علاء تباب - الخليج أونلاين

أثار توقيت استهداف القوات التركية لتنظيم "الدولة" في الأراضي السورية، ومشاركتها رسمياً في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، تساؤلات كثيرة حول جدوى الضربات وسعيها لتحقيق نتائج متعددة المصالح، فيرى مراقبون أنها جاءت خدمة لمصالح ذاتية، فيما تساءل آخرون عن جدواها في خدمة أهداف الثورة السورية، في حين تعتبر بعض الأطراف التأخر في اتخاذ مثل هذا القرار حوّل دماء الإنسان السوري لوقود يخدم أجندات سياسية بعينها في المشرق العربي.

- التداعيات

معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري، عبّر في تصريح خاص لـ"الخليج أونلاين" عن خشيته من تداعيات الضربة التركية على سوريا، قائلاً: "إنني أخشى أن يكون الضوء الأخضر لتركيا مقدمة لاستنزاف مرعب، وفخاً كبيراً للأتراك".

في السياق ذاته، رأى الصحفي أحمد كامل، المقرب من دائرة اتخاذ القرار في الائتلاف الوطني والمعارضة السورية، أنه "إذا صحت الأنباء عن أن هدف القصف التركي هو منع داعش وحزب العمال الكردي (وتوابعه) من الوجود في غرب نهر الفرات وبعمق 50 كم؛ فإن هذا سيؤمن حماية لظهر ثوار الشمال في حلب وإدلب، ويوقف مشروع التطهير العرقي للعرب والتركمان، الذي يهدف لإيجاد منطقة متواصلة جغرافياً يسيطر عليها حزب العمال الكردي (وتوابعه)، تمتد من إيران إلى البحر المتوسط، إذا صح ذلك نكون دخلنا مرحلة جديدة تسمح بإقامة منطقة حرة تضم أكثر من ثلث سكان سوريا (حلب 6 ملايين + إدلب 2 مليون + أجزاء من حماة واللاذقية)".

- الدوافع

يعتبر البروفيسور والمفكر السياسي لؤي صافي، أن توقيت القرار التركي يتعلق بتطورات دولية ومحلية، "فعلى الصعيد المحلي أتى التدخل عقب إعلان الأكراد استئناف الصراع المسلح ضد الحكومة في تركيا، وبعد أيام من إعلان داعش مسؤوليتها عن التفجيرات الأخيرة في مدينة سوروج التركية".

أشار صافي أثناء الحديث أيضاً إلى أن "التدخل يمكن أن يفهم تماماً بالنظر إلى القرار التركي الذي أعلن الحرب ليس على داعش وحسب، ولكن على حزب العمال الكردستاني. تركيا كانت مترددة في محاربة داعش خشية تقوية نفوذ الاتحاد الديمقراطي المتحالف مع النظام، والذي يشكل امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي قاد الصراع المسلح ضد تركيا من داخل الأراضي السورية لعقود. إعلان حزب العمال مؤخراً حرباً مفتوحة على تركيا سهل، في تقديري، مهمة الأتراك في إقناع حلفائهم الغربيين بأن حربه في شمالي سوريا ستكون ضد تنظيمي حزب العمال والدولة".

- لمصلحة من؟

وعن كون التحرك التركي يصبّ في صالح الثورة السورية أم يخدم مصالح ذاتية، أو أخرى في منطقة المشرق العربي، يقول صافي لـ"الخليج أونلاين": "إن تركيا تتحرك انطلاقاً من مصالحها القومية بتوقيتها المناسب، ولكن فيما يتعلق في مواجهة نظام الأسد وتنظيم الدولة، لا شك في أن هناك تقاطعاً كبيراً في المصالح السورية والتركية".

ويتابع: "لذا فتدخل تركيا ضد تنظيم داعش يصب في صالح الثورة السورية؛ لأن التنظيم منذ دخوله سوريا سعى للقضاء على المعارضة العسكرية السورية بكل الوسائل الممكنة، فالرؤية السياسية التي يمثلها التنظيم كارثة على سوريا، ومواجهته ضرورية للحفاظ على المشروع الوطني ومنع تشكل نظام ديني متشدد، يتحرك باسم الإسلام، ولكنه يفتقد روح التسامح وقيم التعددية الدينية والرحمة الإنسانية التي جعلت الإسلام واحداً من أكثر الأديان انتشاراً".

ويشير صافي إلى أن قرار الضربة التركية على سوريا "يتوافق مع رغبة أمريكا وحلفائها ورغبة القوى الإقليمية، إضافة إلى أنّ عنف التنظيم وإسرافه في قتل المدنيين وغلوه وتشدده أجبرها أخيراً على اتخاذ قرار محاربته".

- موقف المعارضة

قابل الائتلاف الوطني السوري فوراً، الضربة التركية بالترحاب، مؤكداً على لسان رئيسه خالد خوجا، "أنه رغم تعدد أشكال الإرهاب وأدواته؛ إلا أن نظام الأسد يبقى الراعي الأساسي له، والذي يعمل على تطبيق منهجه وسياساته الإجرامية بالتعاون مع العديد من التنظيمات المتطرفة كتنظيم الدولة الإرهابي، والتنسيق مع أحزاب أخرى تسايره بالنسق القمعي نفسه".

واعتبر خوجة أن هذه العمليات العسكرية من قبل الجانب التركي تأتي في سياق الوقوف لجانب الشعب السوري ومطالبه المستحقة منذ البداية، والتي ما انفك يكررها على مسامع المجتمع الدولي ودول الجوار عبر ثورته المستمرة.

- نتائج التأخير

التأخير في اتخاذ قرار الضربة، رآه المفكر السياسي لؤي صافي أنه حوّل دماء الإنسان السوري لوقود يخدم أجندات سياسية بعينها في المشرق العربي، مبينّاً: "لأن أعداداً كبيرة من السوريين بمنطقة الجزيرة الذي انضموا إلى داعش سيتحولون إلى أهداف للجيش التركي، كما تحولوا إلى أهداف للمعارضة العسكرية، نتيجة غدر قياداتهم وإسرافهم في القتل لأسباب سياسية أو سلوكيات لا تستوجب القتل"، مضيفاً أن "ما يجعل داعش قوة إرهابية بامتياز، أنها لا تختلف كثيراً عن المليشيات الطائفية التي أطلقها النظام لقتل الشعب السوري وإخضاعه".

- التنظيم وانعكاساته

ويصف صافي تنظيم بأنه "إرهابي"، ويقول: "إن داعش يستخدم الإرهاب للسيطرة على الأرض، ويعمد إلى قتل المواطنين لأسباب لا تستوجب القتل، بل يجرم ذلك من منظور الشريعة الإسلامية التي يدعي تطبيقها".

ويؤكد "أن تعامل قوى الثورة مع التنظيم في غياب الدعم العسكري يتطلب الحكمة، فالنظام سعى منذ البداية لإشغال المعارضة العسكرية بالتنظيم المتشدد، لذلك لم يوجه نيرانه نحوه ودخل معه في اتفاقات محدودة في العديد من المناطق".

واعتبر دخول تركيا إلى ساحة الصراع وإنشاء مناطق حظر جوي في الشمال، مهم في تخفيف تهديد "الدولة" للمعارضة الوطنية السورية.

- توقعات مستقبلية

وحول إمكانية انضمام السعودية لصفوف القوات التركية في عملياتها العسكرية في الشمال السوري، استبعد أحمد كامل ذلك بالقول: "إنّ التصرف المنطقي في هذه المرحلة هو إنشاء تحالف عسكري بين السعودية وتركيا، إذ إن كليهما مرعوبان من زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، ولكن التجربة تؤكد أن المنطق لا يسود دائماً في منطقتنا".

ويبقى الجواب الحقيقي في ذمة المستقبل، حول ما إذا كان القرار التركي سيغير في قواعد اللعبة والمنطق السياسي السائد في المشرق العربي، ويحول تركيا من دولة صديقة إلى لاعب هجوم في فريق الثورة السورية، أم أنّ هذه التحرك لا يعدو كونه عملية استعراض عسكري ولفت نظر سياسي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!