جلال سلمي - خاص ترك برس

لسوء حظ الشعب السوري الحر، أن بلاده لا تحتضن بين ثراها كميات النفط الهائلة التي جعلت من الثورة الليبية لدى المحافل الدولية "ذات الازدواجية المعيارية" قضية إنسانية عاجلة تستدعي التدخل السريع، للقضاء على "وحشية" نظام القذافي وجرائمه.

عانى الشعب السوري الكثير من الويلات في ظل حكم آل الأسد لسورية، والذي بدأ عام 1971 وما زال مستمر إلى يومنا هذا، وما كان هدف الشعب السوري من الانتفاض في أيار/ مايو 2011، إلا نيل الحرية والكرامة وغيرها من الحقوق "الطبيعية" التي فقدها تحت مظلة حكم آل الأسد الحديدية الدموية.

تأمل الشعب السوري، عقب انطلاقه في ثورته، في تدخل دولي عسكري سريع، يُنهي بطش النظام وضيمه، على غرار تدخله العسكري في ليبيا، ولكن نظرة عناصر النظام الدولي "البراغماتية" البحتة حالت دون تحقيق آماله، وطوحت طموحاته في نيل الحرية، وجعلت منه شعبًا مشردًا يسيح في أرجاء المعمورة هنا وهناك.

بعد التأزم الملحوظ الذي أصيبت به الثورة السورية، أضحى من الصعب إطلاق اسم الثورة الشعبية عليها، بل أصبحت ساحة لحرب دولية إقليمية، تسعى بعض الأطراف الدولية والإقليمية إلى فرض مصالحها بها، مستخدمين كافة وسائل العنجهية والغطرسة ومتغاضين تمامًا عن مصالح الشعب السوري، مثل روسيا وإيران، ويسعى الطرف الدولي الأكبر إلى إطالة لهيب الحرب المشتعلة في سورية، إلى أطول فترة زمنية يمكنها استنزاف كافة القدرات العسكرية للأطراف المتنازعة وإضعافها أمامها وأمام ابنتها المدللة "إسرائيل"، وهذا الطرف هو الولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى بعض الأطراف الإقليمية إلى مساندة الثورة السورية وإيصالها إلى بر الأمان، لإنهاء معاناة الشعب السوري والمحافظة على وحدة أراضيه أمام الخطط التقسيمية الخطيرة المحيطة بمستقبلها، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر.

ولوحظ منذ انطلاق الثورة السورية وحتى الأسبوع المنصرم، أن هذه الأطراف تريد مساندة الثورة السورية ووقاية المنطقة من المخاطر الاستراتيجية التي يمكن أن تغير خرائطها وتنقلب بالنتائج العكسية على مصالح كافة دول المنطقة، بأقل الخسائر الممكنة، إذ اقتصروا على دعم الثورة السورية بالأسلحة الخفيفة التي لا تُغني ولا تسمن من جوع أمام الترسانة العسكرية الشرسة لنظام الأسد وروسيا التي أعقبته في ممارسة الجرائم بعد تدخلها جوًّا وبرًا.

يخبرنا التاريخ ونظريات القوة السلوكية السياسية، أن الدولة التي تُريد إثبات نفسها على أنها دولة قوية إقليميًّا أو دوليًّا، يجب عليها التمتع بالإرادة والعزيمة والمثابرة والنفس الطويل قبل التمتع بالترسانة العسكرية، فبدون إرادة تبقى الترسانة عديمة الفائدة، مثل الفلاح الذي يمتلك كافة الآلات التكنولوجية للزراعة، ولكن لا يستخدمها، بل يُعطي منها بعض القطع الهزيلة إلى بعض الأفراد، ويظل نائمًا في مرقده ينتظر الثمار اليانعة، هل يمكن لهذا الفلاح أن يجني الثمار الزهية؟، الإجابة لا طبعًا، وهكذا كان حال تركيا والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الإقليمية التي تقاعست وانتظرت جني الثمار اليانعة من خلال الثوار السوريين.

لاحظت الدول الإقليمية حجم الخسائر الهائلة التي مُنيت بها نتيجة لتقاعسها، فبدأت السبت الماضي، 13 شباط/ فبراير 2016، بالتحرك لإنقاذ الموقف، حيث قامت تركيا باستهداف بعض عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي، وقدمت الطائرات السعودية إلى قاعدة "إنجيرليك" التركية، استعدادًا للشروع في الحرب ضد "داعش" وبعض المنظمات الإرهابية الأخرى.

وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار، هل ستنجح تركيا والمملكة العربية السعودية في حسم النتيجة لصالحهما في سورية؟

الإجابة على هذا السؤال هي "من زرع حصد ومن جد وجد"، نجاح تركيا والمملكة العربية السعودية في حسم النتيجة لصالحهما في سورية مرهون بدرجة الإرادة والعزم وطول النفس والمثابرة والإصرار وروح التحدي وروح العمل المشترك لديهما.

تزخر تركيا والمملكة العربية السعودية بعدة ميزات تجعل تفوقها على العناصر الأخرى في سورية ممكنًا، أهم هذه الميزات:

ـ البعد الجغرافي: تُعد تركيا والسعودية أقرب إلى سورية أكثر من روسيا والولايات المُتحدة الأمريكية" الداعم الأساسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا ما يشكل ميزة جغرافية إيجابية في مسألة التحرك العسكري والإمداد اللوجستي أثناء تحركهم في سورية، كما أن الثوار السوريين المدعومين من قبل تركيا والسعودية، على علم بالخصائص الجغرافية للمناطق التي يقاتلون بها أكثر من جنود الجيش الروسي وحتى أكثر من جنود النظام السوري.

ـ البعد المعلوماتي: تعد سورية منطقة مألوفة معلوماتيًا واستخباريًا لتركيا والسعودية أكثر من غيرها من العناصر الأخرى، وذلك نظرًا للبعدين الجغرافي السياسي والثقافي المشترك بين تركيا ـ المملكة العربية السعودية وسورية.

ـ البطاقة الأوروبية: يعاني الاتحاد الأوروبي اليوم من التدفق الضخم للاجئين، ويسعى جاهدًا لإيقاف هذا التدفق من خلال التعاون مع تركيا، وهذا ما يعطي الأخيرة فرصة للضغط على الاتحاد الأوروبي لدعم تركيا دبلوماسيًا وإعلاميًا وحتى ماديًا أثناء تحركها في سورية، أملًا في إيقاف موجات اللاجئين التي تتسبب بها روسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي، وبهذا الصدد يجدر على تركيا استخدام تلك البطاقة جيدًا.

استخدام هذه الأبعاد ونجاح الطرفان في سورية منوط بقدر العزيمة التي يتحلون بها، وقدر العزيمة المطلوبة لا يمكن قياسه بأداة حسابية معينة، بل يمكن ملاحظته من خلال الوتيرة التي تسير عليها التحركات العسكرية المرتقبة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس