غاري كاسباروف - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد ثلاثة أيام من هجمات باريس المنظمة التي راح ضحيتها حوالي 129 شخصًا على الأقل، وإظهار زيف تأكيدات الرئيس الأمريكي "أوباما" بأنه تم كبح جماح "الدولة الإسلامية".

اعتلى الرئيس "أوباما" المنصة خلال قمة العشرين في أنطاليا ليعرب عن تضامنه بشدة مع فرنسا، وتأيده للرد العسكري على "الدولة الإسلامية"، إلا أنه لم يُظهر أي تغير في سياسته، وبعبارة أخرى أمريكا تواصل سياسة أوباما بالقيادة من الصفوف الخلفية.

جاءت تصريحات أوباما في تركيا عقب جلسة نقاش ارتجالية مع الدكتاتور الروسي "فلاديمير بوتين" الذي أرسل القوات والمعدات العسكرية الروسية إلى سوريا من أجل دعم نظام "بشار الأسد"، وإنتاج البروباغاندا اللازمة في روسيا من أجل الحرب الجديدة. اقتراح جديد يكتسب زخمًا في الأيام الأخيرة بعد الصورة التي جمعت أوباما وبوتين.

تعاون الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي مع بوتين ضد "الدولة الإسلامية" يثير السخرية على العديد من المستويات، لعل أكثرها وضوحًا أن القوات الروسية ليست في سوريا من أجل محاربة تنظيم الدولة!.

وحتى بعد وفاة 224 شخصًا معظمهم من السياح بحادثة تحطم طائرة ايرباص a321 في مصر في 31 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، العملية التي يكاد يكون من المؤكد أن تنظيم الدولة يقف وراءها، لا يزال بوتين مصرًا على هدفه.

بوتين في سوريا من أجل مساعدة إيران والأسد في تدمير أي بدائل شرعية للوضع الراهن!.

ما هو الوضع الراهن؟ الوضع الراهن هو أن نظام الأسد وحلفاءه يمسكون بزمام السلطة بالقوة.

يرغب الكرملين أيضًا بالحفاظ على تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، إذ أن أزمة اللاجئين مفيدة للسيد بوتين لسببين، أولًا فهي تصرف انتباه الاتحاد الأوروبي عن استمرار الحملة العسكرية ضده في أوكرانيا.

كما أن تدفق اللاجئين سيعزز حظوظ الأحزاب الأوربية اليمينية المتطرفة، والتي تتبنى علنًا موقف السيد بوتين، كما أن هذا سيزيد من الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل رفع العقوبات ضد روسيا، خصوصًا إذا كان أحد منفذي الأعمال الإرهابية في باريس تسلل مع اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وهذا بدوره سيدعم دعاية بوتين.

يبدو أن الرئيس أوباما وزعماء غربيين آخرين يخوضون محاولة يائسة لتسوية النزاع في سوريا.

ينبغي أن نضع في عين الاعتبار أن عدو عدوك قد يكون عدوك أيضًا.

بالنسبة للولايات المتحدة، والتحالف الغربي مع إيران، وروسيا بوتين ونظام الأسد هو غير أخلاقي، وكارثة استراتيجية لا ضرورة لها، والفجور في مثل هذا التحالف يبدو واضحًا إذ تصنف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي سوريا وإيران دولتين راعيتين للإرهاب.

الحجة التي تثبت ذلك تستشهد بحادثة من الحرب العالمية الثانية، حين انضم الحلفاء لستالين من أجل هزيمة هتلر، إلا أن المقارنة هنا غير ملائمة لسببين، أولًا أن حلف شمال الأطلسي لا يحتاج لمساعدة بوتين أو إيران لهزيمة تنظيم الدولة، ببساطة حلف شمال الأطلسي يحتاج إلى العزيمة فقط من أجل القيام بذلك!

ثانيًا هذا التحالف يقوض الجهود، إذ نرى الولايات المتحدة تتعاون مع الأسد وإيران الشيعية التي تسيطر على بغداد في الواقع، كل هذا من شأنه أن يعزز من إقناع السنة في المنطقة بأن خيارهم الوحيد هو اللجوء إلى تنظيم الدولة لحماية أنفسهم.

على الأمريكيين إدراك أهمية التعاون مع السنة على جانبي الحدود العراقية السورية.

في عام 2007م نجحت الحملة العسكرية ضد تنظيم القاعدة في العراق بفضل حماية وتجنيد العشائر السنية من أجل محاربة الإسلاميين المتطرفين، لذا فقد كان قرار إدارة أوباما الانسحاب من العراق وترك السنة تحت سطوة حكومة شيعية معادية (تسيطر عليها طهران) قرارًا متسرعًا خلق ظروفًا مواتية لظهور الدولة الإسلامية.

حتى مع تصعيد فرنسا لحملة قصفها لمواقع الدولة الإسلامية في سوريا، ومع تعهد الولايات المتحدة بتكثيف جهودها، إلا أن الحقيقة تقول إن من المستحيل كسب القلوب والعقول من ارتفاع 10000 متر!

مشكلة الغارات الجوية لا تكمن فقط في حصد أرواح بريئة، ولكن هي أيضًا ليست طريقة لحماية أي شخص، فشعوب سوريا والعراق بحاجة إلى الحماية والاستقرار الذي بدوره سيقطع المصدر الرئيسي الجاذب للمجندين لدى التنظيم.

كما أن هذه الضربات الجوية التي تزهق أرواح أبرياء (بعض الأرواح البريئة) تشجع المزيد من الأشخاص على الانضمام لتنظيم الدولة، وفي نفس الوقت ستزيد من عدد اللاجئين، وبتدمير البنية التحتية ستكون عودة هؤلاء اللاجئين أمر غير مرجح!

أوباما والعديد من الزعماء الغربيين يرفضون اليوم بشكل قاطع إمكانية تدخل بري جديد في المنطقة، ومع ذلك فقد بات من الواضح أن أي استراتيجية فعالة لإطفاء الحريق في الشرق الأوسط يجب أن تتضمن هذه التدابير الجذرية.

أي تحرك سيكون لا يشمل هجوما بريا يقوده حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة سيكون ضمانًا لاستمرار الفشل في مواجهة تنظيم الدولة، وسيؤدي إلى المزيد من الهجمات الإرهابية في الغرب، فمن غير الأخلاقي مواصلة التضحية بالمدنيين في سوريا، والغرب عوضًا عن إرسال الجنود إلى الخطوط الأمامية لقتال الإرهابيين.

إعادة الاستقرار في المنطقة، وحماية السكان المدنيين من فظائع الإرهابيين والدكتاتورية الوحشية هو السبيل الوحيد المتبقي من أجل عودة ملايين اللاجئين الذين خلفتهم الحرب الأهلية السورية.

ينبغي علينا أن ندعم هؤلاء الناس حالًا، لا أن نستمر بمشاهدتهم يُذبحون ويستعبدون من بعيد! ولا أن نتذكرهم فقط حين يصل الإرهاب إلى عواصمنا، حيث يرتبط مصيرنا معهم!

التعبير الصادق عن التضامن، والصلاة مع الشموع لن تتوقف ما لم يتم إيقاف الإرهاب، لذا يجب تحويل النوايا الحسنة إلى عمل على أرض الواقع.

الدفاع عن قضية خاسرة

العالم اليوم بات صغيرا جدا، والتهديدات كبيرة، الحل الوحيد هو في مواجهة المشكلة من جذورها، إذ لا يمكن أن تكون هناك حرية، ومساواة، وإخاء دون أمان!

عن الكاتب

غاري كاسباروف

مدير مؤسسة حقوق الإنسان في نيويورك وبطل العالم في الشطرنج سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس