ماركار إسيان - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

يتساءل البعض: لماذا كل هذا التضخيم الإعلامي لأحداث باريس؟ موت 130 شخصًا لا شيء، لكننا نرد عليهم بأن موت شخص واحد بسبب أعمال إرهابية أمر لا يمكن قبوله نهائيًا، ونستنكر هذه الهجمات ونقف بصف الضحايا مهما كانت جنسيتهم ولونهم وعرقهم، فالإرهاب لا لغة له ولا دين ولا ملة، كذلك الحال بالنسبة لضحاياه فلا يجب التفريق والنظر بمنظور آخر.

لكن مع الأسف الأمر ليس كذلك، فالدماء التي تُراق في سوريا والعراق وأفغانستان ومصر وغيرها من المناطق الواقعة تحت وطأة الظلم يُنظر لها على أنها لا قيمة لها، حيث لا تتحرك الدول الغربية إلا عندما ترى طفلًا كرديًا بريئًا تتقاذف أمواج البحار جسده العاري إلى الساحل جثة هامدة بلا روح.

هناك أمر يجب الفصل فيه بين المواطنين العاديين والذين يعيشون في الدول الغربية وبين حكوماتهم التي تُدير الدولة، فإن لم نُفرّق بين الطرفين سيكون تشخيصنا للمشاكل والأحداث خاطئًا وكأننا نعمل في أحواض مُظلمة، هنا لا بد من ذِكر المظاهرات في لندن وجنوب أفريقيا وغيرها من مدن العالم المناهضة لأعمال العنف والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة.

لكن بالمقابل لم تتحرك الدول الغربية والدول القوية في الشرق لمساندة الشعب السوري الذي يموت منه عشرات الآلاف من الأطفال الأبرياء وكان مصيرهم مصير الطفل إيلان، فهذا الصمت تجاه القضية السورية سيكون نقطة سوداء في تاريخهم الحالي والمستقبل وعيب على تاريخهم الحضاري الذي يتغنون به.

سيشهد التاريخ والعالم بأسره على أن تركيا وما قدمته للشعب السوري والعراقي من استقبال اللاجئين وتوفير الخدمات لهم، ومد يد العون لهم وإنفاق مليارات الدولارات بدون تمييز على أساس عرقي أو مذهبي أو ديني، ورفع صوتها عاليًا في كل زمان ومكان وفي كل محفل دولي لإيجاد حل للأزمة السورية الأكبر في العصر الحالي، لا يسعني سوى الافتخار بأنني أنتمي لهذه الدولة المناصر الأكبر للإنسانية، فتركيا اليوم وهي تكتب التاريخ يحق لشعبها الافتخار والاعتزاز بهذا المجهود الذي تقدمه دولتهم العظيمة شعبًا وحكومة رغم الصعوبات المالية والاقتصادية.

بالأمس كانت تركيا تقف مرفوعة الرأس عالية الجبين بين الدول العظمى وهي تستضيف على أراضيها قمة دول العشرين (G-20)، فكلمات المدح والفخر تقف عاجزة عن وصف ما تقدمه من مساعدات في خدمة الإنسانية، فأصبحت تركيا مثال يُحتذى به في أرجاء المعمورة. فعلى جميع زعماء الدول في العالم أن يمتثلوا لأطروحات ومقترحات تركيا في حل الأزمات والقضايا العالقة في العالم بشكل نهائي بالأخص الأزمة السورية.

هناك أسباب تجعل تركيا قدوة للعالم لأن هدفها وهمهما مصلحة الشعوب والمدنيين وليس مصالحها الذاتية المادية، فتنظر للقضايا التي تتعلق بمصير الشعوب نظرة إنسانية يجب أن تحل بطرق سلمية وأخلاقية بعيدًا عن المنافع الشخصية والأنانية.

الكل يتمنى لو لم تحصل أحداث باريس، لكن قدر الله فكانت سببًا في تنبه الغرب إلى مدى خطورة هذا التنظيم الإرهابي الذي يُهدد أمن وسلامة العالم أجمع، فاللاجئين الذين لاذوا بالفرار إلى أوروبا خير دليل على مدى وحشية هذا التنظيم، فلا يوجد عنده سوى القتل وإراقة الدماء والتدمير والتهجير.

في هذا العصر حدثت أخطاء كبيرة فادحة، وخير مثال التدخل في شؤون الدول العربية التي مرت بربيع كان يحمل في طياته الاستقرار والتغيير إلى الأفضل لولا التدخل الغربي، فكان التدخل في الشأن المصري الداخلي ودعم النظام الذي انقلب على الشرعية، كذلك التدخل في الشأن السوري واللعب في الخفاء، فجميع هذه الألاعيب كان نتاجها ظهور منظمات إرهابية مثل داعش وغيره، فلقد كاد الربيع العربي أن يُؤتي ثماره عندما قرر الشعب بالاحتذاء بالشكل الديمقراطي المُتبع في تركيا. لكن أُكرر أن الدول الغربية كانت تعمل على رسم خريطة جديدة على نقيض مخططات سايكس بيكو سعيًا وراء مصالحهم الذاتية دون التفكير في مصير الشعوب والاحتمالات التي ستكون نتيجة لهذه الأطماع، فقاموا بتقديم الدعم لصُنّاع الانقلابات على الشرعية كما حدث في مصر.

لقد بدأ الجسد بالتعفن وبدأت الجراثيم والميكروبات بالخروج من هذا الجسد والانتشار في كل مكان، فتنظيم داعش الإرهابي لا يمت للإسلام بصلة، وإنما هو عبارة عن صنيعة غربية نتج نتيجة السياسات الخاطئة التي ارتكبتها حكومات الدول الغربية، فعندما يُدرك الغرب هذه الحقيقة سوف يكون الحل بسيط ويسير، وسوف ينعم شعوب العالم كله بالأمن والسلام.    

عن الكاتب

ماركار إسيان

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس