ترك برس

تناول مقال للكاتب والإعلامي التركي كمال أوزتورك، جدوى النضال العالمي من أجل فلسطين في ظل استمرار المجازر الإسرائيلية، مؤكداً أن الاحتجاجات الشعبية والأنشطة الثقافية وحملات المقاطعة والاعترافات الدولية بدولة فلسطين، رغم عجزها عن وقف القتل الفوري، تشكّل تراكمًا تاريخيًا يصنع وعياً عالمياً غير مسبوق ضد إسرائيل.

ويرى الكاتب في مقاله بموقع الجزيرة نت أن هذا الحراك الشعبي والدبلوماسي، من شوارع اليابان إلى قاعات الأمم المتحدة، يفرض ضغوطاً متزايدة على الحكومات الغربية ويكشف تراجع الهيمنة الأميركية، ما يجعل القضية الفلسطينية نضالاً طويل الأمد يتطلب صبراً وإصراراً حتى يتحقق التغيير. 

وفيما يلي نص المقال:

علينا أحيانا أن نقول الحقيقة، حتى إن لم تكن تعجبنا. من دون ذلك، لن نصل إلى الحقيقة أبدا. النضال من أجل فلسطين، رغم تضحياته، لم يوقف نزيف الدم، ولم نتمكن من منع الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل.

أمام هذه الحقيقة المؤلمة، يبدو أن لا شيء له معنى.

نعم، هذا صحيح. لكن علينا أن نعيد النظر في الأمر في ضوء الظروف التي نعيشها.

المظاهرات في الشوارع، احتجاجات الفنانين، التجمعات الجماهيرية، أسطول "الصمود"، بيانات الإدانة، وقرارات الاعتراف بدولة فلسطين التي صدرت هذا الأسبوع في الأمم المتحدة.. لا ينبغي أن نستخف بكل هذا لمجرد أنه لم يُوقف المجازر. فلكل فعل من هذه الأفعال معنى يتراكم قطرة بعد أخرى.

من المؤسف أن دولنا لا تتخذ تدابير صارمة ضد إسرائيل. لا نملك حاملات طائرات، ولا أسلحة نووية، ولا شبكات مالية كبرى.

لكن صمت الدول لا يعني أن نصمت نحن. علينا أن نقوم بما نستطيع، فذلك واجبنا. ولذلك، فإن لكل كلمة، ولكل فعل، ولكل مبادرة، قيمة ومعنى.

دعوني أوضح ما أقصد.

لكل جهد من أجل فلسطين معنى

نحن نشهد الآن أكبر حركة ضمير شهدها العالم.

في اليابان، يقف موسيقي كل يوم أمام سفارة إسرائيل منفردا، محتجا.

فنان شهير يعلن أنه لن يعمل مع شركات الإنتاج المؤيدة لإسرائيل بعد الآن.

طفل يصنع مجسما ورقيا لأسطول "الصمود".

أم تلبس طفلها ملابس بألوان العلم الفلسطيني.

موسيقار يؤلف لحنا، ومطرب يغنيه…

الناس يشاركون يوميا، بكبيرهم وصغيرهم، في دعم فلسطين.

كل هذه الجهود انتشرت كالأمواج في أنحاء العالم، من دولة إلى أخرى، ومن شعب إلى شعب.

بعضهم يكتب أن كل هذا لم يوقف احتلال غزة، وبالتالي ليس مهما. لكن هذه نظرة خاطئة تماما.

ما نراه اليوم يُشكّل وعيا فلسطينيا لم يسبق له مثيل في التاريخ، من شوارع اليابان إلى بريطانيا، في كل مكان. كراهية إسرائيل أصبحت أمرا شعبيا متناميا.

فكّروا جيدا فيما يعنيه هذا للمستقبل.

كل طفل في العالم يعرف الآن أن إسرائيل تقتل الأطفال في غزة.

كل امرأة باتت تدرك أن إسرائيل تقتل نساء بريئات.

كل أب، كل أم، يعرفون أن إسرائيل حرمت آباء وأمهات فلسطينيين من أبنائهم.

مستقبل إسرائيل سيكون مظلما، وعلينا أن نُدرك ذلك.

القضية الفلسطينية لا يمكن حصرها في عمر إنسان، بل هي نضال طويل الأمد.

ما معنى الاعتراف بدولة فلسطين؟

بعض القرّاء يكتبون إليّ: "وماذا يفيد أن تعترف بريطانيا، وفرنسا وغيرهما بدولة فلسطين؟ لن يتغيّر شيء…"

صحيح أن 147 دولة كانت قد اعترفت سابقا بدولة فلسطين، ومع ذلك واصلت إسرائيل احتلال غزة دون اكتراث.

ويقال: "محمود عباس فشل في امتحان غزة، فهل من معنى للاعتراف بدولة يرأسها؟".

والآن، يقترب عدد الدول المعترفة من 160، ومع ذلك ستواصل إسرائيل احتلالها، وهذا أيضا صحيح.

لكن علينا أن ننتبه إلى أن هذه الاعترافات حدثت رغم معارضة الولايات المتحدة كقوة عظمى، ورغم تهديدات إسرائيل.

لو لم تكن هذه الاعترافات ذات أهمية، لما ألغت الولايات المتحدة تأشيرات وفد فلسطين في الأمم المتحدة، ولما أصدرت كل هذه التصريحات.

ولو لم تكن مؤثرة، لما فقد رئيس وزراء إسرائيل أعصابه، وأخذ يطلق التهديدات في كل اتجاه. ولما زادت حدة الانتقادات الموجهة إلى نتنياهو في الداخل الإسرائيلي.

إسرائيل والولايات المتحدة تعيشان اليوم هزيمة دبلوماسية. ورغم كل قوتهما، لم تستطيعا منع الاعتراف بدولة فلسطين.

صوت الشعوب سُمع في الميدان وفي الدبلوماسية

في شوارع فرنسا، وبريطانيا، والبرتغال، وكندا، لم تتوقف الأصوات المطالبة بالعدالة لفلسطين. هذه الاحتجاجات، التي يُقال إنها "لم توقف نزيف الدم"، دفعت حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطين. إنها قوة الشعوب التي فرضت على الدول أن تُغيّر موقفها.

وسترون قريبا أن هذه المظاهرات التي لم تهدأ منذ عامين ستزداد، وستؤدي إلى فرض عقوبات على إسرائيل من قِبل الدول التي تغاضت عن الإبادة الجماعية.

ولن تتأثر صورة إسرائيل وحدها، بل ستتضرر أيضا صورة الولايات المتحدة ومكانتها واحترام العالم لها.

ومع تراجع هيبة الولايات المتحدة، ستزداد الضغوط على من هم في السلطة هناك أيضا.

تذكروا: لا حكومة يمكنها أن تتجاهل غضب ناخبيها.

استعدوا لنضال طويل النفس

القضية الفلسطينية مستمرة منذ نحو مئة عام. منذ احتلال بريطانيا القدس ونحن نتألم.

ومنذ تأسيس دولة إسرائيل، والمنطقة تنزف دما.

لذلك، لا يتوقعنّ أحد أن يُحلّ هذا الصراع فورا.

نتنياهو نفسه قال: "نحن نناضل منذ ألفي عام لتأسيس دولتنا في القدس". وإذا كانوا قد ناضلوا من أجل دولة دامية طيلة هذه السنوات، فعلى المسلمين أن يُكافحوا بنفس طويل من أجل تأسيس دولتهم في القدس، مدينة السلام.

لكن في المقابل، فإن تحرير القدس لن يستغرق ما يتمنّاه الإسرائيليون من قرون طويلة، وسنرى ذلك بأعيننا بإذن الله.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!