جلال سلمي - خاص ترك برس

في السلسلة السابقة؛ أعطينا مثال بسيط لحالات المد والجزر التي أصابت العلاقات التركية السعودية، في التاريخ القريب، حيث اختلف الطرفان في قضية دعم ومناهضة ثورات الربيع العربي، واستشهادًا بهذا المثال الذي يُثبت بأن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول حول العالم يمكن أن تزدهر أو يُصيبها الركود ولكن لا تتراخى بشكل كامل، وفي ضوء هذا الطرح سنتناول العلاقات السعودية التركية عبر التاريخ من خلال أسئلة البحث التالية؛ متى بدأت العلاقات المُشتركة بين الطرفين بشكل رسمي؟ كيف تطورت؟ متى كُتب لها الازدهار ومتى كُتب لها الهبوط؟ ماهي التوقعات المستقبلية المتعلقة بها؟

تعود الخلفية التاريخية لبداية العلاقات المتبادلة بين الطرفي السعودي والتركي إلى أربعينيات القرن الثامن عشر، حيث قبل السلطان العثماني محمود الأول سيطرة آل سعود، التي تعود أصولها إلى منطقة نجد والأدرعية، على منطقة الحجاز وسواحل نجد والبصرة، بقبول السلطان محمود الأول لهذه السيطرة تبدأ العلاقات الدبلوماسية بين الدولة العثمانية، سلف الجمهورية التركية، وبين المملكة السعودية الأولى، التي تأسست، عام 1744، على يد محمد بن سعود في محيط نجد والدرعية.

تعود الأصول النسبية لقبيلة أو عائلة سعود، حسب الشجرة النسبية، إلى جدهم الأول مانع بن ربيعة المريدي الذي تعود أصوله إلى الفرع العدناني العربي، وتُعد أصولهم النسَبية المُتجذرة، في منطقة الحجاز، هي من شجعت السلطان محمود الأول على توليتهم إدارة نجد ومحيطها وسواحلها، لارتباطهم التاريخي والجغرافي بها ولإلمامهم الواسع بكيفية فرض السيطرة والتحكم عليها وعلى سكانها.[1]

لكن محمد بن سعود لم يكن مُستعد للبقاء في محيطة منطقة نجد والدرعية فقط، بل كان على نية لتوسيع رقعة دولته الجغرافية بأكبر قدر ممكن، وبلا شك؛ يُعد الاتفاق، الذي جمع بين العالم الديني محمد عبد الوهاب وأمير المنطقة محمد بن سعود عام 1744، هو العنصر الجيوسياسي الرئيس الذي لعب دورًا كبيرًا في توسيع رقعة النفوذ السعودي في منطقة الجزيرة العربية.[2]

هذا الاتفاق الديني استقطب العديد من القبائل العربية المُقيمية، بالقرب من نجد، لمبايعة محمد بن سعود كأميرِ لهم، بعد اتساع الرقعة الجغرافية لمحمد بن سعود نتيجة للمذهب الديني، تحفز لزيادة مناطق نفوذه من خلال إعداد الجيش والعسكر واستخدامهم في عملية التمدد، انضمت بعض القبائل المُبايعة لمحمد بن سعود للجيش الذي أسسه، وحاول محمد بن سعود مهاجمة مكة والأحساء وبعض مناطق العراق، ولكنه لم ينجح في السيطرة على أي منطقة منها، لمواجهته لمقاومة عنيفة من القبائل العربية والجيش العثماني[3].

تُعد هذه المواجهات؛ أولى المواجهات الساخنة بين الدولة العثمانية والإمارة السعودية، وبسبب هذه المواجهات؛ طرأ أول انقطاع دبلوماسي على أواصر العلاقات الدبلوماسية السياسية بين الدولة العثمانية والإمارة السعودية، واستمر هذا الانقطاع لبرهة من الزمن.[4]

تسلم عبد العزيز بن محمد بن سعود سدة الحكم عام 1766، وبعد تسلمه لمقاليد الحكم، سعى للسير على خطى والده في توسيع الرقعة الجغرافية الخاضعة لحكم أل سعود، فخاض الحروب مع قبائل خالد في الكويت وبعض القبائل العربية المترامية في الطائف ومكة.[5]

كل هذه القبائل كانت تابعة لإدارة الدولة العثمانية، وبعد زيادة اعتداء آل سعود على هذه القبائل، زاد انزعاج الباب العالي من ذلك. ولكن على الرغم من امتعاض الدولة العثمانية من الحروب التوسعية، التي كان يخوضها آل سعود، إلا أنها لم تتحرك بشكل جدي وفوري لصد هذه الحرب.[6]

تقاعس الدولة العثمانية، فسح المجال لآل سعود لضم الطائف والكويت وغيرها من المناطق لسيطرتهم، أيقن السلطان العثماني، في ذلك الوقت، سليم الثالث بأن خطر التمدد العثماني بات محدق في مناطق الجزيرة العربية، لذا أمر الصدر الأعظم سليمان باشا، عام 1799، للتحرك السريع بالجيش العثماني تجاه مناطق القبائل العربية التابعة للدولة العثمانية [7].

وصل سليمان باشا بجيوشه إلى منطقة الجزيرة العربية، ولكن براعة جيش عبدالعزيز القبلي المُعتاد على حروب الصحراء جعلته يتفوق على جيش الدولة العثمانية، تفوق جيش آل سعود على جيش الدولة العثمانية جعل الأخيرة مُجبرة على الاعتراف بآل سعود وبتمددهم، وتم توقيع هدنة مشتركة بين الطرفين.[8]

المراجع:

[1] أيهان فيصل، العلاقات التركية السعودية من الماضي إلى المستقبل، الصفحة الرسمية لموقع مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 10 نوفمبر 2015، تاريخ الوصول 15 نوفمبر 2015.

[2] المصدر نفسه

[3] موقع زمزم السعودي، العلاقات السعودية التركية.. بدأت قبل 78 عاما ً والملك فيصل سجل أول زيارة، تاريخ النشر 12 نوفمبر 2015، تاريخ الوصول 22 نوفمبر 2015.

[4] المنصوري حميد، العلاقات التركية مع دول الخليج، موقع الاتحاد الإخباري، تاريخ الوصول 22 نوفمبر 2015.

[5] موقع زمزم السعودي، المصدر نفسه.

[6] المنصوري حميد، المصدر نفسه.

[7]أيهان فيصل، المصدر نفسه.

[8] المصدر نفسه

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس