خلود الخميس - صحيفة الأنباء

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتظم في فصول خاصة لتعلم اللغات، على الأقل الانجليزية والعربية، فقد تبادل أطراف الحديث مع زعماء العالم في قمة العشرين وهو يبتسم بثقة ومن دون رأس ترجمان يطل بينه وبين ضيفه لينقل التحايا والسلام والترحيب.

فهل تعلم أردوغان الكردية أيضاً لأن حكومته أثناء رئاسته لوزراء تركيا طرحت وتبنت ملف المصالحة الوطنية، والمعني فيها الأكراد، لإنزالهم من الجبال والتوقف عن قتال الدولة ودمجهم بالعملية السياسية؟ لا نعلم.

ويعتبر اختيار ولاية أنطاليا الواقعة على الريفيرا التركية، والتي تمتد على مساحة ألف كيلومتر على السواحل التركية، موفقاً لاعتدال مناخها في هذا الوقت من العام حيث تغطي الثلوج أجزاء كبيرة من تركيا، ولطبيعتها الخلابة، وقد يكون للتأثير على القرار السياسي عبر التخدير العام الذي يسببه الجمال الأخاذ للخضرة والماء والوجه المرحِّب الباسم والصديق، الذي لاحظه المراقب عند فريق المراسم والتشريفات لقمة مجموعة العشرين.

وإن تساءلنا: هل للمكان أثر على قرارات السياسيين؟ أظن الإجابة أن المكان والطبيعة والظرف العام مؤثرة على القرار الإنساني، والسياسي لا يخلو من إنسانية مخبأة في زاوية ما في ضميره، وإن كانت المصالح هي «الطاغية» الذي يسيره.

ومعروف أن قمم العشرين تخرج بتوصيات لا قرارات وهي غير ملزمة للأعضاء، وهذه القمة سبقها ما يقارب 90 مؤتمراً واحتضنت 7 جلسات، والعشرات من الجلسات الثنائية بين الزعماء وكبار التنفيذيين الذين اجتمعوا تحت سماء أنطاليا، وينقلها جيش من الإعلاميين ويحضرها عشرة آلاف من المرافقين للوفود.

وفي الافتتاح تبنت الإدارة التركية عبر خطاب رئيس القمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قضية اللاجئين السوريين ودفعت عبر الديبلوماسية لدعم أجندتها وهي ليست مالية، فبالرغم من إنفاق تركيا 8 مليارات دولار على اللاجئين ولم تدفع لها أوروبا سوى 417 مليون دولار مساعدة فقط، إلا أن مطالب تركيا ليست مادية، مثل الأردن ولبنان، في خطابها للعالم حول أزمة اللاجئين السوريين، بل تحقيق المطالب السياسية التي تطرحها لحل مشكلتهم وعلى رأسها استبعاد الأسد من الحل السياسي، وإنشاء منطقة عازلة آمنة تضمن لهم حياة كريمة نوعاً ما لمرحلة انتقالية حتى يكتمل الحل السياسي.

الإرهاب العالمي واللاجئون السوريون ملفان ساخنان في القمة خصوصاً بعد تفجيرات باريس مؤخراً.

وبما أن الجميع اتفق على محاربة الإرهاب، أياً كان مصدره وجهته وتنظيمه، لفت انتباهي بين الكثير من الأطروحات التي تطرق إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته، فكرة «الحوار الاجتماعي» معتبره شرطاً أساسياً في النجاح الاقتصادي والسياسي، لذا سأعرض تاريخ العلاقة بين الأكراد والسلطة في تركيا.

إقليم كردستان تركيا أو كردستان الشمالية يقع شرق وجنوب شرق تركيا، وللأكراد دور إستراتيجي في انتصار الأتراك السلاجقة على البيزنطيين، وانتصار العثمانيين على الصفويين في معركة «تشالدران 1514 م»، والتي يعتبرها الأكراد مفترق طريق في علاقاتهم مع الترك، حيث قسمت «كردستان الكبرى» بين الدولتين العثمانية والصفوية ويطالبون بعودة الإقليم مرة أخرى.

بعد هزيمة الدولة العثمانية من دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، منح الأكراد الحكم الذاتي، ولكن رفضه الأتراك وفي عهد أتاتورك ظهرت حركة تحرر وطني بقيادته تقاوم الاتفاقية، فوقعت حكومة إسطنبول اتفاقية «سيفر» لمنح الأكراد والأرمن حق الانفصال عن السلطنة بعد مرحلة انتقالية.

اُنتخب مصطفى كمال أتاتورك رئيساً للبرلمان في 1920 ورئيسا للجمهورية بعد ثلاثة أعوام، وهو الذي ألغى مصطفى من اسمه وحول «كمال» إلى «كامال» ليبتعد عن الاسم العربي لعنصرية ضد أي قومية غير تركية، وكان قد وعد الأكراد بالاستقلال إن ساندوه بالتخلص من الأعداء وتطهير البلاد وصدقوه لأنه كان يتكلم باسم الدين، ولكنه أنكر هويتهم وثقافتهم بعد إعلانه الجمهورية وإلغائه للخلافة العثمانية وما جاء بمعاهدة لوزان، وقسرياً تم تتريك الكرد وبالقبضة الأمنية وألغيت كل القوميات واللغات.

فاندلعت ثورة الشيخ سعيد بيران، 1925، بمساندة الأرمن والشركس والعرب والآشوريين وقمعت وأُعدم بيران ومن معه، واعترفت أنقرة، بناء على مذكرات جواهر لال نهرو، بخسائر تفوق المليون إنسان في صفوف الأكراد.

ثم جاءت انتفاضة جبل آغري بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا، 1930، وهو جنرال في الجيش العثماني وقُمعت أيضاً.

وفي 1937 انتفض الكرد العلويون في «ديرسم» وقمعوا بالطيران، وكانت ابنة أتاتورك بالتبني صبيحة غوكتشن أول قائدة طائرة في تركيا هي من قصف ديرسم بالقنابل، والنتيجة عشرات آلاف من القتلى ومئات آلاف من الجرحى والمهجرين الأكراد.

بعد رحيل أتاتورك استمر الحزب الحاكم، الشعب الجمهوري، في سياسات الأب الروحي لهم وبطل التحرير والوحدة كما يرونه، عدا دمج شكلي لأعيان الكرد والجماعات الدينية لمجموعاتهم البرلمانية، أي: استخدموا الأكراد ولم يخدموهم، ومع تكرار الانقلابات العسكرية وطغيان المحكمة الدستورية العليا دفاعاً عن الهوية العَلمانية لتركيا، تأسس بي كا كا 1978.

لقد كان مجرماً مصطلح «كردي» وبدلاً منه يطلقون عليهم «شعب شرق الأناضول»، وفي حكم توركت أوزال استخدم رسمياً كلمة الأكراد لوصف شعب تركيا من هذه القومية، وخفف حظر استخدامهم للغتهم في 1991.

وكانت نتائج الصراع بين الحكومة التركية والقومية الكردية: تدمير 3000 قرية كردية، تشريد ما يقارب نصف مليون كردي، سجن 15 عاماً لأول سيدة، ليلى زانا، برلمانية كردية بسبب ألقائها خطابا انفصاليا.

وجاء حزب العدالة والتنمية للسلطة، وفي 2011 اعتذر رجب طيب أردوغان باسم شعب تركيا على مذابح «ديرسم»، وبدأت حكومته في ملف المصالحة الوطنية وعملية السلام بتكليف هاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركي بالملف، وبدأت مفاوضات عبر حزب الشعوب الديموقراطي «الكردي» مع أوجلان، زعيم بي كا كا، في سجنه، لوقف العمليات ضد الدولة، والانخراط في المجتمع ونزع السلاح وتوسيع المشاركة السياسية.

ولأول مرة في تاريخ الدولة التركية، في عهد حكومة العدالة والتنمية ورئاسة أردوغان، يفوز حزب كردي (الشعوب) بتعدي عتبة 10% ليدخل البرلمان كحزب سياسي، نحن نتكلم عن 20% من سكان تركيا تبلغ 15 مليون نسمة، ويمثلون أغلبية في 15 ولاية تركية من 81، وليس من الإنسانية قبل الحنكة السياسية أن يُقصَوْا.

ففتحت القنوات التلفزيونية بالكردية، سمح بالحملات الإعلانية والانتخابات باللغة الكردية، وطرحت وزارة التعليم والتربية التركية مناهج اختيارية للدراسة باللغة الكردية في العام الدراسي الحالي، وصار للأكراد وزراء في الدولة، ويحكمون أنفسهم في مناطقهم عبر البلديات.

بالطبع التحول الشاسع في علاقة الدولة مع الأكراد في عهد أردوغان مقارنة بالعهد الذي قبله، يقدره العقلاء، بينما لا يمثل أهمية عند العنصريين والإرهابيين مغسولي الدماغ، فما زال منهم من يقاتل الدولة ومؤسساتها وينتظرها أن ترد بباقات التيوليب وتطبطب على خدٍ مطلي بحمرة دماء الجيش التركي أو الأبرياء من السكان في مناطق التوتر والتي تقطنها أغلبية كردية واختارها البعض ساحة للتغيير بالسلاح لا بالسياسة رغم أنف الشعب الكردي الباحث عن السلام وأكبر دليل تصويت 72% للعدالة والتنمية في ولاية بنغول، ذات الأغلبية الكردية، بينما لم يتعد 22% لمواطنيهم من حزب الشعوب الديموقراطي.

فماذا يريد الأكراد أفضل من دولة قوية اقتصادياً وسياسياً وحقوق مواطنة كاملة لتحتضنهم بعد أن وفىّ السياسيون بوعودهم تجاهم؟!

سؤال كبير تجيبه العقول التي تفهم معادلات المنطق، بينما المتحجرة التي تريد محاسبة الحاضر على الماضي، فليس لها إلا قول واحد: «سلاماً».

قمة العشرين، يتطلع إليها العالم من دول نامية وعالم ثالث وفقير وتحت خط الفقر والأمن، ويتمنى أن تخرج بقرارات ـ رغم عدم إلزاميتها ـ يتبنى السياسيون تنفيذها أخلاقياً، فهل رئاسة الإدارة التي تتبنى منهج السياسة الأخلاقية للقمة ستؤثر على مسارها ونتائجها وتسن بروتوكولاً يليق بالمرحلة التي تمر بها الإنسانية؟

وأخيراً، بين كل التحليلات والأحاديث الرسمية والمعلنة، إن أردنا أن نعرف حقيقة ما قيل بين زعيمين في مباحثات ثنائية شديدة السرية، علينا بمترجم كل طرف، غير ذلك فكل ما يقال مرتب ديبلوماسياً.

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس