برهان الدين دوران - جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

سيستمر التراجع في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، مع استمرار تقديم الأخيرة المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، حتى مع كون تلك المساعدات تتم تحت مسمى تقديم مساعدات "للقوى السورية الديمقراطية"، والخلاف بين الدولتين في هذه الجزئية يكمن في مفهوم المنظمات الإرهابية ودورها في الحرب الأهلية في سوريا.

لا تهتم الولايات المتحدة الأمريكية بحقيقة أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي هو امتداد لحزب العمال الكردستاني، بينما تعتبر تركيا ذلك، وأمريكا أيضا عازمة وُمصرة على أن تساعد حزب الاتحاد الديمقراطي كي يحارب ضد داعش.

قدمت أمريكا 50 طنا من المساعدات العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، من أجل أن يحارب داعش في منطقة الرقة، مع المحافظة على بقاء حزب الاتحاد الديمقراطي بعيدا عن خط جرابلس-عزيز، وقد أعرب بوضوح كلا من رئيس الجمهورية ادروغان ورئيس الوزراء داود أوغلو انزعاجهما من هذه المساعدات الأمريكية.

وقد أكد رئيس الوزراء داود أوغلو على أنّه في حال وصول هذه الأسلحة لحزب العمال الكردستاني، فإنّ تركيا لن تتردد بتاتا في قصفها وقصف حزب الاتحاد الديمقراطي أيضا. أنقرة في الواقع لا تتحدث عن احتمالات، وإنما لديها دلائل وقرائن مؤكدة وملموسة، تؤكد وصول أسلحة كانت بيد حزب الاتحاد الديمقراطي لمخازن حزب العمال الكردستاني، وقد نشرت صحيفة صباح خلال الأيام الماضية خبرا مفاده بأنّ تركيا قصفت مخازن أسلحة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، كانت تتواجد فيها أسلحة أمريكية مضادة للطيران ومضادة للدبابات.

لكن أمريكا، وبرغم كل هذه الأمور التي تتحدث عنها تركيا، ستستمر في دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا الأمر جلي، لأنّ أمريكا لا تملك خيارا آخر أفضل من الحالي لمواجهة داعش، وستظهر حقيقة تأثير حزب الاتحاد الديمقراطي في هذا الجانب خلال المواجهة المرتقبة في جبهة الرقة، ولهذا سيركز حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي على وضع كل ثقلهم وقدرتاهم وطاقتهم في الرقة، لأنّ تشكيل دولة فيدرالية في سوريا فيها دولة لهم يمر عبر تحقيقهم نتائج إيجابية في المواجهة في منطقة الرقة.

والأهم من ذلك، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بأنّها تستطيع التحكم بالدعم الذي أرسلته لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهي بذلك تسعى إلى التخلص من مصادر القلق التركي، وفي نفس الوقت تسعى إلى عدم السماح لروسيا بالسيطرة على حزب الاتحاد الديمقراطي وجعله تحت نفوذها.

أصبحت الحرب في سوريا ساحة جيدة جدا بالنسبة لحزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي من أجل كسب شرعية دولية لهما، ويعتقد العمال الكردستاني أنه بمحاربته لداعش سيحظى على دعم دولي من أجل "تحقيق استقلاله".

وتهدف هذه المحاولات المتعلقة بإضفاء الشرعية على الحزب، إلى تحقيق نظام "حُكم ذاتي" في جنوب شرق تركيا، وسيتحدثون أنّ نسبة الأصوات المرتفعة التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي في تلك المناطق بمثابة "استفتاء" على هذا الطلب. وبعدها يسعون إلى إسقاط برزاني من شمال العراق، وهكذا سيصبح حزب العمال الكردستاني يسيطر على ثلاثة مناطق في ثلاثة دول.

استطاعت تركيا إعاقة هذا المشروع من خلال وضعها لعملية السلام في الثلاجة، وتوجيه عمليات قاسمة وناجحة تجاه حزب العمال الكردستاني، لكن هدف العمال الكردستاني ما يزال نفس الهدف، ولا شك أنّ أكثر طرف فاعل في مشروع شرعنة حزب العمال الكردستاني هو الطرف الأمريكي.

لا شكّ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تملك القوة "لشرعنة" ما تريده، وهي بذلك تحاول السيطرة على حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي من خلال مبدأ العصا والجزرة، فإمّا أن تضفي أمريكا صفة الشرعية على الحزب، وإما أن تعلن انه منظمة ارهابية، ولهذا تعتقد أمريكا بأنّ باستطاعتها السيطرة على الحزبين بالرغم من الإصرار التركي على أنهما حزبان إرهابيان.

كما وتعتقد أمريكا أنّ إعطاء الأكراد "كيان كردي مستقل" في شمال سوريا، سيُذهب مصادر القلق التركي من تقسيم وحدة الأراضي التركية، ويستدلون بذلك بحُسن العلاقات بين تركيا وكردستان العراق، لكنني أعتقد هذه الرؤية تحمل مبالغة في المقارنة، لأنّ حزب العمال الكردستاني هو الذي يسيطر في شمال سوريا بخلاف الوضع القائم في كردستان العراق، ولذلك فإنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن في إعطاء الأكراد كيان مستقل في شمال سوريا، وإنما تكمن في خطر أنْ يقود حزب العمال الكردستاني مستقبلا حراكا إنفصاليا للأكراد عن تركيا.

سيتسمر الخلاف بين تركيا وأمريكا في هذا الموضوع، ما دامت الأخيرة لا تفهم حقيقة مصادر القلق لدى تركيا فيما يتعلق بحزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي، وهذا سيمهد الطريق لتحوّل هذا الملف إلى مشكلة حقيقية وجدية بين البلدين.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس