محمود عثمان - خاص ترك برس

أعلن نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو عن استعداد أمريكا لحل عسكري في سورية في حال فشل الحل السياسي،  وقال بايدن إنه ناقش مع المسؤولين الأتراك سبل دعم أنقرة للعرب السنة في سورية!. تصريحات بايدن تزامنت مع تصريحات أخرى موازية بنفس السياق لوزير خارجيته جون كيري أطلقها الأخير من الرياض انتقد فيها دور إيران وحزب الله اللبناني، وطمأن دول الخليج بوقوف أمريكا بجانبها ضد أي عدوان خارجي.

القراءة الأولية لتصريحات المسؤولين الأمريكيين تشير إلى سعي الدبلوماسية الأمريكية لإرضاء المحور السعودي التركي من جهة، ومحاولة تليين الموقف التركي الصلب تجاه مشاركة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي بقيادة صالح مسلم في محادثات جنيف المزمع عقدها بين نظام الأسد والمعارضة السورية، والتي تواجه عقبات كبيرة تهدد انعقادها أساسًا، وذلك بسبب كثرة الأطراف واختلاف الأجندات وتضارب الأهداف.

فبينما يتجه الروس إلى الحسم العسكري باتباع سياسة الأرض المحروقة عن طريق استهداف المدارس والمساجد والبيوت وتجمعات المدنيين بشكل رئيسي في محاولة لتركيع المعارضة وجعلها ترضخ للشروط الروسية، فتذهب إلى المفاوضات تحت سقف تحدده موسكو، يسعى الطرف الأمريكي إلى جر الجميع نحو المسار السياسي التفاوضي حتى لو لم يأت بنتيجة!. إذ يبدو الأمريكان هم الطرف الوحيد من بين الأطراف الفاعلة على الساحة السورية الذي يصر على السير قدما في مسار التفاوض، ويضغط على المبعوث الأممي ديمستورا من أجل تفعيله، رغم علم الجميع بأنها لن تكون مقاوضات بل مجرد محادثات ولقاءات.

تريد إدارة الرئيس أوباما التي دخلت في مرحلة (مود) الانتخابات الأمريكية أن تظهر أمام الناخب الأمريكي بأنها نجحت في الملف النووي الإيراني، من خلال ثني إيران عن امتلاك التكنولوجيا النووية التي تمكنها من إنتاج السلاح النووي بتأجيل هذا الملف عشر سنوات على الأقل، ثم وضع الملف السوري في مسار التفاوض، والحرب على تنظيم داعش، كل ذلك دون التضحية بجندي أمريكي واحد.

يتلخص المشهد السوري حاليًا في سعي الروس للحسم العسكري وخصوصا في منطقة الساحل، تصاحب ذلك محاولة من حزب الاتحاد الديمقراطي للسيطرة على ريف حلب الشمالي بكامله والامتداد نحو عفرين. في المقابل يلوح الطرف التركي بدخول جرابلس في حال تمكنت مليشيات صالح مسلم من مد نطاق سيطرتها من عين العرب/ كوباني إلى عفرين. يصاحب ذلك انحسار لقوات حزب الله اللبناني والمليشيات التابعة لإيران وانسحابها من جميع المناطق التي أعلنها الروس أنها مناطق نفوذ لهم نحو ريف دمشق الغربي، بينما تشهد الجبهة الجنوبية حراكا عسكريا نشطًا لمحور قريب من الجارتين الجنوبيتين.

أما الروس فلديهم هدف واحد هو القضاء على المعارضة السورية عسكريا وتركيعها على الطريقة الشيشانية، وهم لا يملكون أي مشروع سياسي، لكن معطيات الميدان تشير إلى أنهم ما يزالون بعيدين عن تحقيق أهدافهم رغم مرور أربعة أشهر على تدخلهم العسكري المباشر، بل تشير التقارير الميدانية إلى أن كتائب الجيش الحر تمكنت في اليومين الأخيرين من تحقيق تقدم ملحوظ على جبهة الساحل، وهذا يفسر حالة الهيستريا لدى الروس، والتي تدفعهم إلى مزيد من سفك الدماء باستهداف المدنيين السوريين.

يدرك الجميع أن الروس لن يأتوا لطاولة المفاوضات، ولن يدخلوا في المسار السياسي دون "حالة إيلام" تضطرهم لذلك، كإسقاط طائرة أو أكثر من طائراتهم الحربية بيد الجيش الحر على سبيل المثال، أو عملية نوعية تعتمد على سلاح تكنولوجي متطور، وهذا لا يتأتى إلا من خلال رفع الفيتو الأمريكي عن حصول المعارضة السورية على أسلحة مضادة للطيران. فهل هذا ما قصده نانب الرئيس الأمريكي جو بايدن؟!.

إشكالية التصريحات الأمريكية أنها لم تعد تحظ بالحد الأدنى من المصداقية والجدية، بداية من خطوط أوباما الحمراء بخصوص السلاح الكيماوي، وليس انتهاء بتصريحات وزير خارجيته جون كيري التي يطلقها هنا وهناك، وبات ينطبق عليها مقولة "كلام الليل يمحوه النهار". لكن علينا ألا ننسى بأن أمريكا لا تزال هي القوة العظمى الوحيدة التي تمتلك كمًا غير محدود من الوسائل والسيناريوهات.

هناك مسعى أمريكي واضح باتجاهين:

الأول: جلب الروس إلى عملية سياسية.

الثاني: وقف إطلاق للنار.

الروس لا يرفضون المسار السياسي كلية، لكنهم يريدونه من خلال صفقة دولية بأثمان استراتيجية، وليس محليًا كما يهدف الأمريكان. والروس يريدون ثمنا استرتيجيا في مناطق أخرى ليست سورية، لكن الأمريكان يبدون ما بين لابتيها غير مستعدين لدفع أي ثمن استراتيجي من أجل سورية، إذ لا تشكل سورية وأزمتها بالنسبة لهم أهمية استراتيجية تذكر، حيث لم ترد كلمة سورية ولا مرة واحدة على لسان أوباما في خطابه الاتحادي الأخير!.

بين توحش الروس وتمنع الأمريكان يتلمس السوري الضحية بصيص أمل يمنّيه بأن ليس كل من عليها وحوشاً ضارية.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس