د. سمير صالحة - خاص ترك برس

لماذا تغامر حكومة العدالة والتنمية التركية التي تعرف أنها تتحمل مسؤولية قيادة دولة علمانية غالبية سكانها من المسلمين لكن مواثيق وعقود استراتيجية تاريخية تربطها مع الغرب على هذا النحو للالتحاق بحلف إقليمي جديد دوله من المسلمين السنة؟

هل السبب هو الرد على حلف "شيعي" أراده البعض في المنطقة لتأجيج الصراعات والنزاعات ومحاولة المساومة مع القوى الكبرى باسم شعوب المنطقة على أنه الورقة الرابحة التي يمكن التفاهم معها عند رسم الخرائط الجديدة؟

ربما "سنية" تركيا هي التي تتقدم هذه المرة عندما شعرت أن "شيعية" البعض تلوح بقدرتها على بناء تفاهم وعقد صفقة تاريخية مع روسيا وواشنطن وتل أبيب مقابل تربعها على عرش القيادة الاقليمية . التحالف الاسلامي العسكري الجديد الذي شكل في المملكة العربية السعودية ويضم 34 دولة عربية وإسلامية ضد الإرهاب بمختلف اشكاله والذي علم انه لن يتردد في المشاركة بعمليات برية عند اللزوم في مناطق تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية مثل سوريا والعراق وليبيا سيكون الدور الأكبر فيها لتركيا والسعودية ومصر والاردن ، وذلك بالتنسيق مع قوات التحالف الغربي لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي ستتولى دعم العمليات البرية بدعم جوي واستخباراتي، ساعدنا ولو متاخرين في فهم بعض الاسباب الخفية للتواجد العسكري التركي في العراق اولا واسباب الاعتراض والرفض والتصلب العراقي والايراني والروسي حول المواقف والتحركات التركية ثانيا .

بسرعة البرق تحددت اهداف ومعالم التحرك الجديد لمجموعة الدول الاسلامية هذه بتنسيق سعودي كشف النقاب عن وجود استراتيجية وخطة تمّ اعتمادها لأجل مكافحة الأفكار المؤدية إلى الإرهاب ونجح في جمع الاتراك والمصريين تحت سقف واحد ربما لكنه سيفرض عليهم التنسيق العسكري واللوجستي في المرحلة المقبلة في اطار هذه الحرب المشتركة . الا يعني ذلك فتح صفحة جديدة من العلاقات بين القاهرة وانقرة وسط تكتم سعودي في الحراك بهذا الخصوص بصبر وروية حتى اليوم ؟

ايران لم تتغيب هي لم تدع لكن المتغيبين لا بد ان يسارعوا الالتحاق بهذا التكتل مثل الجزائر وسلطنة عمان خصوصا بعد الشجاعة المميزة التي ابدتها الحكومة اللبنانية في تحديد موقفها وخيارها وسط كل الصعوبات ولعبة التوازنات الداخلية هناك .

المشهد كما نتابعه من انقرة هو انه في طليعة مهام التحالف البحث عن سبل الاسراع في تشكيل قوات تدخل عسكرية في اطار خطط الحرب على الارهاب، لكنّ الاهداف الاستراتيجية البعيدة المدى سيكون بينها تبادل الخبرات والتنسيق الأمني واللوجستي وتبادل المعلومات في مكافحة الإرهاب. وان غرفة عمليات مشتركة مقرها الرياض كما هو معلن لكن القيدة ستكون مشتركة من قبل الدول الاعضاء التي سترسل خيرة ضباطها للمشاركة في العمليات القتالية والتجهيز والتنسيق . وانه سيتم تقديم الدعم المادي أو العسكري أو الأمني أو الجانب المعلوماتي والاستخباراتي لضمان نجاح التحالف في تحقيق أهدافه.

طهران غاضبة وموسكو قلقة وتريد معرفة التفاصيل حول هذا التكتل الذي رحبت به واشنطن والعديد من العواصم الغربية وبغداد نسيت تقريبا ازمتها مع انقرة بعدما بدات التفاصيل والمواقف الجديدة تظهر الى العلن حول هذا التحالف مخافة ان يكون ايضا حلقة من الرد على الحلف الرباعي الروسي الإيراني العراقي السوري.

مركز الثقل الفكري والنظري في التحرك كان ان بين الاهداف الرئيسية الانطلاق استنادا الى  تعاليم الشريعة الاسلامية وأحكامها التي تحرم الارهاب بكل صوره واشكاله، وتعتبره جريمة وحشية وإنتهاكاً خطيراً لكرامة الانسان، وثانياً في إعلانه الحرب الشاملة عسكرياً وفكرياً وإعلامياً على الارهاب الذي لا يتوقف عند "داعش" بل يشمل كل التنظيمات الإرهابية وسحب البساط من تحت داعش التي تذرعت لسنوات انها تخوض حربا على أميركا والغرب  واعوانهم . وبسبب هذا الفراغ الدولي والإقليمي قررت هذه المجموعة التحرك ضد من يسمون أنفسهم مسلمين، ومقاتلة جماعات تسمي نفسها دولة إسلامية، ، ولم يعد ضررها يقتصر على مناطق تواجدها فقط ..

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، قال إن اتخاذ البلدان الإسلامية موقفاً موحداً ضد الإرهاب يعد "أقوى جواب يوجه للساعين نحو ربط الإرهاب بالإسلام"، وان تركيا مستعدة للمساهمة بما في وسعها في حال ترتيب اجتماع لمكافحة الإرهاب بغض النظر عن الجهة المنظمة، ونعتبر هذه الجهود بين البلدان الإسلامية خطوات صحيحة.

المهم الان بالنسبة لتركيا ان لا يكون التحرك العسكري وقرار الحرب على الارهاب غطاء لاي مشروع تفتيتي في المنطقة باتجاه تغيير الحدود والخرائط كما تريد طهران والنظام السوري وروسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وقطع الطريق على مشاريع التقسيم في العراق وسوريا وهي التي تعني انقرة مباشرة . وان يكون لقاء المعارضة السورية الاخير في الرياض ايضا الرد الاقوى المستكمل بخطوة اقليمية ثانية من هذا النوع تتصدى لخطط التفتيت والتجزئة في المنطقة .التحالف الجديد بالنسبة لتركيا لا خيار امامه سوى الرد على مقولة ان ما يجري سيكون تحرك الرد على مشروع تكريس الانقسامات  الطائفية في المنطقة التي تعد لرسم الحدود الجغرافية الجديدة لسايكس بيكو اخر.

القراءة التركية هي ان القيادة السعودية الجديدة تتحرك حسب الديناميات والتحولات الاقليمية والدولية الجديدة لذلك هي تطلق اليوم مسارا جديدا في التعامل مع ملف الازمة السورية في مؤتمر تختار بدقة من تدعو اليه وتقود رؤية مغايرة في الحرب على الارهاب عندما شعرت ان هذه المسالة تتحول الى ورقة مذهبية عرقية بيد البعض تهدد الهوية الدينية لشعوب المنطقة ودولها وتتحول الى نواة لتكتل عربي اسلامي شعر انه لا بد من استرداد ما هو له وانتزعه البعض بسبب الغياب او الاهمال او المساومة على مصالح المنطقة وخياراتها ففعل ما فعل في اليمن ولبنان والعراق .

قناعة انقرة هي ان الرياض التي شعرت بتغير الحلفاء والتحالفات تحركت للاسراع في اطلاق هذه المبادرة وتحديد اهدافها بدقة وعناية وترك الابواب مشرعة امام الراغبين بشرط القبول ببيان الانطلاق والتاسيس بصدق وامانة .

انقرة ارادت ان تكون الى جانب المملكة في لحظة التاسيس والاعلان عن توحد هذا التكتل البشري والجغرافي والاقتصادي ليس ليكون بديلا او ينتزع دورا من احد بل لقطع الطريق على من يصر بالامساك والتلويح بما هو ليس له وليس من حقه فيحاول المساومة على خراط المنطقة وخيراتها وبنيتها وتركيبتها والاستقواء بحلفاء ارادوا ان يحولوه الى منصة انطلاق لتطلعاتهم الاقليمية الجديدة .

التكتل الجديد لن يكن العداء لاحد لكنه لن يتهاون ولن يهادن مع من يحاول ان يفتح الابواب امام المساس بالجغرافية والحدود والتاريخ في اطار تحالفات جديدة يدفع شعوب المنطقة ثمنها . ايران تنفتح على موسكو وواشنطن وتل ابيب هذا خيارها هي لكنها لا يمكن ان تساوم على خطط التغيير والتحول الاقليمي متلطية وراء اصدقائها الجدد من شيوعيين  قدماء ومحتلين وانتهازيين .

المملكة ارادت ان تكون انقرة جنبا الى جنب في صورة واحدة مع القاهرة ودبي في هذا اللقاء الاقليمي والقيادة التركية لن تفرط بذلك طالما انها فرصة قد تتحول الى خطوة عاجلة نحو الحوار الصريح والصادق باتجاه ازالة الرواسب واسباب التباعد .

بقدر ما تترك تركيا علمانيتها جانبا وهي تلتحق بهذا التكتل الفرصة بقدر ما على الاخرين ايضا ان يتركوا خياراتهم القومية والعرقية جانبا من اجل تحقيق اهداف وتطلعات هذا التحالف التاريخي الذي لا بد ان يتحول الى منظومة دائمة بهيكيلية فاعلة واجهزة تنسيق والية عمل ومراقبة لا تفوت مثل هذه الفرص التي نبحث عنها جميعا .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس