محمد حسن القدّو - خاص ترك برس

نشر الأستاذ علي حسن باكير مقالا مطولا تحدث فيه حول التعاون والتنسيق  التركي السعودي القطري الموحد حيال الأزمة السورية، وتطرق إلى مجمل الأمور المتعلقة بهذه الأزمة ومنها موقف الإدارة الأمريكية من هذا التنسيق الثلاثي حيث ذكرفي إحدى فقرات المقال:

"أما مكمن الخوف الحقيقي لدى إدارة أوباما فهو أن يتحول التعاون والتنسيق الإقليمي بين كل من السعودية وقطر وتركيا إلى تحالف يدفع هذه الدول إلى اتخاذ قرارات أكثر استقلالية في القضايا الإقليمية الحساسة، ويشكّل قاطرة تجرّ معها الدول الأخرى في المنطقة بشكل يؤدي إلى تجاوز الموقف الأمريكي في المسائل الأكثر أهمّية مما من شأنه أن يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة".

وأنا بدوري أثني على الاستاذ باكير على منهجيته في تحليل الوضع السوري المستقبلي وكذلك على مستقبل التنسيق الغير المسبق بين الدول الثلاثة كما أتفق معه بأن هذا التحالف قد يدفع هذه الدول إلى اتخاذ قرارات أكثر استقلالية حيال القضايا الإقليمية الحساسة، وما إلى ذلك من الأمور التى تستجد حيالها.

ونحن إذ نأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي لوحدها وبدون أية مقدمات تشاورية مع حلفائها من دول حلف الناتو، تمتلك الأزرار الخفية في حل كل تلك الأزمات. أي بمعنى أن أمريكا هي صاحبة اليد الطولى والوحيدة في توجيه السياسة العالمية، وهذا الأمر لا يختلف عليه اثنان من المتابعين للشؤون السياسية الدولية.

وقد يرى كثير من المراقبين والمحللين السياسين أن السياسة الأمريكية في فترة حكم الديمقراطيين بزعامة أوباما تكتنفها الكثير من الضبابية حيال الأزمات الدولية في شتى أرجاء العالم سواء في الأزمة الأوكرانية أو الأزمة السورية أوالأزمة اليمنية.

لكن هل هناك تخوف أمريكي من تطور هذا التعاون الثلاثي..؟ فأنا وبكل تواضع أرى أن التخوف الذي ذكره الاستاذ باكير هي حصيلة تراكمات في شكل العلاقات الأمريكية مع دول العالم وبالذات مع الدول الأوروبية الغربية حليفة أمريكا في حلف الناتو حيث كانت ولا زالت الراية الأمريكية هي السباقة لأنها هي من تتزعم قيادة الحلف الأطلسي، هذا الأثر جعل تكييف كل أشكال العلاقات الأوروبية مع دول العالم تمر عبر المباركة الأمريكية أو ما بعد المبادرة الأمريكية وهذا هو الواقع الذي جرت عليه كل أشكال العلاقات الأوروبية مع العالم منذ نهاية الحرب الكونية الثانية ثم مع بداية الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي.

أمثلة

الأزمة الكوبية

بدأت الأزمة الكوبية الأمريكية عندما أطاحت الثورة الكوبية بالرئيس فولجنسو باتيستا حليف أمريكا في  هافانا عام 1959، ومنذ ذلك الحين قامت الحكومة الأمريكية بعدة عمليات فاشلة للأطاحة بالنظام الكوبي الجديد الذي كان حليفا استراتيجيا للاتحاد السوفيتي.

في آب/ أغسطس 1962 وفي أعقاب هذه العمليات الفاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي، وخوفا من قيام أمريكا بغزو الأراضي الكوبية شرعت حكومة الاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى في كوبا. والتي تعطي الإمكانية لضرب جميع الأراضي الأمريكية انطلاقا من هذه القواعد، والجدير بالذكر أن المؤرخ والمستشار في عهد كيندي أرثر شليزنجرأكد بمقابلة للإذاعة الوطنية العامة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2002 بأن كاسترو لم يكن يريد تلك الصواريخ وإنما وافق تحت ضغط سياسي من خروتشوف وبحجة "التضامن الاشتراكي". وأقر أيضا بانه لم يكن مرتاح تماما لفكرة الصواريخ في أراضي كوبا.

وبعد قطيعة أمريكية أوروبية دامت أكثر من أربع وخمسين عاما وفي قرار تاريخي بعد منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، قام الرئيس الأمريكي بتطبيع العلاقات مع دولة كوبا، فقد أعلن "باراك أوباما" قرار البيت الأبيض الجديد بشأن العلاقات الأمريكية الكوبية وهو إعادة فتح قنوات اتصال بين الدولتين لمحاولة ترميم العلاقات المقطوعة منذ عام 1961، بالإضافة إلى التنسيق بين الدولتين لإعادة إنشاء السفارات والقنصليات.

القطار الاول

ركاب الدرجة الاولى: الطامعين  للسيجار الكوبي

وصل الرئيس الفرنسي"فرانسوهولاند" إلى مطار "خوسيه مارتي" في العاصمة الكوبية هافانا في مايو من هذا العام بصحبة خمسة وزراء ونحو عشرين من رؤساء الشركات ورجال الأعمال الفرنسيين، وقد كان في استقباله روجيليو سيارا نائب وزير خارجية كوبا،  وكان الرئيس الكوبي قد وصل توا من زيارة الى روسيا، فهذه الزيارة الرسمية الفرنسية تعد هي الأولى من نوعها لرئيس فرنسي منذ أكثر من 100 عام تقريبًا من القطيعة.

وأعربت العديد من الدول، ومن بينها فرنسا وهولندا، عن تأييدها لفكرة تحديث موقف الاتحاد الأوروبي من كوبا الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي لم توقع معاهدة ثنائية مع الاتحاد الأوروبي. وبارك بابا الفاتيكان عودة العلاقات مع كوبا.

ونحن إذ لا نعلق على توقيت زيارة الرئيس الفرنسي إلى كوبا لأنها أتت مسرعة بعد الاتفاق المبدئي بين أوباما وكاسترو وحتى قبل أن يؤتي اتفاق أوباما وكاسترو أكله للأمريكيين.

مثال أخر

الكافيار الإيراني

أما الأزمة الإيرانية فهي شاهدة متميزة على تفرد الأمريكيين في رسم السياسة العالمية، رغم العلاقات المتميزة للإيرانيين مع قطبين من خمسة أقطاب يمثلون الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن الدولي، فلإيران علاقات قديمة مع الغرب منذ بدايات القرن الماضي وكانت عجلة تطور العلاقات مستمرة، ودخلت أمريكا على خط العلاقات المتميزة مع إيران بعد أن قامت المخابرات البريطانية والأمريكية معا بإنهاء حكم "مصدق" الذي قاد انقلابًا على شاه إيران.

ومنذ نهاية العقد الخامس من القرن الماضي وبداية سلسلة إنهاء المستعمرات الأوروبية والبريطانية على وجه الخصوص وخلو المنطقة (الخليج العربي) من الجيوش الغربية أصبحت إيران بمثابة شرطي الخليج والمؤتمر بأمر أمريكا.

ورغم الدور المميز لأيران ورغم الموقع الجغرافي بألاضافة الى ما تملكه من ثروة نفطية هائلة تزود الغرب والشرق بالطاقة التي تسير بها عجلات الماكنة الغربية والشرقية , اقول رغم كل هذا ورغم الاحتياج الضروري لأوربا لهذه الطاقة , فبمجرد ان قامت امريكا ببعض الأجراءات والتي تسمى بالعقابية ضد ايران بعد ورود معلومات تفيد بتوجه ايران الى تطوير بعض منشآتها النووية، ففي عام 2002 كشفت جماعة معارضة إيرانية أن طهران تسير بخطى حثيثة لتطوير منشآت نووية بما في ذلك محطة ناتانز لتخصيب اليورانيوم ومفاعل للمياه الثقيلة في آراك، حذت الدول الغربية حذو أمريكا بنفس الإجراءات وفرضت جملة من العقوبات الاقتصادية من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وأحيانا من خلال حكوماتها وبرلماناتها.

  واتهمت الولايات المتحدة إيران بتطوير برنامج أسلحة نووية سرا، وهو ما تنفيه إيران.

وتلى ذلك عشر سنوات من تعاون إيراني متقطع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ونشاط دبلوماسي.

وصدقت الأمم المتحدة على أربع دفعات من العقوبات على إيران بين عامي 2006 و2010 بشأن القضية النووية.

كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران وعززت إجراءات في عام 2012 طالت القطاع المالي. كما انتهجت دول عدة نفس نهج العقوبات.

وزعمت وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2013 أن العملة الإيرانية فقدت ثلثي قيمتها خلال العامين الماضيين.

أول الغيث مطر

الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني

 هو مستند اتفاقية المراحل الأخيرة للنقاشات بين إيران حول برنانجها النووي ودول الـ5+1 - الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا -.

الاتفاقية مبنية على اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، الذي كان اتفاقًا مؤقتًا أنشأ في 24 تشرين الثاني/ نوڤمبر 2013، الذي فيه وافقت إيران على التخلي عن أجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. الاتفاقية المؤقتة فُعلّت على أرض الواقع في 20 كانون الثاني/ يناير 2014. لاحقًا وافقت أطراف النقاش على تمديد مدة المفاوضات، وتم تحديد أول موعد نهائي لها في 24 نوڤمبر 2014، وعندما وصلت الأطراف لهذا الموعد مع استمرار النقاشات، تم تمديد الموعد لغاية 1 تموز/ يوليو 2015.

وافقت إيران في 2 نيسان/ أبريل 2015 على تنفيذ القيود المفروضة على برنامجها النووي على الأقل لعقد من الزمن، وعلى الموافقة على التفتيشات الدولية لمراقبة تنفيذ الاتفاقية. بالمقابل، ستُرفع العقوبات الدولية في حال تقيِّد إيران بالشروط. ووافقت أيضًا إيران في مفاوضاتها مع مجموعة (5+1)، على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها في تخصيب اليورانيوم من 19 ألف جهاز إلى 6104، وستقوم بتشغيل 5060 منها فقط، بموجب الإتفاق.

لا تنتظر حتى يشيب الغراب

وعلى عجالة زارت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون طهران في زيارة هي الأولى على هذا المستوى منذ العام 2008، خصصت لإعادة إطلاق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران بعد الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في يناير الماضي، وبهذه الزيارة تمثل الاتحاد الأوروبي وليس مجموعة 5+1. وصرحت أشتون أنها بهذه الزيارة تمثل الاتحاد الأوروبي وليست ممثلة عن مجموعة 5+1.

ويذكر أن عددا من الوزراء الأوروبيين توجهوا في الأشهر الماضية إلى إيران بعد توقيع الاتفاق النووي بين المجموعة وجمهورية إيران.

ونحن إذ نكتفي بهذين المثالين في هيمنة الإدارة الأمريكية على توجيه السياسة العالمية إن صح القول وبالتالي فإن القطار الأمريكي هو الوحيد الذي يتسع لكل الركاب الهائمين في فضاء المعمورة وعليه فإن محطات وقوف هذا القطار مرتبطة بالتوقيتات الأمريكية وكذلك أماكن وقوفها.

لكن أمريكا في ظل الديمقراطيين أشبه ماتكون بقطار تعمل بكل طاقتها ولكن لا تستطيع أن تمر بمحطات ثانوية غير متوفرة بها الوقود للتزود بها ولذا فإن المحطة السورية محطة ثانوية لاتغذي مكنة القطار الأمريكية، وهنا مكمن سر التراجع الدائم لحل المسألة السورية.

ولهذا نستطيع القول بأن أمريكا الحالية في ظل الديمقراطيين قد قبلت بالأمر الواقع والذي يعني بعدم رغبتها التدخل في الامور التي تراها جزئية أو مرحلية  وتترك تلك للظروف الناشئة حولها. أم أن الإدارة الأمريكية تفضل أن تكون الصفقة السورية جزءًا من صفقة كبرى تشترك فيها روسيا والصين وبعض دول الغرب معا؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه بعد تكرار الطرح التركي لمناقشة المسألة السورية في كثير من المحافل الدولية واللقاءات الثنائية مع مسؤولي الدول بصورة جدية، وعدم تلقي أية بوادر أمل من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بادرت السعودية وقطر وتركيا معا إلى إيجاد الحلول الناجعة لإيقاف نزيف الدم المستمر في سوريا، أي أن الاتفاق الثلاثي التركي السعودي القطري طغت عليه الصيغة الإنسانية أكثر مما هي مبادرة سياسية، ونحن نتذكر أن الطرف السعودي كان له الفضل في إيقاف نزيف الدم اللبناني في ثمانينات القرن الماضي وكذلك في توحيد الصف الفلسطيني ومنع الاقتتال بين حماس ومنظمة التحرير والهدف والغاية كانت أيضا إيقاف نزيف دم الشعب الفلسطيني، وهذا ما تدركه الإدارة الأمريكية جيدا.

أما الأمر المهم والذي يجب أن نتذكره، وهذا الأمر أيضا غير مخفي عن الأمريكان أن السياسة الخارجية  التركية الجديدة منذ ما يقارب من عقد من الزمان يطغي عليها طابع التعددية في إقامة العلاقات، فعندما تتعمق علاقاتها مع روسيا أو مع الصين لا يكون هذا على حساب العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة أو مع الغرب الأوروبي والذي ترتبط تركيا معه بحلف الناتو، لكن تكون عبارة عن (علاقات متممة) - وهذا التعبير أقتبسه من مقولة للدكتور توفيق المديني على هامش تعليقه على كتاب العمق الاستراتيجي في مجلة المستقبل اللندنية. والمقصود بهذا التعبير الرائع أن علاقات تركيا هي علاقات غير متضادة أو حتى بديلة.

وأخيرا تدرك أمريكا أن تركيا تنتهج سياسة واضحة وشفافة في محيطها الإقليمي وليس لها أطماع جغرافية أو تاريخية سوى خدمة مصلحة شعبها بالتزامن مع المصلحة المتبادلة مع الطرف الآخر وأن بأقامتها هذا البون الشاسع من العلاقات المتممة وغير البديلة التي تصب في المصلحة المشتركة للأطراف كافة لهو جدير بالثقة وأن التخوف الأمريكي من هذا التوجه الجديد بين الدول الثلاثة تركيا والسعودية وقطر غير قابلة للتفسير وتحفظ في أدراج  مكاتب مستشاري البيت الأبيض.

والسؤال هو هل تمانع الإدارة الأمريكية أن تبادر بعض الأطراف الإقليمية من أن تحل مشاكلها الإقليمية دون تدخل من دول عظمى قد تصعد من الأزمة القائمة وبالتالي تتحول إلى مشكلة دولية تتنازع فيها الأطراف المتجاذبة وبالتالي تؤدي إلى تخندقات وما إلى ذلك؟.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس