جلال سلمي - خاص ترك برس

عانى الشعب التركي ويلات الأزمات الاقتصادية والانقلابات العسكرية لسنوات طويلة وبقدر جسيم وموجع إذ كانت تركيا كل خمس أو عشر سنوات على موعد جديد مع الأزمات الاقتصادية أو الانقلابات العسكرية وكانت أول أزمة اقتصادية عاشتها تركيا عام 1929 واستمرت حتى عام 1933 ويمكن ربط هذه الأزمة بالأزمة العالمية العامة التي أصابت جميع دول العالم.

ولكن على الرغم من أن العالم أنقذ نفسه من هذه الأزمات، إلا أن  تركيا لم تستطع ذلك إذ كانت عام 1945 على موعد جديد من الأزمات الاقتصادية وفي عام 1958 حدثت أزمة اقتصادية أخرى استمرت إلى عام 1960 حيث أصاب أول انقلاب عسكري تركيا وأوجعها لسنوات طويلة، وفي عام 1971 كانت تركيا على موعد مع انقلاب عسكري جديد ولكن هذه المرة كان انقلابًا ناعمًا ولكن نعومته لم تكن بالقدر الذي يُعفي تركيا من أزمة اقتصادية جديدة.

وبعد تدخل تركيا العسكري في قبرص عام 1974 ومع وتيرة أزمة النفط العالمية القاسية عانى المجتمع التركي القحط والفقر لسنوات طويلة انتهت عام 1980 حيث قرارات 24 كانون الثاني/ يناير 1980 الاقتصادية الانفتاحية التي استبشر بها المجتمع التركي خيرًا ولكن يبدو بأن حظه لم يكن مكتوب له الفرحة حيث حدث بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 1980 انقلاب عسكري وُصف بأنه الأكثر دموية في التاريخ التركي واستمرت آثاره إلى عام 1983 حيث جرت انتخابات برلمانية وفاز حزب الوطن الأم وعمل على تحسين الوضع الاقتصادي والسياسي المدني للمجتمع التركي ولكن لم تستمر نجاحته لفترة طويلة إذ بعد عام 1989 أصبح له هناك الكثير من المعارضين وتشتت الشعب التركي بين هؤلاء المعارضين السياسيين.

تشتت الشعب التركي أحدث فصل "الحكومات الائتلافية (اللعين)"، حسب تعبير الشعب التركي، حيث استمر هذا الفصل إلى عام 2002 حيث حدث عام 1998 أزمة اقتصادية قاتلة دفعت الكثير للانتحار والهجرة واستمرت إلى عام 2002 وفي عام 2001 حدثت أزمة اقتصادية جديدة قاسية كانت آخر الأزمات الاقتصادية التي أوجعت الشعب التركي وبشدة قاسية جدًا.

ويتطرق الكاتب السياسي ساردار تونجار، في مقال سياسي له بعنوان "من أين إلى أين" نُشر في جريدة يني شفق بتاريخ 14 تشرين الأول/ أكتوبر، قائلًا "كنا في سنوات التسعينات، نعيش ثمانية أطفال في بيت ذي غرفتين صغيرتين ولم يكن أبي قادر على توفير بيت جديد لنا لأنه كان بالكاد قادر على توفير قوت حياتنا".

ويُضيف تونجار بأن "حياتنا كانت بسيطة، هذا صحيح، ولكن كنا نعيشها بسعادة ونحاول نسيان ما يحيط بنا من قحط من خلال العيش في مستوانا برضى وحمد، ولكن إن نظرنا إلى الصورة العامة للمجتمع نرى بأنه كان يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية جسيمة وواضحة ولكن كان يحاول العيش بما قسم له الله وكان البعض لا يتحمل فينتحر وكان البعض يهاجر إلى الخارج حتى أصبح حوالي مليون مواطن تركي يعيش الآن في أوروبا".

ويشير تونجار إلى أنه "بعد تولي حزب العدالة والتنمية للحكم وانتهاجه نهج وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعد تولي مهندس الاقتصاد التركي علي باباجان ورفيق دربه جودت يلماز لموقعي مستشار رئيس الوزراء الاقتصادي أصبحت البوصلة التركية التعيسة في كافة النواحي تدور نحو القطب الإيجابي حيث التقدم والنمو الاقتصادي فالسياسي والاجتماعي والثقافي".

وبالرجوع إلى الإحصاءات المحلية والدولية الخاصة بمستوى تركيا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي نجد بأنها بالفعل ينطبق عليها سؤال "أين كانت وأين أصبحت؟" إذ حققت تركيا في السنوات الأخيرة قفزة جذرية غيرت من مستواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي نحو الإيجابية المُطلقة.

وبالرجوع إلى الإحصاءات الاقتصادية الخاصة بمؤسسة الإحصاء التركية؛ يتبين بأن سعر الدولار الأمريكي الواحد يساوي 2,637، ولكن الآن أصبح يساوي 2,80 كان حساب الجاري المفتوح الخاص بحجم الصادرات والورادات التركية سلبي بقية 77,08 مليار دولار، وهذا يعني بأن تركيا كانت تستورد بشكل كبير وتابعة للكثير من الدول الصناعية ولكن اليوم أصبح هذا الحساب مليار و519 مليار دولار، موجب وهذا يعني بأن تركيا طورت الكثير من إمكانياتها الصناعية وأصبحت تعتمد على نفسها بشكل كبير لتأمين احتياجاتها من السلع محليًا وهذا مايجعل الأسعار معقولة وطفيفة ويجعل الرفاهية الاجتماعية مرتفعة.

وعلى صعيد سياسي وعسكري يقيم الكثير من الخبراء السياسيين والعسكريين تركيا بمثابة دولة قوية إقليميًا مقارنة بالدول المنافسة لها في المنطقة، كما أن نجاحها في انتاج مانسبته 40% من احتياجاتها العسكرية وتأكيدها بأنها ستكون قادرة على إنتاج 80% من تلك الاحتياجات بحلول 2021 يبين مدى قوتها العسكرية، كما أنه أصبح لها دور مركزي ورئيسي في المنطقة بعدما كانت دولة فرعية لا تأثير لها في السابق.

وعلى صعيد اجتماعي وثقافي؛ أصبحت تركيا ذات تأثير اجتماعي وثقافي ملحوظ على منطقتي الشرق الأوسط والبلقان وغيرها من المناطق خاصة من خلال منحها العلمية للعديد من الطلاب الأجانب ومسلسلاتها الناجحة وجمعياتها الخيرية وغيرها الكثير من الآلات الناعمة التي تستخدمها وتجعل لها رصيد تأثيري اجتماعي وثقافي ملموس.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!