خلود الخميس - العرب القطرية
دائماً تسعى الشعوب لإسقاط الحكومات الفاسدة، عدا في حالة تركيا فالإرث والبغض والتحزب والعناد يحرك المؤامرة لإسقاط أنجح حكومة جاءت إلى تركيا على الإطلاق. الحكومة التي سددت في عشرة أعوام تقريباً ديون 52 عاماً هي ميراث الحكومات السابقة، فماذا يريد الشعب التركي المعارض لحكومته الناجحة؟
استطلاع غير رسمي ولكنه واسع وعشوائي العينة؛ حيث كنتُ أسأل الناس في الشارع والأسواق والمساجد وكل مكان أذهب إليه باختلاف طبيعته ونوعية مرتاديه، وسأنقل لكم رأي المعارضين فقط؛ لأن المؤيدين ليسوا موضوع مقالنا هذا.
إنهم يطلقون على حزب العدالة والتنمية «حزب أردوغان» وهذه أول «شخصنة» وصفية سلبية.
لم يتجاوز معارضو أردوغان بعد أنه رغم أنه مؤسس العدالة والتنمية، فإنه لم يعد رئيساً للحزب وترقى لرئاسة البلاد. أي هو في موقع المسؤولية والتمثيل لكل الأحزاب السياسية ولكل أطياف المجتمع.
فترة الإنكار والصدمة ما زالتا مسيطرتين على العقليات التي كما أشرت في المقال أعلاه لديها أسباب متراكمة تسمى «unfinished business « مع أردوغان شخصياً.
هذا الموقف الشخصي يصرف النظر عن كل إنجازات حزبه بقيادته، أو إنجازات بلاده في رئاسته.
وبمثل نموذج تركيا نضرب الأمثال لشعوب تعيش حالة من الكفر بنعمة «الحكومة الصالحة» وهي من النوادر جداً في زمن بات ديدن حكامه سفك دماء مواطنيهم وبتأييد المنظمات الدولية وبغطاء سياسي من الحلفاء.
عداء غير منطقي يلبد سماء التجربة السياسية التركية بقيادة الإرث الأتاتوركي، ومباركة القوميين وبعض الأكراد أو (اليمين التركي والكردي). الادعاءات ذاتها مكررة وسأطرحها هنا كل ادعاء وتحته تفنيد له:
1 - يريدون الفوز لتمرير المشاريع الاقتصادية لأصحابهم.
وهذا الرأي لن أضيع مساحة المقال في الرد عليه، بحث بسيط في إنجازات حكومة تركيا في اثني عشر عاماً (منذ 2002) سيدحضه. وأزيد: إن الفساد المالي إن دخل حكومة أفقرها. فهل هذا واقع حكومة تركيا بإدارة العدالة والتنمية؟!
2 - يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية.
لا أعلم إن كان السماح بالخمور تطبيقاً للشريعة، أو الانفتاح السياحي على العالم كله عبر تقنين الدول التي تمنح شعوبها التأشيرات للدخول إلى تركيا، وتسهيلات التجارة للأجانب داخل تركيا عبر القوانين حتى صارت تركيا قبلة لمن شاء. الشريعة الإسلامية التي يقصدها متبنٍّ في الرأي هي تدين الحزب وأتباعه. وبالطبع أردوغان الذي يصلي الفجر في المسجد. هذا بالنسبة إليهم ما يقلق وهو تطبيق الشريعة. إذن لديهم قلق كبير من إدارة المتدين والملتزم بأحكام الشريعة للبلاد. والرد على هذا قول الله جل جلاله {إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} وهؤلاء هم المسلمون المصلون الصائمون الذين يحاربون الفائدة الربوية. سنة الله في الأرض أن ينصر من ينصره بالسعي لتطبيق أوامره وحكمه، ولن يغيرها رأي بشر.
3 - يريدون تقييد الحريات الشخصية للمواطن التركي.
بالطبع هناك مؤامرة ضد تركيا بإحداث الاضطرابات، وتم استغلال البعض من الشعب ومعروف أن أي سقوط لدولة لا يكون إلا بنخرها من الداخل؛ لذلك من الطبيعي أن تحفظ الحكومة الأمن ويكون هناك تحقيقات مع مشتبه بهم. والأحداث منذ «جيزي بارك» حتى اليوم تثبت ما نقول. وهذا الضبط الأمني لصالح الشعب لا ضده. وهو ما يسمونه حبس الحريات، بل هو سعي لتكريس الحريات الشخصية لئلا يخرج مواطن وأسرته ويعودون أشلاء بسبب انفلات أمني وإدارة البلاد بحسن الظن وقراءة النيات.
4 - يدعمون الإرهاب (لاحظ أيها القارئ أن البعض يرى أن حكومة العدالة والتنمية تدعم الإرهاب وهذا وصف جزافي لا عقلاني). إنهم يرددون أقوال الإعلام الغربي والغربي المعرّب. إنها البرمجة التي تحدثنا عنها مراراً وتكراراً وغسيل الأدمغة الذي تتعرض له الأمة قاطبة عبر إعلام صهيوني، وعربي متصهين، يبث ما يفرق ويؤدي للفتن ويحطم معنويات المسلمين.
5 - يردون على إنجازات الحكومة بأنها واجبهم وأدوه فلا ينتظرون منا تمجيدهم لذلك.
وقد بينت الاستطلاعات أن فئة الشباب (من 25 عاماً وأقل) التي تكرر هذا القول هي التي عاشت إنجازات حكومة العدالة والتنمية، بينما لم تعاصر الفساد الذي سبق؛ لذلك فالرد يكون بعرض دراسة مقارنة ليفهم الأطفال الذين كبروا واختبروا فترة الإصلاحات كيف كانت الدولة تغرق في الديون والفقر والتبعية والتهميش الدولي وحتى الماء كان حسرة على المواطن.
6 - يقولون حتى لو كانت الحكومة جيدة فنحن نحتاج التغيير.
الرد على هؤلاء أن ما يقولونه هو أحد أوصاف مرحلة «الرفاه السياسي» وهي أعلى مرتبة يمكن أن يصل لها شعب بعلاقته السياسية مع الحكومة والدولة. وبهذا فمأخذهم مديح لا قدح "لحزب أردوغان"!
وهنا يبرز سؤال مهم يتطلب رؤية وتحليل المنظرين السياسيين: هل بلغت تركيا مرحلة الرفاه السياسي (Political luxury).؟!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس