مليح ألتنوك - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

تسببت الأخبار المتعلقة بالاتفاقية الإسرائيلية التركية بمناقشات ساخنة خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي، في هذه السجالات نجد تأكيدات على حصول هذه الاتفاقية الجديدة وحتى نشر لأدق تفاصيل هذه الاتفاقية على حسابات تويتر وحدوث مناقشات ساخنة في قسم التعليقات عليها وكل ذلك دون أي مصادر تذكر.

في الأمس حصلنا على التوضيح المرتقب من رئيس الوزراء، حيث أفاد بأن الاتفاقية الجديدة لم تتضح معالمها المادية ولم تكتب على شكل نص ليتم توقيعها بعد، وإنما لا زالت على شكل اجتماعات ولقاءات، وبعدم توفر هذا التوقيع على نسخة مادية من الاتفاقية لا يمكن الحديث عن إنهاء النقاش الدائر بين الطرفين ولو أعلن أحد الأطراف توصله لحل وسط للاتفاقية!

من أقوى التعليقات التي تجاوزت الحد تلك التي نسمعها تقول: "لقد باع أردوغان فلسطين"، الغريب بالموضوع أن مثل هذه التعليقات الزور نسمعها من أولئك الذين وقفوا بجانب إسرائيل في أثناء التوتر القائم بين تركيا وإسرائيل أو إبان الاعتداءات المستمرة من إسرائيل على الفلسطينيين. ولا شك أن على رأس هؤلاء فتح الله غولن ورفاق دربه الذين وصفوا إسرائيل بأنها "الدولة المحبوبة في الجنوب".

هؤلاء الذين لا يمكن لغريب عن الوسط الإعلامي أن يصدق بأنهم قالوا بعد أحداث سفينة مرمرة: "لا مجال لعصيان النظام والسلطة" ليدافعوا بذلك عن القاتل لا القتيل.

ولا غريب أن هؤلاء هم ذاتهم الذين يحاولون اليوم أن يشوهوا صورة الجمعيات الأهلية والتي تسعى لخدمة الشعوب المقهورة مثل مؤسسة الإغاثة الإنسانية "إي ها ها" (IHH) ولا يتوانوا عن وضع صور مراكز الجمعية تحت الأخبار التي تتحدث عن عمليات داعش الإرهابية، وهم كذلك الذين وصفت نشراتهم الإخبارية الفلسطينيين الذين قصفتهم الطائرات بأنهم "الأهداف الإرهابية".

مجموعة أخرى كشفت عن معاني الصهيونية الخفية في جوهرها، هم اليساريون الذين تخلوا عن دعمهم للحق وللقضية الفلسطيينة يوم دفن دينيز غزمش. فاليوم نرى أولئك الذين لم يدعموا رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان يوم قال لا للإمبريالية ونعم لنصرة المظلومين   في مؤتمر دافوس حين صدح قائلا: "دقيقة واحدة"، نراهم وكأنهم أصبحوا جنود وعساكر في كتائب حماس! حتى أن هناك أحاديث عن أن قناة "فوكس" (FOX) التابعة لمردوخ في تركيا تفكر أن تعلن الحداد على القضية الفلسطينية وتنزل الشارة السوداء حدادًا (ابتسامة).

معكم حق، ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟ هذه الجماعة التي طالبت بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي بأحداث غيزي بارك، هذه الجماعات التي ترجح أن تقف مع إيران، وروسيا، وحزب العمال الكردستاني وحزب جبهة التحرر الشعبي الثوري دون تفرقة أو تمييز لتعمل ضد مصالحة الوطن.

هناك كذلك جماعات مسلمة وتجمعات محافظة قد صدقت هذه المعلومات دون تحري مصادرها، هذه الجماعات التي أولت القضية الفلسطينية وطوال الوقت أهمية كبرى يجب على الحكومة أن تلتفت إلى تعليقاتهم وانتقادتهم الأخوية والصميمية بدقة ووعي. لكن ليس من الصواب مناقشة هذا الموضوع مع من لا يتوانى أن يختلق الأكاذيب ولا يتوانى أن يمزج الحق بالباطل في مواضيع  مثل الجرائم الإسرائيلية، وترجيحات الشعب الفلسطيني الدينية والسياسية وحتى إظهار "عدم التمدن" إذا دعت الحاجة لأن يثبت أنه على حق.

 مما لا شك فيه أن استخدام الدولة لإمكانياتها الدبلوماسية في سبيل العلاقات مع الدول الأخرى حق مشروع. إلى جانب ما ذكرنا، لنترك الحديث عن اتفاقيات دبلوماسية لعشرات الأعوام، فالاوضاع الراهنة تجعل من خطط دبلوماسية خارجية ولعدة شهور فقط "ترف"!

وبالتالي، لا مانع بتاتا من عقد اللقاءات وتوقيع الاتفاقيات مع إسرائيل بما يضمن مصلحة تركيا والشعب الفلسطيني. بالمحصلة اتصال نتنياهوا بأردوغان واعتذاره من تركيا ما هو إلا ثمرة من ثمار السياسة التي اتبعتها أنقرة في تلك الفترة مع إسرائيل والولايات المتحدة في ذلك الوقت.

على كل حال، من ينتظر من أردوغان الذي أقدم على تضحية كبيرة يوم قال: "دقيقة واحدة" في وجه إسرائيل، وقلب السياسة التركية الخارجية رأسا على عقب، أن يقدم على أي خطوة فيها ضرر للشعب الفلسطيني، فسوف ينتظر طويلا طويلا. وعلى أولئك الذين انبروا لقلب المحاور والاتجاهات التي تتبعها الحكومة الحالية، وعلى رأسها طيب أردوغان أحد الرموز في القضية الفلسطينية، عليهم أن يقضوا وقتا أسرع في مسح تغريداتهم على تويتر.

عن الكاتب

مليح ألتنوك

كاتب صحفي في صحيفة ديلي صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس