محمود عثمان - خاص ترك برس

أسفر الهجوم الانتحاري الإرهابي على مدينة سروج التابعة لولاية أورفه المتاخمة لمدينة تل أبيض السورية، عن مقتل ثلاثين شخصًا، ثلاثة وعشرون منهم قضوا في مكان الانفجار في حين توفي سبعة آخرون في المستشفيات التي نقلوا إليها، وجرح ما يزيد عن مائة آخرين، عشرون منهم في حالة صحية حرجة.

الانفجار استهدف حديقة "مركز أمارا الثقافي"، حيث كان ثلاثمائة من النشطاء الشباب الذين ينتمون إلى اتحاد الجمعيات الشبابية الاشتراكية (SGDF) مجتمعين في المركز قبيل مغادرتهم إلى بلدة عين العرب - كوباني السورية، حيث كانوا يخططون لإقامة فعاليات شعبية ونشاطات تضامنية مع أهالي المدينة، منها إنشاء حديقة وروضة أطفال ونشاطات استعراضية أخرى دعما لكانتون كوباني أهم كانتونات إقليم "روجوفا" التي تريده ميليشيات الاتحاد الديمقراطي الكردي أن يكون نموذجا لتسويق إداراتها المحلية المستقلة ورمزا ومعلم استقلال للأكراد جميعًا حيث لا يعترف هؤلاء بزعامة مسعود برزاني الإمبريالي!.

توقيت الانفجار كان مدروسا فقد جاء لحظة التحضير لقراءة البيان الصحفي حول نشاطاتهم، بينما زامنه انفجاران آخران في مدينة عين العرب - كوباني نفسها!. فيما تحدث بعض شهود العيان عن فتاة في الثامنة عشر من العمر قامت بتفجير نفسها وسط هذا الحشد مما تسبب بهذا الحجم من الخسائر البشرية.

الانفجار توقيتًا ومكانًا وملابسات، وما أعقبه من تصريحات سياسية في الداخل والخارج تشير إلى حالة بالغة التعقيد في تحديد هوية المستهدف الأصلي، والمستفيد الأساسي، وما هي الرسائل التي يراد إيصالها إلى تركيا الدولة والحكومة والشعب.

من حيث التوقيت فقد زامن الانفجار مساعي تشكيل الحكومة الائتلافية، والتقارب بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، وهو السيناريو الذي ترغبه كثير من القوى في الداخل، وخصوصًا قطاع رجال الأعمال حيث يمثل النضوج السياسي من جهة، بجمعه أقوى حزب في اليمين مع أقوى حزب في اليسار، ويحوز على قاعدة أوسع من الثمثيل الشعبي والبرلماني، مما يدعم قواعد الاستقرار السياسي والاقتصادي أهم ما تحتاجه تركيا في هذه المرحلة العصيبة. بالرغم من أن القناعة السائدة في الأوساط السياسية بحتمية الانتخابات البرلمانية المبكرة، وأنها لن تكون بعيدة.

أما من حيث المكان فمدينة سوروج كانت نقطة انطلاق أحداث الشغب التي عمت أكثر من عشرين مدينة تركية، وراح ضحيتها خمسون مواطنا، والتي كان سببها هجوم تنظيم داعش على عين العرب - كوباني في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم.

اليوم أيضا وعقب الانفجار مباشرة بدأت بعض القوى بتطبيق سيناريو العام الماضي نفسه، حيث الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي على قدم وساق تدعو الشباب للنزول إلى الشارع تحت ذريعة الاحتجاج على الانفجار والوقوف ضد الإرهاب.

من جهته وجه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو نداء مفتوحا لرؤساء الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان يدعوهم فيه إلى ميثاق يدين الإرهاب بكافة أشكاله ومن أي طرف جاء، وضد أي طرف كان، وقال بأنه سوف يصر على دعوته هذه حتى يستجيب لها جميع السياسيين.

هذا المشهد يعيد للأذهان حادثة "شارلي إيبدو" حيث وقف الفرنسيون بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم وأعراقهم، من خلفهم المجتمع الدولي صفا واحدا ضد التطرف والإرهاب، لكن عندما يتعلق الأمر بتركيا تتبدل الأمور، فتخفت الأصوات وتتقاعس الإرادات وتقعد الهمم إلا من أصوات شجب خجولة!. مرد ذلك إصرار قوى داخلية وخارجية على الاصطياد في الماء العكر وضرب الإجماع الوطني حتى في مثل هذا الظرف.

هذه القوى لا تزال تروج لأكذوبة أن تركيا تدعم تنظيم "داعش". ولكي تثبت حكومة العدالة والتنمية براءتها – بزعمهم - يجب عليها الدخول إلى سورية ومحاربة "داعش" داخل الأراضي السورية، وإن لم تفعل فهي وداعش في خندق واحد. ولا ننسى تلك العملية المحبوكة المحكمة الإخراج التي أشرف عليها الكيان الموازي عندما تمت عملية ضبط بضعة قطع من الأسلحة ضمن شاحنة مساعدات متجهة لمساعدة تركمان سورية تحت إشراف ضباط المخابرات التركية، الحادثة التي شكلت – حسب زعمهم – دليلا دامغا على تورط تركيا في دعم تنظيم "داعش"! تلقفتها الصحافة الغربية لتظل تعزف عليها مثل الأسطوانة المشروخة، بالرغم من أن القضية لا تزال قيد المحاكم ومنظموها غالبهم في السجن بسبب قوة الأدلة على تورطهم في عملية التآمر.

يبدو أن القوى الداخلية والخارجية التي فشلت في إسقاط حكومة العدالة والتنمية من خلال محاولة الانقلاب الأبيض بتاريخ 17 و 25 كانون الأول/ ديسمبر، وأخفقت في محاولتها الثانية في أحداث "جيزي بارك"، ثم تكرر إخفاقها وفشلها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من خلال أحداث كوباني، تريد اللعب بورقة داعش هذه المرة. إذ الجميع يدرك أن تنظيم "داعش" خرج من كونه عصابة مسلحة ليصبح واجهة تستخدم ضد دول بعينها مثل تركيا والسعودية وكل من تسول له نفسه بالخروج عن الإرادة (الأمريكية) الدولية!.

و"داعش" لا تمانع بل تقر لهم بذاك!.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس