ماهر كايناك - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

تشير العديد من الدلائل إلى أن خارطة المنطقة التي رسمتها إنجلترا بنفسها في الماضي، ستتغير في هذه المرحلة، لكننا لا نعلم كيف سيكون هذا التغيير. تفكيرنا الخاطئ تجاه هذه المسألة قد يقودنا إلى نتائج خاطئة، فنحن نعتقد أن الدولة لا تعيش إلا بقوتها، ولن تختفي إلا إذا هزمت خلال حرب. لكن من خلال نظرة أخرى، تستطيع اليوم الدول القوية المتحكمة في العالم، من مقارعة الدول الأخرى القوية بشعبها وجيشها، من خلال إيجاد تنظيم أو منظمة تقاتل وتصارع هذه الدول. نحن بالعادة نقيس قوة أي دولة بقوة جيشها وجنودها وسلاحها، بينما أصبح ذلك مختلفا في السنوات الأخيرة، فاليوم نرى أن تنظيما مثل داعش، سيقاتل أقوى قوة عسكرية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحنا نرى هذا الموضوع بصورة طبيعية، وحتى نتناقش لمن ستكون الغلبة.

***

علينا أن لا نعتقد أن داعش سيهزم بسهولة أمام أعتى قوة على وجه الأرض وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وعلينا أيضا أن لا نستبعد احتمال تأسيس دولة لداعش على الأراضي التي سيطر عليها. قد يعتقد المواطنون أن الأمور تسير بذلك الاتجاه، وأن القضاء على داعش سيتم بسهولة وبالتالي سيستمر الأمن في بلادهم، لكن الأحداث قد تسير عكس ذلك. داعش يبحث اليوم عن حليف ليساعده في الحرب ضد أمريكا، وربما نكون نحن أيضا داخل هذه الحرب. لكن هذا لا يعني أن داعش بحاجة إلى جنود وعساكر. وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى وجود حلفاء في المنطقة مستعدون لقبول خريطة الشرق الأوسط الجديدة. ولنفهم المعادلة بأبعادها ونتائجها الحقيقية علينا معرفة  القوى العظمى التي ستلعب هذه الأدوار في المنطقة.

إذا تكوّنت دولة لداعش، فهذا سيربط العراق وإيران بالبحر الأبيض المتوسط. وربما سيكون هذا سببا في تقارب العراق وإيران. وهكذا تصبح إيران قائدة المنطقة، بما يحقق أهداف كل من الصين وأوروبا. وعلى النقيض، تريد كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أن تكون تركيا هي قائدة هذه المنطقة. لكن، أن نفهم هذه المعادلة على أساس الود والصداقة والمحبة، فهذا شيء خاطئ. هذه الرؤية تثبت أن تركيا قوة سياسية حقيقية، ومن الطبيعي أن تكون هناك اعتراضات داخلية على  ذلك. هذه الاعتراضات من أسبابها، مناقشة التغيير في المنطقة، وأسباب أخرى عاطفية، وربما أساسها كلها الاعتراض على الحُكم القائم نفسه. فتاريخنا مليء بمثل هذه الأمور، ففي ماضينا لم يكن الاعتراض على السياسة، إنما على الحُكم القائم، وكل هذه الاعتراضات كان أساسها العاطفة وليس السياسة، فبدل أن تقوم أحزابنا السياسية بتحليل التطورات العالمية، وتحليل الأنظمة العالمية، وتكوين مشاريع سياسية مختلفة، بدلا من ذلك تكتفي بانتقاد الحزب الحاكم على أخطائه أولا بأول.

***

علينا أن ندرك تماما أن تركيا ضمن الأهداف المخفية للتطورات الهامة التي تحدث بالقرب منا. ويجب على الحزب الحاكم والمعارضة إدراك ذلك، وربما عليهم العمل سويا من أجل مواجهة هذا الخطر. فهناك احتمال قائم ووارد باستخدام الأكراد في الصراع الجاري بالقرب من حدودنا، وهذا بلا شك سيؤثر علينا بصورة مباشرة. وإذا قيّمنا المخططات السياسية للدول العظمى في هذه المرحلة بصورة صحيحة، سنستطيع حينذاك تنفيذ سياسة واضحة صحيحة بدلا من التصرفات العاطفية التي ستقودنا إلى خسارة عظيمة كما في الماضي. وعلى المعارضة تحديدا أن تتخلى عن تفكيرها العقيم بأن العالم سيتغيّر بتغيّر شخص واحد، وعليها أن تنظر إلى الموضوع بجدية وتمارس معارضة سياسية حقيقية وإيجابية. والآن يتطلب الوضع منها النظر إلى الخارج بدلا من الاهتمام بالداخل فقط. فإذا كانت المسائل الداخلية مجرد مسائل عاطفية، فإن الوضع في الخارج مسألة حياة أو موت.

 

عن الكاتب

ماهر كايناك

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس