طه أوزهان - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

أعلنت تركيا خلال انتخابات 10 آب/أغسطس انتهاء مرحلة الهدم التي كانت في تسعينات القرن الماضي. لكن هذا لا يعني أبدا إغلاق أقواس المائة سنة الماضية. ستستمر آلام العودة للوضع الطبيعي لفترة زمنية أخرى. فما زالت هناك أزمة مزامنة سياسية تعيشها بعض الأحزاب، فتكوين النظام، ورفع شأن المجتمع، وتشكيل الاقتصاد، وبعض القوى السياسة التي يجب أن تحرّك هذه الأمور لا تقوم بها بصورة متزامنة. لكن الوضع الجديد، يوجب على هذه القوى السياسية أن تجري تغييرات حقيقية لأرضية التعامل مع تلك القضايا الهامة.

القوى التي غيّرت تلك الأرضية هي حزب العدالة والتنمية وأردوغان. لم يكن هناك إجماع على نوع التغيير وأصله ومحتواه لأنه من الاستحالة أن يكون هناك إجماع على ذلك أصلا. الآن وبعد اثني عشر عاما كشف اردوغان عن "الأرضية الجديدة". النظام جعل الوصاية للشعب بأحيائه الفقيرة، فالحزب نحت الصخر من أجل تحقيق ذلك بيديه. نفض كل غبار الفوضى عن نفسه، وأزاح أنقاض الفساد عن ظهره. ولمواجهة هذا الوضع الجديد حاول البعض هدم ذلك متعمدا. لكن في النهاية وصل القطار لمحطته الأخيرة بسلام. أما الآن فبدأ الحزب يتعرض لانتقادات البعض لأنه يزيل الأنقاض المتبقية ويحضر لـ"أرضية جديدة" تمسح أوساخ قرن من الزمن. بعضهم بدأ يشكو من كون الأرضية الجديدة التي أوجدها أردوغان خشنة. وبعضهم بدأ برثاء الأحياء الفقيرة، وآخرون مستاءون من فقدان شيء لم يستحقوه أبدا.

شكّل 10 آب أغسطس ميلاد مرحلة البناء. هذا الميلاد تم في ظروف صعبة للغاية. لهذا فإن توليفة المنطقة والعالم لم تستطع مجاراة هذا التحوّل. على الأقل لم يكن هناك أي بوادر لهم من أجل التغيير على المدى المتوسط للأمور التي تحصل في الخارج. على سبيل المثال فإن مرحلة 2012-2014 والتي شهدت أزمة حقيقية كانوا يقفون ضد التغيير في الدول المجاورة ويدعمون الغموض السياسي فيها، بينما كانوا في تركيا يدعمون المعارضة ويستخدمونها من أجل محاولة القيام بتغيير جوهري في الدولة التركية. فقاموا بدعم حزب العمال الكردستاني بالسلاح، بينما نزلت المعارضة المشروعة إلى الشوارع. وعندما رأوا قرب نهاية مشروعهم مشروع الهدم والتصفية اضطروا للتمركز في بؤر الوصاية داخل أروقة الدولة.

ونتيجة لذلك ظهرت مجموعة "غولن". استطاعوا التسلل بسهولة باستخدام الفقراء إلى داخل النظام. خرجوا من أقبيتهم التي مكثوا فيها سنين طويلة، ليتخذوا طرقا تكنولوجية جديدة من أجل المساعدة على تصفية أردوغان. كانوا يعتقدون أنهم يبنون مؤسساتهم الموازية، بينما كان أردوغان يقوم بتصفية كل ما يتعلق بتركيا القديمة. وعندما أدركوا جدية أردوغان في تصفية الشوائب المتبقية، حاولوا الظهور بصورة مغايرة في آخر مراحل تركيا القديمة. لم يدركوا أن التحوّل الجاري حاليا قد تم شراؤه من الشعب منذ زمن طويل. لكن في النهاية ومع استئصال النظام الموازي لن يستطيعوا التمادي أكثر من ذلك ليكونوا هم أسوء عضو في نادي القوى السياسية التي عانت من أزمة التزامن السياسي.

عملية البناء الجديدة التي انطلقت بعد 10 آب/أغسطس يجب أن تكون ذات طابع مؤسسي. كل التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي كانت خلال العشر سنوات الماضية، وكل الأمور الديمقراطية والخدمية وصلت إلى جميع المواطنين بصورة "متساوية وعادلة". هذا الأمر كان من المفترض أن يكون هدف القرن الماضي. لكن هذا النجاح تأخر نصف قرن ليتحقق خلال العشر سنوات الأولى من الألفية الجديدة. لذلك فإن نجاح المرحلة الجديدة مرتبط ارتباطا وثيقا بمقدار توصيل الخدمات للناس بشكل "متساوي وعادل".

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس