محمد زاهد جول - القدس العربي

لا بد قبل الحديث عن وجهة نظر تركيا من تزايد التواجد العسكري الروسي في سوريا من معرفة الأسباب الحقيقية لزيادة الروس تواجدهم العسكري في سوريا، وهل يستهدف الأمن القومي التركي؟ وهل يتعارض مع السياسة التركية نحو الشعب السوري التي انتهجتها الحكومة التركية منذ أربع سنوات؟ 

ولعل البحث في توقيت هذا الدعم الروسي يعطي الباحث بعض التقديرات الأقرب للحقيقة. فالصراع في سوريا قارب على إكمال عامه الخامس، وقد مر بمراحل أساسية، حاولت فيه روسيا أن تكون بعيدة عن التورط فيه، إما لأسباب داخلية تتعلق بالشعب والبرلمان، أو لأسباب خارجية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم ينس هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكان ضابطاً في المخابرات السوفييتية في ذلك الوقت، وكان قريبا جداً من صانع القرار الروسي الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، وهو الذي اختاره لتولي رئاسة روسيا من بعده.

وأخيراً لا بد من معرفة حقيقة الموقف الأمريكي والإسرائيلي من تزايد الوجود العسكري الروسي في سوريا، وهل تم بالتفاهم معهما حتى في مراحله الجديدة؟ علما بان كل الدور الروسي في سوريا من بداية الصراع كان في حالة تنسيق وتوافق مع الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية لمستقبل سوريا، سواء مع بقاء الأسد أو مع سقوطه، أو مع أخطار إطالة الصراع في سوريا لسنوات عديدة بهدف استنزاف الجيش السوري، ومن تم خداعهم من الإيرانيين والمتشيعين العرب، فتم توريط حزب الله اللبناني في معركة لا يملك فيها إلا تقديم الخسائر البشرية المتوالية، لأنه لا يملك معلوماتها، ولا يسمح له بالانتصار فيها، ولا الانسحاب منها إلا مهزوما وذليلاً ودفع ثمن الهزيمة بنهاية مستقبله العسكري والسياسي في لبنان وليس في سوريا فقط.

وإذا تمت المقاربة الصحيحة مع كل الأسئلة السابقة، فإن البحث في الأهداف الروسية من زيادة تواجدها العسكري في سوريا يجعل الحديث عن مخاوف على تركيا إما مبالغاً فيها، أو انها محقة وتحتاج إلى مزيد من التحليل والبيان عن أوجه الخطر ودرجته. لقد صدرت مواقف أمريكية وألمانية تحذر من زيادة التدخل العسكري الروسي في سوريا، بل شرعت أمريكا بإجراء مباحثات سياسية وعسكرية بين الوزارات المعنية الروسية والأمريكية، ولقاءات وزير الخارجية الأمريكي كيري مع وزير الخارجية الروسي لافروف كانت أقل توترا من الانطباع الذي سبقه من تصريح الرئيس الأمريكي مع عدد من الجنود الأمريكيين بتاريخ 11/9/2015، قال فيه اوباما، ان روسيا تقوم بخطأ استراتيجي إذا ظنت انها بدعمها لبشار الأسد يمكن ان تساعده على البقاء في السلطة، لأن وجهة النظر الأمريكية بان الحل السياسي المنشود لسوريا هو برحيل الأسد ولو بعد زمن معين.

ولكن الرأي الأمريكي الأقل رفضاً لزيادة التدخل الروسي في سوريا جاء من وزير الدفاع الأمريكي بعد لقائه وزير الدفاع الروسي الذي جرى بتاريخ 18/9/2015، إذ جاء الموقف الأمريكي مفاجئاً للذين توقعوا الرفض الأمريكي، فقد ذهب البنتاغون إلى مطالبة الروس بتنسيق العمليات العسكرية وبالأخص الطلعات الجوية ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام حتى لا تقع أخطاء فنية مع الطلعات الجوية لقوات التحالف الدولي الذي تتزعمه أمريكا ضد الدولة الإسلامية، اي أن أمريكا لا تعارض التواجد العسكري الروسي، ولا تحركاته العسكرية، بل تريد التنسيق معها في السيطرة على الأجواء السورية، وتنسيق العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الروسي في سوريا، وهذا يتوافق مع التصريحات الأمريكية القديمة التي كانت تناشد روسيا في ان يكون لها دور في محاربة الإرهاب في سوريا، والمشاركة في إيجاد حل سياسي فيها، ولا بد ان الروس قد استمعوا إلى الرسائل الأمريكية وعملوا على برمجة تحركهم العسكري على أساسها. أي ان الأرجح أن يكون التدخل العسكري الروسي تم بالتوافق والتنسيق مع الأمريكان، وضمن خطة عسكرية تسعى لإجهاض كل الميليشيات العسكرية التي تسعى أمريكا إلى إضعاف قوتها العسكرية، وهي التي حالت دون تمكين أمريكا من تدريب قوات عسكرية سورية معتدلة بحسب الأوصاف الأمريكية، أو التي رفضت الدخول في تنفيذ الأوامر الأمريكية الصادرة من

قادتها العسكريين من خلال قوات التحالف الدولي، أو الترتيبات السياسية التي تعمل على تحضير أرضية أو بيئة سياسية وديمغرافية لتقسيم سوريا.
ولكن القول بوجود تنسيق وتفاهم روسي وأمريكي على التدخل العسكري الروسي في سوريا لا ينفي أن تكون هناك أغراض وأهداف لروسيا غير التي لأمريكا، قد لا توافقها أو تعارضها، ولكن لا تصل لدرجة الاصطدام بينهما، لأن أمريكا كانت ولا تزال تسعى لإطالة الصراع في سوريا، وبالتالي فإن أي تعارض لها مع الأغراض السياسية أو العسكرية الروسية في سوريا يمكن التعامل معها بنفس طويل، قد تستخدمه أمريكا لتوريط روسيا بخسائر عسكرية وبشرية ترهق روسيا في سوريا، كما أرهقت إيران وحزب الله اللبناني من قبل. فالتدخل العسكري الروسي الذي جاء بترحيب أمريكي هو شبيه بالتدخل العسكري الإيراني الذي جاء أيضاً بترحيب أمريكي وإن كان أكثر سرية من الحديث العلني مع الروس، وبالأخص في الاجتماعات العلنية بين وزراء الدفاع الأمريكي والروسي بهدف التنسيق في الصراع السوري.

لا شك ان هناك مصالح روسية خاصة وإضطرارية دفعت بوتين إلى التدخل في سوريا، ومنها حماية صورته داخل روسيا، حيث أصبح معروفاً للسياسيين والشعب الروسي ان القيادة الروسية تقف وراء النظام السوري وبشار الأسد سياسيا وعسكريا، وان بوتين لا يحتمل الهزيمة أمام المعارضة الروسية، وأمريكا تفتح له أبواب حروب تضعف شخصيته الوطنية، سواء في أوكرانيا أو في سوريا أو على أراضي الجمهوريات السوفييتية السابقة المحاذية لروسيا بما فيها دول الاتحاد الروسي نفسه، مما أضطر بوتين إلى العودة إلى زيادة مستوى التسلح العسكري الروسي في مواجهة أمريكا والغرب، وبالتالي فإن روسيا تدخل سوريا وهي تدافع عن نفسها وليس لانتصار الأسد فقط، ونقطة الضعف التي أضطرت روسيا إلى التدخل هي فشل التدخل الإيراني في إنهاء الثورة السورية وتثبيت حكم بشار الأسد، بل كانت نتائج الاحتلال الإيراني المتعدد الأوجه لسوريا سببا في زيادة خسائر بشار الأسد لمعظم أراضي سوريا، وهو ما تراهن روسيا على تغيير المعادلة فيه، بأطماع أمريكية. أي أن روسيا لا تريد رؤية الاحتمال الآخر يقع وهي مكتوفة الأيدي، وهو سقوط بشار الأسد، ونهاية النفوذ الروسي في سوريا، ولذلك فإنها تريد أن تدخل في معادلة الحل السياسي في سوريا، حتى إذا ما تم انهاء مصير الأسد، فأن ذلك يتم مع الاحتفاظ بالمصالح الروسية مع النظام السوري المقبل، فالمصالح الروسية دافع رئيسي للتدخل في سوريا، فبعد خمس سنوات من الوقوف إلى جانب بشار الأسد لا تحتمل روسيا رؤية الهزيمة تلحق بها وهي مكتوفة الأيدي، هذا لا يعني ان روسيا سوف تنجح في منع الهزيمة ولكنها ستعمل لجعلها بأقل الخسائر الممكنة.

من الممكن أن يكون للأزمة الأوكرانية أثر على القرار الروسي لزيادة تدخله في سوريا، وقد يكون للاتفاق النووي الإيراني الأمريكي أثر أيضاً، لأن الاتفاق النووي سوف يفتح أمام إيران أبواب صداقة وتعاون وأسواق غربية جعلتها القيادة الإيرانية الخامنئية من أولوياتها السياسية والاستراتيجية، وإلا تعرضت للزوال والرحيل، سواء بالضغوط والحصار الاقتصادي الذي لم يستطع الروس ولا الصينيون منعه، مما أضعف الاقتصاد الإيراني، وهذا الاتفاق قد يكون اثره سلبياً على الاقتصاد الروسي بعد تدفق وزراء خارجية الغرب على طهران لإبرام العقود الاستثمارية معها في المستقبل، وبالتالي تراجع حاجة إيران إلى روسيا أولاً، وتراجع حاجتها إلى تركيا أيضاً، والتدخل العسكري الروسي في سوريا قد يكون من أهدافه إطالة أمد التحالف الروسي الإيراني المشترك في سوريا وخارجها، وإبقاء الحاجة الإيرانية إليه في دعم موقفها الدولي في قضايا مشابهة في العراق ولبنان واليمن وما بعدها. 

في سياق هذه الرؤى والتحليلات والاحتمالات لا نجد خطورة مباشرة على تركيا، أي أن تركيا غير مستهدفة من التدخل الروسي في سوريا بصورة مباشرة، بل إن السياسة الروسية بحاجة إلى استرضاء السياسة التركية لنجاح مهمتها في سوريا، سواء وافقت عليها تركيا أو لم توافق من حيث الأصل، والدعوة الروسية إلى الحكومة التركية بعودة المباحثات تشير إلى رغبة روسيا في زيادة التعاون الاقتصادي مع تركيا، وهذا يعني ان روسيا لا تضع تركيا في برنامجها العدواني في سوريا، وقد يفسر ذلك قلة ردود الأفعال السياسية التركية على التحرك الروسي في سوريا، بل قد ترى فيه السياسة التركية نوعا من تخفيف الأضرار التي لحقت بالصراع السوري، وبالأخص في ارتفاع وتيرة الحرب الأهلية الطائفية، التي قادتها الميليشيات الإيرانية وحرسها الثوري وتوابعها العربية المتشيعة للمرجعية الإيرانية المذهبية والسياسية والعسكرية.

ومن الأمور الملفتة للنظر أن الحكومة الإسرائيلية هي التي بدأت بتسريب أنباء الإنتشار العسكري الروسي في سوريا، وأعربت عن مشاعر القلق من مدى الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد أو للميليشيات المتشيعة التابعة لإيران وبالأخص ميليشيات حزب الله اللبناني. فالحكومة الإسرائيلية تخشى من مستوى الدعم العسكري، فجاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو يوم الاثنين 21/9/2015 لمناقشة التدخل العسكري الروسي في سوريان وجاء في أخبار هذه الزيارة أن الرئيس الروسي بوتين قد:»طمأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن سوريا لن تفتح جبهة الجولان، وان الجيش السوري ليس في وضع يسمح له أن يفتح جبهة مع إسرائيل». 
أما الحديث عن وجود مخاطر تهدد روسيا من المجاهدين الإسلاميين أو من الدولة الإسلامية في العراق والشام، فإن التقديرات التي تتحدث عنها روسيا مبالغ فيها، فما قيل عن عدد القوقازيين الذين يقاتلون في سوريا هو 2400 مقاتل، وهذا عدد لا يتطلب أن تتورط روسيا في حرب في سوريا، بل ستكون ردود أفعال في تلك المناطق القريبة لروسيا أكبر بعد التدخل الروسي، أي ان الخطورة على روسيا تأتي من التدخل وليس من جود مقاتلين روس أو قوقازيين أو شيشان في سوريا. وقد ظهرت بوادر ذلك بتعرض مقر سفارة روسيا في دمشق إلى قذائف هاون يوم 21/9/2015، أي قبل ان تباشر القوات العسكرية الروسية توجيه ضربات علنية في سوريا. 

إن السياسة التركية تنظر بكل إيجابية لأي حل سياسي يمكن ان ينهي معاناة الشعب السوري، وفي هذا السياق ترى ان على روسيا أن تشارك الدول العربية وتركيا في إجراءات الحل السياسي المنشود، والذي تحقق من خلال جنيف1، وعلى ضرورة إيجاد هيئة انتقالية بكامل الصلاحيات دون السعي لإنهاء الدولة السورية ومؤسساتها الحكومية، ولكن دون ان يكون لبشار الأسد وحزب البعث والميليشيات التي دعمتها إيران أي دور في الحل السياسي المقبل، فإذا شاركت روسيا بدعم هذا الحل فإن تواجدها العسكري سيكون مؤقتاً حتى لو جاء بطلب من حكومة بشار الأسد، والتواجد المؤقت الذي يمكن ان ترى فيها السياسة التركية مصلحة للشعب السوري، ينبغي أن يقوم على التوازن الإقليمي والدولي معاً، فالتوازن الإقليمي يمكن ان يحقق توازنا وطنيا داخل سوريا، وهو المـــأمول ان يحقق السلام للشعب السوري، حيث لا يمكن ان يكون هناك شعب سوري منتصر وآخر مهزوم.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس