
جلال سلمي - خاص ترك برس
اشتد التنافس الدولي في سوريا وازداد زخمًا بعد التدخل الروسي العسكري المباشر به، الثورة السورية، هذه الثورة التي تنبأت الخارجية التركية بأن تكون أول ثورة حرية تنتصر في الشرق الأوسط لاعتقاد مستشاريها ومحلليها بأن الأسد من أكثر الشخصيات الضعيفة في منطقة الشرق الأوسط، تأخذ اليوم منحنى أكثر زخمًا وأكثر تعقيدًا.
وعلى حسب اعتقاد الكثير من الخبراء وعلى رأسهم الخبير في مجال الشرق الأوسط شعبان كارداش بأن رؤية الخارجية التركية هي صائبة وتوقعها هو توقع جميع الخبراء السياسيين في تلك المرحلة، ولكن ما جعل هذا التوقع يحيد وينكسر في مساره هو الدعمين الإيراني والروسي الرئيسيين وعمليات الدعم الأخرى التي أتت من شيعة أفغانستان وباكستان وبعض الجنود الصينيين والكوريين الشماليين والكوبيين وفي نهاية المطاف الدعم الروسي العسكري الجوي والبري.
وفي تعقيب له على تبرير كارداش للتغير الذي طرأ على رؤية الخارجية التركية الخاصة بالثورة السورية يؤكد الباحث والأكاديمي أتوكو شاهين في دراسة أكاديمية له بعنوان "العنصر الإيراني في الثورة السورية" نُشرت على الصفحة الرسمية لمركز الشرق الأوسط للدارسات الاستراتيجية "أورسام" بتاريخ 25 آب/ أغسطس 2015، بأنه "لا يوجد في العلوم الاجتماعية نظرية أو توقع صائب مئة بالمئة في جميع الحالات، هذه الحالات الصائبة مئة بالمئة تكون في المواد العلمية مثل الفيزياء والكمياء ولكن في علم السياسة أحد العلوم الاجتماعية الأكثر شيوعًا يمكن أن يكون هناك احتمال للصواب واحتمال للخطأ".
ويضيف شاهين بأن "التوقع التركي جاء في إطار الحالات والظروف المُحيطة بالنظام الأسد والذي كان يتوقع الجميع بأنه سينحل ويتفكك ذاتيًا في غضون شهور وذلك لأنه جيش ضعيف وغير مستند لانتماء وطني قوي وما أثبت ضعفه هو انشقاق العديد من الضباط والجنود عنه بعد انطلاق الثورة بأيام قليلة، كما جاء في إطار اعتقاد الخارجية التركية بأن الدعم الإيراني يمكن ألا يُجدي نفعًا من إنقاذه في السقوط ولم تتوقع الخارجية التركية التمسك الروسي الشديد والدعم الكوري الشمالي والكوبي والإيراني البري والبشري لهذا النظام".
ويفيد شاهين أيضًا بأن "تفسير جميع عمليات الدعم هو مذهبي وإيديولوجي وجيوسياسي بامتياز؛ بالنسبة لإيران النظام الأسدي هو نظام نصيري علوي جيد جدًا لخدمتها في المنطقة التي تسعى لتقوية جذورها الجيو سياسية بها، أما روسيا فقاعدة طرطوس وقاعدة اللاذقية المحتملة هما القاعدتين الوحيدتين لروسيا في المنطقة ويبدو بأنها تعلم جيدًا بأن التفريط بها سيكلفها الكثير حتى تسترد مثيلًا لهما في المنطقة، وأما كوبا وكوريا الشمالية والصين وغيرهما فإلى اليوم يعيشون في حُلم الإيدولوجية الشيوعية الاشتراكية ويساندون النظام السوري على أنه إحدى القوى الاشتراكية في العالم لا سيما في ظل الدعم الروسي الشديد لهذا النظام الأمر الذي يجعلهم يتمسكون بالدعم للنظام الأسدي بشدة وعزم، الدعم المذهبي كان بحسبان التوقع التركي ولكن الدعم الإيديولوجي القوي لم يُتوقعه أحد".
ويسرد شاهين في مقاله بالأساس التنافس الإيراني التركي في سوريا ويتطرق إلى هذا التنافس من خلال بعض المعطيات التي تظهر حجم تدخل الطرفين في القضية، ويشير شاهين بعد دخوله لصُلب الموضوع بأن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعم ثورات الربيع العربي التي انطلقت في مناطق كثيفة في منطقة الشرق الأوسط ولكن ما إن وصلت نيرات هذه الثورات إلى سوريا غيرت زاوية دعمها بمقدار 360 درجة وأصبحت تصف الثورة في سوريا بأنها مؤامرة دولية".
ويوضح شاهين بأنه "في بداية انطلاق الثورة السورية كانت إيران تدعم النظام الأسدي إعلاميًا ولوجستيًا، ولكن بعد تقدم الثورة والثوار وثباتهم الشديد بدأت إيران بدعمها المباشر من خلال تحريك حزب الله من جهة الغرب وبدأت تدعو الشيعة حول العالم الذهاب إلى هناك من أجل الجهاد وصد هذه المؤامرة المُستهدفة لمراقيد أهل البيت وتمدد المذهب الشيعي في المنطقة وبالفعل لبى العديد من الشيعة حول العالم دعوة إيران وتوافدوا إلى سوريا للقتال بجانب النظام الأسدي".
أما من ناحية تركيا فيرى شاهين بأن "التدخل التركي في سوريا جاء في إطار إنساني في بادئ الأمر من خلال استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين وتطبيق سياسية "الباب المفتوح" أمام جميع اللاجئين الوافدين لتركيا، بعد ذلك تطور الدعم التركي فشمل الدعم اللوجستي والمادي للجيش الحر وبعض فصائل المعارضة وخاصة أحرار الشام وجيش الإسلام، ولكن مايجعل إيران تسبق تركيا بخطوة في مجال التنفس في دعم الأطراف السورية المتناحرة هو عدم إرسال تركيا جنود أتراك للحراب بشكل مباشر في تركيا، ويبدو بأن تركيا تعتزم دعم الثورة السورية من خلال الدعم اللوجستي وتبحث عن شراكة سعودية، قطرية، كويتية، في هذا الدعم ويبدو بأن الأيام القادمة ستشهد هذا القبيل من التعاون في الدعم لأن أصبح الجميع يعي مدى خطورة التوغل الإيراني المذهبي الجيوسياسي في المنطقة وهذا ماسيغير بعض نتائج خط سير الثورة السورية في الأيام القادمة..".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!