محمود عثمان - خاص ترك برس

في اليوم التالي لصدور نتائج انتخابات السابع من حزيران صرح رئيس حزب الحركة القومي دولت بهجلي بأن نتيجة الانتخابات تقتضي تشكيل حكومة ائتلافية بين أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، وأن حزبه يفضل أن يكون في صفوف المعارضة، فإن فشلت هذه الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية فلا مناص من الانتخابات المبكرة، مضيفا أن حزبه مستعد لها. ولما فشلت جهود رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري اتجهت الأنظار ثانية نحو حزب الحركة القومية، من جهة أنه لن يسمح بإضعاف موقف الدولة التركية وهي تخوض حربا ضروسا ضد حزب العمال الكردستاني وتوابعه داخل تركيا وخارجها، حيث تقوم ايدلوجية الحزب على تقديس الدولة التركية ووضعها في المركز، وتقديم مصالح الدولة على كل ما سواها.

لكن سياسات رئيس حزب الحركة القومية تحولت إلى لغز يعجز المراقب السياسي عن فهم أحجيته وفك شفرته ورموزه. فبدل أن يقوم الحزب بتقديم الرؤى والمشاريع السياسية والحلول للمشاكل التي يرى أن حكومة العدالة والتنمية قد جرت البلاد إليها، عمد إلى انتهاج سياسة سلبية تقوم على ردود الفعل، وتتمركز حول العداء الصريح المعلن لشخص رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وتحميله مسؤولية كل شاردة وواردة، وانتقاده بأسلوب يخلو من اللباقة والدبلوماسية.

لاءات حزب الحركة القومية

لا للمشاركة في حكومة ائتلافية سواء مع حزب العدالة والتنمية أم مع غيره من الأحزاب الأخرى.

لا لتشكيل حكومة أقلية مؤقتة تسير شؤون البلاد إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة.

لا للمشاركة في أي تشكيل حكومي يكون حزب الشعوب الديمقراطي طرفا فيه.

لا للانتخابات المبكرة.

راهن كثيرون – ومنهم كاتب هذه السطور – على أن حزب الحركة القومية سوف يناور حتى اللحظة الأخيرة، لكنه في النهاية سوف يقدم الدعم غير المباشر لحكومة أقلية مؤقتة يشكلها حزب العدالة والتنمية تدير شؤون البلاد إلى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر موعد الانتخابات المبكرة، معتمدين على فلسفة الحزب وسلوكه في مثل هذه الظروف أولا، ثم بناء على خطوطه الحمر تجاه حزب الشعوب الديمقراطي، حيث يعتبره واجهة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، فليس من المعقول والحالة هذه أن يسمح لأي سيناريو يمهد للأخير تقمص شرعية الدولة التركية، لكن رئيس الحزب " دولت بهجلي" فاجأ الجميع برفضه جميع الخيارات المطروحة والحلول المقترحة، رغم إجماع المراقبين على أن الناخب التركي سوف يعاقب كل من عرقل العملية الديمقراطية.

فك شفرة حزب الحركة القومي تحتاج بحثا طويلا معمقا، وإن كان كثير من المراقبين يعزون سلبية الحزب المفرطة إلى تسلط الكيان الموازي/ جماعة فتح الله غولن وتأثيرها المباشر على قرارات الحزب، التي لعبت دورا كبيرا في ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو لمنصب رئاسة الجمهورية كمرشح مشترك لجميع أحزاب المعارضة ضد رجب طيب أردوغان، ثم لمنصب رئاسة البرلمان مقابل عصمت يلماز مرشح حزب العدالة والتنمية، بالرغم من بعد الرجل عن تركيا، وانعدام خبرته بشؤون السياسة الداخلية التركية.

حكومة الانتخابات المؤقتة

بعد فشل جميع الجهود المبذولة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة مؤقتة، صارت الأمور إلى حتمية تفعيل المادة 114 من الدستور التركي التي تنص على تشكيل "حكومة انتخابات" تشارك فيها الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بعدد وزراء يوازي تمثيلها فيه، وبناء على ذلك يكون توزيع الوزراء من حيث العدد: أحد عشر وزيرا من حزب العدالة والتنمية، وستة وزراء من حزب الشعب الجمهوري، وثلاثة وزراء من حزب الحركة القومية، وثلاثة وزراء من حزب الشعوب الديمقراطي. لكن كلا من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية رفضا المشاركة في هذه الحكومة، متهمين رئيس الجمهورية أردوغان بالقيام بانقلاب سياسي من خلال تعطيله العمل بالدستور، حيث امتنع عن تكليف كمال قليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري بتشكيل حكومة ائتلافية، وكلف أحمد داود أوغلو ثانية بتشكيل حكومة الانتخابات، بعد فشله في الأولى. طبعا رد أردوغان كان واضحًا بأنه يطبق مواد الدستور الناظمة لمثل هذه الحالات، وأنه يمارس صلاحياته الدستورية، وأن حظوظ نجاح كمال قليجدار أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية معدومة، كما أن المدة القانونية لتشكيل الحكومة هي خمسة وأربعين يوما، لم يبق منها سوى خمسة أيام. مقابل ذلك عبر حزب الشعوب الديمقراطي عن نيته المشاركة في حكومة الانتخابات.

"نعم" طغرل توركش نائب رئيس حزب الحركة القومية

بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية للمرة الثانية بتشكيل حكومة انتخابات، وجه أحمد داود أوغلو رسائل عرضه الوزارة إلى النواب المعنيين بأسمائهم كما تنص مادة الدستور، وليس إلى رئاسة أحزابهم كما تطالب الأحزاب السياسية.

غالبية نواب المعارضة الذين كلفهم داود أوغلو رفضوا المشاركة بالوزارة مذعنين لأوامر رؤساء أحزابهم بمقاطعة الحكومة، لكن قبول طغرل توركش نائب رئيس حزب الحركة القومي  الوزارة شكل صدمة كبيرة فاجأت الجميع. بل أحدث زلزالا قويا في صفوف حزبه، لما يشكله شخص توركش من رمزية وخصوصية، حيث هو نجل ألب أرسلان توركش مؤسس الحركة القومية في تركيا، كما أنه كان المرشح الأقوى لرئاسة الحزب عام 2007، لكن انسحاب بقية المرشحين – بقدرة قادر - لحساب دولت بهجلي جعله يخسر سباق الرئاسة ليتم انتخابه للبرلمان دورتين متتاليتين نائبا عن العاصمة أنقرة، ثم تعيينه نائبا لرئيس الحزب.

من جهتها سارعت قيادة حزب الحركة القومية إلى استنكار قبول توركش الوزارة، معلنة أنها حولته إلى لجنة التأديب بطلب فصله من الحزب.

"أفشل اللعبة" كان العنوان (المانشيت) العريض  لجريدة يني شفق المقربة من حزب العدالة والتنمية في صفحتها الرئيسية، حيث أدى دخول توركش الوزارة إلى تجريد بهجلي من أهم سلاح كان سيستخدمه في دعايته للانتخابات المقبلة، بالقول إن حكومة داود أوغلو هي في حقيقتها ائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطية، لكن وجود طغرل توركش في الحكومة نائبا لرئيسها أفشل هذه الخطة وأبطل مفعولها.

أيا كان قرار لجنة التأديب سواء بالفصل أو عدمه، فقد بات حزب الحركة القومية أمام خيارين أحلاهما علقم. إذ أن بقاء السيد طغرل توركش في صفوف الحزب سوف يشكل تحديا مباشرا لرئيس الحزب وقيادته، فضلا عن كونه إعلانًا رسميًا عن إفلاس سياسات الحزب على الملأ، كما أن عملية فصله سوف تؤدي لانضمام توركش إلى صفوف حزب العدالة والتنمية مما قد يؤدي إلى عملية انشقاق كبير في صفوف الحزب.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس