أ.د.محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس

يواكب التطوير التنظيمي كافة المساعي المقررة من القيادات الإدارية لتطوير المؤسسات سواء لدى الدول المتقدمة أو الناشئة بغية استكمال تنفيذ خطط التنمية الشاملة في دولهم، أما الحال لدى الدول النامية والمتخلّفة فهو خارج تلك المساعي لأن حكامها لا يريدون تطوير بلدانهم أصلا.

ويبدأ قادة الدول الناشئة ومؤسساتها بشكل خاص في إعادة النظر بالبنى التنظيمية القائمة من خلال تحليلها واستخلاص مؤشرات لمعرفة مدى امكانية تنفيذ ذلك النوع من التطوير ثم يتم وضع الخطط المرحلية الزمنية لتطبيقها والوصول إلى تحقيق الأهداف المحددة.

لكي تنجح خطط التطوير التنظيمي يتولّى متخصصون وخبراء في هذا المجال دراسة واقع المؤسسات والإدارات والشركات وإجراء تشخيصات وفق منهجيات عديدة ثم تحليل المعطيات الكمية والوصفية المتحصّلة منها للحصول على مؤشرات دقيقة تحدد الأولويات ثم الخيارات ثم مدى ونطاق التطوير التنظيمي في كل مؤسسة / إدارة / شركة ، ثم وضع الخطة التنفيذية.

وقد اتبعت الدول المتقدمة والناشئة التي نجحت تجاربها التدرّج في التطوير التنظيمي وتجنّب القفز وحرق المراحل لأن التغيير أو التطوير التنظيمي يجب أن يتواكب مع التغيرات في الثقافة التنظيمية والمؤسسية إذ لا يمكن الانتقال من شكل هيكلي تنظيمي إلى آخر دون خلق الثقافة التنظيمية التي تناسبه مسبقا، وإلا سينعكس ذلك سلبا على كل الممارسات وقد يولّد مقاومة التطوير تطيح بكل الخطط الموضوعة وتفشلها.

ولتوضيح ذلك بشكل منهجي ومتسلسل ، نبين أن كافة أشكال الهياكل والبنى التنظيمية في المؤسسات والشركات العالمية كانت هرمية في بداياتها إذ استمر الشكل الهرمي في التنظيمات حتى بداية أعوام 1970 في كل دول العالم ، بعد ذلك تطورت علوم التنظيم والإدارة وتم ابتكار الشكل الهيكلي المصفوفي الذي استمر حتى بدايات 1990 ، ثم تلا ذلك الشكل الهيكلي الشبكي وتزامن ذلك مع طرح شكل هيكل الهرم المقلوب للخروج عن السلطوية في الممارسات القيادية ، وأخيرا تجلّى الابداع الهيكلي التنظيمي في شكل التنظيم العضوي الذي يشبه جسم الإنسان.

فيما يخص الدول المتقدمة ومقارنتها مع الدول الناشئة فقد تجاوزت كافة الدول المتقدمة والناشئة الشكل التنظيمي الهرمي كونه أصبح معرقلا للتنمية والتطوير واستبدلته كل دولة ومؤسساتها بأشكال هيكلية تنظيمية أكثر تطورا تبعا لفلسفتها في القيادة الإدارية والحكم في المؤسسات، وأصبحنا نلحظ تطبيق الشكل الهيكلي التنظيمي العضوي الأكثر تطورا في الدول الاسكندنافية وبعض مؤسسات وشركات أمريكا وكندا وأوربا الغربية واليابان، واختارت غالبية الدول المتقدمة شكل التنظيم الشبكي في المؤسسات الإنتاجية والتعليمية أو الهرم المقلوب في المنظمات الخدمية، كما اختارت بعض شركات الدول الناشئة شكل الهيكل التنظيمي الشبكي أو الهرم المقلوب وغالبية مؤسسات وشركات تلك الدول تعتمد الهيكل التنظيمي المصفوفي وطلّقت بشكل قطعي الهيكل التنظيمي الهرمي، (مع الأخذ بالاعتبار طبيعة عمل المؤسسات والشركات حين اختيار واعتماد الشكل الهيكلي التنظيمي إذ تختلف من قطاع إلى آخر وفق خصوصية العمل).

بالعودة إلى تركيا كدولة ناشئة، واهتمامنا الموجه لها كونها اعتمدت خططا للتنمية الشاملة حققت نجاحا كبيرا على الصعيد الماكرو الاقتصادي، وتهدف لتطوير البنى الهيكلية التنظيمية لمؤسساتها وإداراتها وشركاتها لمواكبة ذلك النجاح على صعيد الاقتصاد الميكرو (الجزئي أو المؤسسي).

نبيّن أن المؤسسات التركية لا سيما الحكومية ما زالت تتبع شكل الهيكل التنظيمي والبنى الهرمية وبالطبع تبعا لتأثيرات الثقافة التنظيمية السائدة والمتجذرة منذ عقود طويلة. والآن، حان الوقت للبدء في تطوير الثقافة التنظيمية والمؤسسية بالتزامن مع تطوير الهياكل التنظيمية والبنى من الشكل الهرمي إلى الشكل المصفوفي بالمرحلة الأولى، ثم تقييم الوضع المستجد للانتقال بعد فترة إلى تطوير تلك الثقافة والهياكل والبنى التنظيمية إلى الشكل الشبكي أو الهرم المقلوب، وهذا يتطلب جهودا نوعية وخبراء متخصصين في علوم التنظيم والإدارة مع ممارسين مشهود بكفاءاتهم لقيادة تلك الخطط التطويرية، والأمل معقود للبدء بذلك.

عن الكاتب

أ. د. محمد مرعي مرعي

جامعة غازي عنتاب، كلية الاتصالات، قسم العلاقات العامة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس