزب الله في لبنان. ويُعزز هذا الموقف دعم بعض الدول الأوروبية، إلى جانب إسرائيل وإيران، التي تُشجع قسد على عدم التخلي الكامل عن قوتها العسكرية.

يشكل هذا الوضع الهش تهديدًا مباشرًا لأمن البلاد، خاصة مع نشاط بعض عناصر النظام السابق الذين لجؤوا إلى مناطق قسد، مما أدى إلى نفاد صبر الحكومة السورية. من جانب آخر، صرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، بأن قوات سوريا الديمقراطية تمثل امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، ودعاهم إلى التخلي عن حلم إقامة دولة، وترك السلاح، والمشاركة الفاعلة في عملية السلام في سوريا وتركيا. ورغم محاولاتهم للانفصال عن حزب العمال الكردستاني، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية لا تجد أمامها سوى خيار تسليم السلاح، إذ أنها محاصرة من كل الجهات ولا تستطيع الاستمرار دون الدعم الأمريكي.

حل مشكلة حزب العمال الكردستاني في تركيا، والتحالف بين الأتراك والأكراد، سيؤثر إيجابياً أيضًا على الدول العربية. لأن هذه العملية ستمنع تفتيت سوريا والعراق، وسيعزز الاستقرار في المنطقة. وفي هذا السياق، كلمة الرئيس التركي أردوغان حول العملية لم تقتصر على توافق ثنائي بين الأتراك والأكراد فقط، بل ذكر تحالفًا ثلاثيًا بين الأتراك والأكراد والعرب. وأشار إلى أن هذا التحالف الثلاثي، كما كان في التاريخ، سيقوي الجميع، مع شكره إدارتي العراق وسوريا على دعمهما للعملية.

لعملية المصالحة في تركيا تأثيرات مباشرة على الدول العربية، حيث سيخفف وتيرة الصراع الكردي العربي في العراق وسوريا. وسيتم تبني نهج أكثر تحضراً يقوم على التعاون بين الشعوب الثلاثة، بدلاً من المواقف القومية الضيقة والمستبعدة. بعبارة أخرى، ستحل مكان الانقسامات والتوترات القائمة تحالفات وتعاونات قوية بين الأتراك والعرب والأكراد، مع تعزيز التعاون والتكامل بين دول المنطقة بصورة أعمق. سيؤدي تقارب تركيا مع الجماعات الكردية إلى زيادة الاستقرار الإقليمي وتشجيع التعاون الأمني في المنطقة، بدءاً من سوريا والعراق. كما أن تراجع التطلعات الانفصالية الكردية سيشجع على اندماج المجموعات الشيعية (خاصة في الخليج) والدروز والبربر. ومع تعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة، سيتعزز الاستقرار الاقتصادي الذي أعاقه الإرهاب والتوترات الأخرى. ومع تعزيز الاستثمارات والاقتصاد داخل دول المنطقة، سيزداد التعاون الاقتصادي بين تركيا والدول العربية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!