مراد باردكجي - صحيفة خبر تُرك - ترجمة وتحرير ترك برس

في الأشهر القليلة الماضية كان النقاش دائرًا حول إدراج اللغة العثمانية في المنهاج المدرسي التركي، لكن ما لبث هذا الأمر حتى قلت حدة النقاش بشكل سريع. قبل أيام فقط، تم وضع اللّغة العربيّة كدرس اختياري في المدارس الابتدائية وبدأ نقاش واسع يدور حول هذه المسألة من جديد.

حسب المناهج الدراسية لوزارة التربية والتعليم فهناك ثماني لغات أجنبية (اللغة الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، الإسبانية، الصينية، اليابانية والروسية) موجودة، وتمت إضافة اللّغة العربيّة لها حسب القرار الجديد.

بدأ النقاش حول هذا الموضوع، وبدأت الآراء تتضارب حول اللغة العربية وربطها سريعًا بموضوع العلمانية وتعالت الصيحات بالرفض!!

لا أعلم إذا اطلعتم على المنهاج الدراسي الذي سيُطبّق في الصفوف الابتدائية؟ سيتم تعليم الطلاب الألوان وأسماء الحيوانات والفصول الأربعة والتعارف والأعداد والرياضة... الخ. في السنوات التي تليها سيتم تعليمهم كيفية التعريف عن النفس والهوايات والألبسة والأعداد ووسائل النقل، وسيتم التركيز على المحادثة بشكل أكثر.   

بالتأكيد هذا الربط بين العلمانية أو هذه الدعاية الدينية وبين الرهانات والتخمينات المتناولة وما علاقة كلا الأمرين ببعضهما، ليس من الصعب تخمينه: فاللغة العربية لغة الإسلام، والقرآن الكريم أيضًا مكتوب باللسان العربي؛ إذن اللغة العربية تعني الإسلام فقط؛ لكن تركيا علمانية وبالتالي نحن لا نريد اللسان العربي بطبيعة الحال.

حالنا نحن لن تجدوا مثله حال!!

هناك لغة أجنبية وهي لغة الحضارة الإسلامية العريقة، قد أصبحت عنصر للخوف ووسيلة رخيصة للخلاف الأيديولوجي في بلادنا، لن تجدوا أغرب من هذا التفكير "لا نريد أطفالنا أن يتعلموا لغة أجنبية" في أي بلد آخر!

مع الأسف هناك بُعد تقني لهذه المسألة، فنتيجة تعليم اللغات الأجنبية في مدارس التربية والتعليم معروفة بضعفها، ولأن أولوية المناهج الدراسية ليست تعليم المحادثة، إنما التركيز على قواعد اللغة التي رُبما لا يعرفها أصحاب اللغة الأصليين والتي لا فائدة منها، فالنتيجة تقتصر على مستوى محدود وبعض الجمل البسيطة فقط مثل: "أنا اسمي حسين" و"ما اسمك؟" و"هذا جميل".. فمع الأسف لا يستطيع الطالب إنشاء جملة أو قول: "تفضلوا، كيف أستطيع مساعدتكم؟"...

هذا الأمر لا ينطبق على التعليم الابتدائي أو الإعدادي فقط، بل يتعدى ذلك إلى كليات الآداب وأقسام التاريخ، فالأسلوب المُتبع في تعليم اللغة العثمانية في الأقسام العليا يشبه كثيرًا الأسلوب في الابتدائي.

لنضع جانبًا تعليم الطلبة قراءة الوثائق، فليس هناك أي كتابة تُعرض للطلبة من كتابات أُدباء أواخر العصر أمثال: رشاد نوري، رفيق خالد وحسين رحمي. يتم التركيز على قواعد ليست ذات أهمية مثل: ثلاثي المصدر ورباعي المصدر، (أفاعيل-تفاعيل، فاعل-مفعول و ماضي-مستقبل) ومن هذا القبيل.

ما هي النتيجة إذن؟ حصول الطالب على شهادة " مؤرخ عثماني" أو " متخصص بالتركية الكلاسيكية"، وإذا أعطيته جريدة قديمة قبل مئة عام فقط يكون عاجز عن قراءتها.

العِداء لشيء أنت جاهلٌ به...

قلقي ليس على اللغة العربية فقط، كذلك على اللغات الأجنبية الأخرى التي تُدرس في المدارس بشكل اختياري، بإتباع الأسلوب نفسه في التعليم، وإرهاق الطلبة بالكم الهائل من القواعد بلا فائدة وإهدار الوقت.

لنعود قليلًا للموضوع الأساسي، وجدل الأيديولوجيات الذي يدور حول اللغة العربية ويرى فيها مصدر للخوف والقلق.

تركيا دولة تملك أُسس قوية ومتينة، وبالرغم من الصراعات الداخلية والخارجية التي لم تهز كيان هذه الدولة، لن يؤثر على أُسسها ساعة أو ساعتين في الأسبوع درس يتناول لغة أجنبية، سواء اللغة العربية أو أي لغة أخرى.

إذا كان ضمن المنهاج الدراسي لغة يابانية وصينية فلماذا لا تكون اللغة العربية أيضًا، وكذلك لغات مناطق الجوار المحيطة بنا مثل: الأرمينية والرومانية والفارسية وغيرها من اللغات، وتعليمها بشكل تقني وفعّال.

لا ننسى؛ أن الذين هم ضد فكرة تعليم اللغة العربية في مدارسنا اليوم، ينطبق عليهم المقولة " من جهل شيئًا عاداه".

عن الكاتب

مراد بردقجي

كاتب في صحيفة خبر ترك


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس