جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد وصول سليمان باشا بجيوشه إلى منطقة الجزيرة العربية، لم يستطع تحقيق انتصار على آل سعود ولم يستطع إيقافهم، إذ أن براعة جيش عبدالعزيز القبلي المُعتاد على حروب الصحراء جعلته يتفوق على جيش الدولة العثمانية. تفوق جيش آل سعود على جيش الدولة العثمانية جعل الأخيرة مُجبرة على الاعتراف بآل سعود وبتمددهم، وتم توقيع هدنة مشتركة بين الطرفين.

بعد توقيع هذه الهدنة بدأت سمات التوتر تظهر بين الشيعة، في العراق، وآل سعود، في نجد والدرعية، وتعود رياح التوتر الشيعي "الإيراني" والوهابي "السعودي" القديم الجديد إلى ذلك التاريخ، حيث عَد آل سعود، في ذلك الوقت،  الشيعة والمذهب الشيعي، بقيادة إيران الصفوية، أكبر عدو لهم بعد قطع الشيعة لطريق تمددهم المتجهة نحو العراق وبعد قيام الشيعة بتنظيم الهجمات المُباغتة على مناطق السيطرة السعودية.

أثارت هذه الهجمات سخط أل سعود، فقد كانت بمثابة التهديد الجغرافي والمذهبي لهم، فقرر عبدالعزيز بن محمد اقتلاع الجذور الصفوية من العراق، بشكل كامل، وهاجم بجيش ضخم كربلاء، عام 1802، وقتل خلال حملته الهجومية هذه أكثر من ثلاثة آلاف شيعي، هذه الحملة الدموية أدت إلى حالة انزعاج شديد لدى كل من الدولة الصفوية في إيران والدولة العثمانية في إسطنبول.[1]

يعود السبب في حالة الانزعاج الشديد، التي تولدت لدى الدولة العثمانية إثر الحملة الدموية لعبد العزيز بن سعود على كربلاء، إلى عدم رغبة الدولة العثمانية، التي كانت تُعاني من حالة وهن ملحوظ في ذلك الوقت، من تجدد حالة الاحتراب بينها وبين الدول الصفوية "إيران" من جديد.[2]

ولكن في ذلك الوقت الذي كانت تُعاني منه الدولة العثمانية من ضعف سياسي واقتصادي كانت الدولة الصفوية أيضًا تعاني من حالة ضعف ملموسة، الأمر الذي جعل الدولة العثمانية وآل سعود يسلمان من حرب صفوية شديدة كانت مُتوقعة عقب مقتل أكثر من ثلاث آلاف شيعي.[3]

وهن الدولة الصفوية جعلها تثأر من عبدالعزيز بدفع أحد الشيعة لقتله بعد مرور عام على المجزرة التي ارتكبها، تولى الحكم بعد عبدالعزيز ابنه سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود. سار سعود على درب أجداده وهدف إلى توسيع حدود سيطرة آل سعود فضم، عام 1807، البصرة والمدينة ومكة وبذلك تكون الإدارة العثمانية الفعلية لمنطقة الحجاز تكون قد انتهت بالفعل، بعد ذلك التاريخ؛ اتسمت الإدارة العثمانية على منطقة الحجاز فقط بتقديم الدعم المادي لمكة.[4]

اتمام آل سعود السيطرة الكاملة على بلاد الحجاز دفع الدولة العثمانية لاتخاذ بعض التدابير السياسية والعسكرية لاسترجاع سيطرتها على بلاد الحجاز وإيقاف التقدم السياسي والعسكري والمذهبي لآل السعود، ومن التدابير التي قامت الدولة العثمانية باتخاذها؛ الاتفاق مع والي مصر محمد علي باشا للإنطلاق نحو بلاد الحجاز وتحجيم التمدد السعودي في المنطقة.[5]

في إطار هذا الاتفاق أرسل محمد علي باشا جيشه صوب بلاد الحجاز بقيادة ابنه طوسون باشا في مارس 1811، استطاع طوسون باشا، في بادئ الأمر، السيطرة على مكة والمدينة، واستمر في حملته العسكرية إلى عام 1818 حيث استطاع خلال هذه الفترة الوصول إلى الدرعية معقل أل سعود وعاصمتهم، وبهذه الحملة العسكرية تكون الدولة السعودية الأولى قد سقطت وانتهت.[6]

بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، سعى تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، في عام 1820، لإعادة بناء ركائز الدولة السعودية من جديد في نجد ولكن لم يستطع تحقيق ذلك، بسبب الوجود العسكري القوي لجيش محمد علي باشا ذو القبضة القوية الضاربة في منطقة الحجاز ومحيطها.[7]

غاب حكم آل سعود للحجاز لمدة 20 عامًا، وفي أربعينيات القرن التاسع عشر عاد آل سعود لتولي سدة الحكم في نجد. وفي تلك الحقبة الزمنية؛ انقلاب جيش محمد علي باشا على الدولة العثمانية والدخول معها في حرب مصيرية وصل من خلالها جيش محمد علي باشا إلى مشارف العاصمة العثمانية "إسطنبول" جعل الدولة العثمانية تقبل بحكم أل سعود على نجد، وخصص السلطان العثماني ميزانية سنوية خاصة لآل سعود في نجد.[8]

كما قبل آل السعود تسلم الحكم، في نجد، تحت مظلة الدولة العثمانية، ووجدوها فرصة للحصول على اتفاق مشترك بينها وبين الدولة العثمانية يجعلها قادرة على التصدي للحملات العسكرية التي كانت تُنظم من قبل محمد علي باشا وأبنائه للقضاء على حكمهم في بلاد الحجاز.[9]

قبل قبول آل سعود الدخول تحت مظلة الحكم العثماني؛ هدف تركي بن فيصل، عام 1924، إلى تأسيس دولة سعودية مُستقلة تكون عاصمتها الرياض، ولكن لم يحالفه الحظ في تحقيق هدفه المنشود، بسبب الخلافات العائلية الداخلية المُلتحمة التي كانت مسيطرة على العائلة السعودية في تلك الفترة.[10]

خرج فيصل بن تركي من النزاعات الداخلية كزعيم لدولة آل سعود وقبل، عام 1848، بأن أصبح واليًا سعوديًا عثماني على منطقة نجد ومحيطها، بعد العلاقات الطيبة التي جمعت بين الدولة العثمانية وآل سعود، في عهد فيصل بن تركي، أودعت الدولة العثمانية حكم البحرين وقطر القبائل القاسمية، والإمارات العربية المتحدة في وقتنا الحالي، إلى فيصل وخصصت له ميزانية سنوية وجيشًا قويًا ليتمكن من فرض السيطرة القوية على المنطقة وعشائرها.[11]

لم يلتزم فيصل بن تركي وابنه عبدالله بن فيصل، الذي تولى الحكم بعد هزيمة أخيه عبدالرحمن، بالاتفاقيات المُبرمة بينهما وبين الدولة العثمانية، حيث حاولوا فرض سيطرتهم السياسية على بغداد وسواحل البصرة وحاربوا الجيش العثماني المرابط على ثغور تلك المناطق أكثر من مرة وكرة، هذه الهجمات المتكررة زاد من قلق السلطان العثماني، في تلك الفترة، عبدالعزيز، فأمر، عام 1871، والي بغداد مدحت باشا الاستعداد بجيش مُحكم لصد الهجمات السعودية غير المُلتزمة بالمعاهدات وتعطيل الخطط الإنجليزية في السيطرة على خليج البصرة.[12]

المراجع:

[1] أيهان فيصل، العلاقات التركية السعودية من الماضي إلى المستقبل، الصفحة الرسمية لموقع مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 10 نوفمبر 2015، تاريخ الوصول 15 نوفمبر 2015.

[2] موقع زمزم السعودي، العلاقات السعودية التركية.. بدأت قبل 78 عاما ً والملك فيصل سجل أول زيارة، تاريخ النشر 12 نوفمبر 2015، تاريخ الوصول 22 نوفمبر 2015.

[3] المنصوري حميد، العلاقات التركية مع دول الخليج، موقع الاتحاد الإخباري، تاريخ الوصول 22 نوفمبر 2015.

[4] المصدر نفسه.

[5]  وزارة الخارجية التركية، العلاقات التركية السعودية السياسية، تاريخ الوصول 23 نوفمبر 2015.

[6] المصدر نفسه.

[7] المنصوري حميد، المصدر نفسه.

[8] دبلومات أطلس، العلاقات التركية السعودية، تاريخ الوصول 24 نوفمبر 2015.

[9] المصدر نفسه.

[10] أيهان فيصل، المصدر نفسه.

[11] أحمد حلبي، العلاقات السعودية التركية ـ مابين الماضي والحاضر، خلق للدراسات، تاريخ الوصول 24 نوفمبر 2015.

[12] المصدر نفسه.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس