د. سماح هدايا - خاص ترك برس

النظام العالمي يتغيّر، وما تم إنجازه في القرن الماضي والعقود الأخيرة، مهدّد بالزوال بحكم التغيير التاريخي ونزاعات الهيمنة والسيادة. الحرب في سوريا مجرد مرحلة ولم تعد محصورة بسوريا وما حولها، بل أصبحت صراعا دوليا. هي معركة روسيا والغرب ضد سوريا ومعركة بين روسيا والغرب.

الحرب الناجحة إلى جانب العسكرة هي مال وعقل وسياسة. الواقع يفرض على قوى المعارضة والثورة تطوير تفكيرها وتغيير الذهنية التي تعالج فيها الأمور لمواجهة الحرب الشرسة ضد الشعب السوري، ووضع استراتيجية طويلة تبني فيها التفاهمات والشراكات والحلفاء،  وتستخدم التكتيكات المناسبة لاستيعاب ما ينجم عن  تطورات  الحرب الدولية على الارهاب في سوريا، وما تخلفه من نزاعات؛ خصوصا، أن تقسيم سوريا وتفتيتها سيكون من نتائجه نزاعات عالمية وانقسامات سياسية وجغرافية...

لكسب الحرب لا يكفي أن يكون المحارب نبيلا صاحب حق وشرعيّة؛ فالفوز يدعمه إدارة سياسية وإرادة دولية. وما يجري تدواله من قبل المعارضة والثورة لتسويغ بطلان الحرب على الإرهاب  في سوريا ومناشدة النظام الدولي ومنظوماته الرسمية لإيقاف الحرب الظالمة التي يشنها النظام الأسدي وروسيا وإيران على الشعب السوري لا يجدي نفعا بهذه الأدبيات، فمهما استعملنا من أدلة وإثباتات لدحض الوجهة الناقصة والقاصرة لهذه الحرب الدوليّة تبقى النتيجة رهن أصحاب النفوذ في المجتمع الدولي.

الإرهاب جريمة، لكن، ما نفع أن نقول أن الإرهاب جريمة ونكافحه، ما دام هناك من يشرعن بقاءه ويقويه ويدعم حاضنه الأساسي؟.

نظام بشار الأسد مع إيران وروسيا ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهكوا قوانين دولية؛ فهل من قوة دولية ردعتهم؟

تنظيم داعش إرهابي، وقد حارب السوريين بوحشية. لكن ما عاد يكفي معه تحميل المسؤولية لمن أوجده ومكّنه ووسع له في الأرض؛ فالأجدى خلق آليات عمل لتقويض أهداف وجوده الدموي المتمثلة في تسويغ محاربة الثوار وقوى الثورة والمعارضة وإيجاد  قواعد عمل تخريبية تدعم مصالح أنظمة إقليمية وعالمية؛ لإجهاض مبادرات المشروع التحرري العربي النهضوي، خصوصا حين يجري قتله في هويته العقائديّة، بتنميط دين وتعميم الإرهاب والوحشية عليه ضمن مخطط  لإبقاء  السيطرة الاستعمارية وتسويغ كسر رؤوس من يشقون الطاعة على الطغاة بحجة محاربة الإرهاب.

وحين يتزامن  نفوذ داعش مع  عدوان متسع لجماعات كردية  معيّنة ذات صبغة عنصرية عصبوية، أسهمت الأنظمة نفسها، في تقويتها وتحريكها، لتمزيق سوريا  بمحاربة الإرهاب والدفاع عن حقوق الأقليات؛ فلا يكفي التوصيف بالتآمر والوحشية والظلم وانتهاك حقوق الإنسان، بل البدء بالعمل المدروس على مواجهة  سياسية فكرية منهجيّة متماسكة جريئة، تتصدّى لهذا العقل السياسي العدواني القائم على الهيمنة والتدمير.

المنظومة الإقليمية والدولية ما زالت حتى الآن في ردها العلني على كل ما يقوم به النظام وحلفاؤه من جرائم واختراق للقانون الدولي وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إما حذرة وباردة، اومخدّرة أو مشلولة، أو متفقة معه... فتخبط أمريكا وغموضها، يزيد من الفوضى، ولا قوة تردع روسيا التي تمارس بطيرانها سياسة الأرض المحروقة في سوريا،  توازيا مع دعم إيراني عسكري عبر ميليشيات طائفيّة، ومع تقدم المجموعات الكردية الإرهابية وتنظيم داعش.

تركيا وروسيا تحاولان عبر العلاقات الدولية والحوار واستخدام القوانين الدولية العمل، لكن ذلك لا ينفع مع وجود منظومة منع، ومع مواقف رفض للتدخل في سوريا. تركيا والسعودية متضررتان جدا من هذه الحرب التي تهدد وحدة تركيا وأمنها وتهدد بقاء السعودية متماسكة، وكقوة إقليمية مؤثرة،  لذلك جاء التحالف التركي السعودي لدعم المعارضة وضد بقاء نظام الأسد الذي جرّ الويلات على المنطقة.

لكن التحالف، ما زال،  قاصرا ميدانيا على تغيير مجريات المعركة بسبب القيود الدولية والمخاطر الإقليمية في التورط بحرب كبرى تدميرية.

الوضع متأزم جدا، وكان يمكن حل هذا النزاع، مبكرا لو بدأت الحرب على الإرهاب في سوريا بإسقاط نظام بشار ومنظومة حكمه الاستبدادي وميليشياته الطائفية المختلفة، ومن ضمنها داعش وقوى الفاشية الكردية. بدل محاربة الشعب السوري، وتوصيف نضاله بالإرهاب نتيجة داعش. الشعب السوري يقدم الضحايا بالملايين، وهو ليس مجموعات إرهابية، وإن كان ظهر منه تطرف وتشدد فتلك ردة فعل على ما جرى ويجري بحقه من مجازر فظيعة.

لن يجدي للفوز بالحرب أن تقنع العالم بشرعية قضيتك، فالقوة والهيبة أشد تأثيرا في مسار الحروب من صواب الحق  وحجة المنطق وشرعية المبدأ. لذلك لا بد من مراجعة مكامن القوة على الأرض وإعادة تشكيلها لتكون مجدية. أما بناء الهيبة؛ فيكون بعمق العقلية السياسية ونضجها وحيويتها مع ثباتها على أسس وطنية وثقافية. الغرب يلجم أي تدخل عسكري ضد منظومة الأسد، خوفا من تصاعد قوة الثورة التي قد تغيّر في معادلات المنطقة، وخشية من حرب شاملة؛ فيتوارى وراء الحلول السياسية؛ مقابل روسيا التي تعرقل كل حل سياسي لا يفرض شروطها، وتعمل على تأزيم الصراع مع الغرب والضغط بشدّة على تركيا. الواضح أن الحرب على سوريا تتوسّع وقد تزيد في ساحة النزاعات، وقد تتطور نتيجة تهور غير محسوب إلى حرب عالمية تتصادم فيها الأمم والدول على نحو أوسع وأشمل؛ لكنّ الصورة غير مكتملة فلا يمكن الحكم على الأمر بسهولة. فمن الصعب تخيل العالم بدقة في المستقبل رغم كل ما يقال عن تقسيم واتساع الحرب. فنحن قادرون، فقط، على أن نرى العالم وفق ومعطيات واقعنا المحدود والمعلومات التي بحوزتنا. وكل شيء في النهاية متحيز لمنظور ما أكثر من أن يكون حياديا. وضمن حالة الفوضى القائمة والغش في نقل المعلومات حتى من قبل وسائل إعلامية كبرى كانت تعد ذات مصداقية، يصعب معرفة اليقين والتنبؤ الدقيق.

ومع ذلك فقوى الثورة السورية والمعارضة، رغم كل هذا الألم والظلم والخسائر، ملزمة بالسعي وراء تحقيق أهداف الشعب السوري وطموحاته منعا للانهيار والسقوط. الإرادة الفاعلة، ستغير حتما في الواقع؛ فما يحدث هو كارثة إنسانية بحق  الشعب، والمنظومة الدولية تسهم بنصيب كبير فيها. وهذا الفراغ لمرجعية سيادية على الأرض، مع الحجم الكبير من القتل والتدمير، سيؤدي إلى هيمنة تنظيمات ذات صبغة دينية وقومية متشددة  قد تسهم في تعميق العنف والصراع والفوضى، وتكون مادة دسمة لصناعة الإرهاب.

المعارضون والثوار السوريون أخطؤوا منذ البداية عندما عملوا بوحي أنّ لدى أمريكا والغرب خط عمل واضح  لدعم الثورة السورية وإسقاط نظام بشار وقرأوا التصريحات الغربية والأمريكية المتناقضة خارج سياق التاريخ والواقع والمنظورات السياسية. أمريكا لديها استراتجيتها، وكذلك الغرب الذي يسير في ركبها و وروسيا أيضا، لا يعنيهم  دعم بشار أو اسقاطه إلا بقدر ما يخدم ذلك النظام استراتجياتهم ومصالحهم وخطوط سياساتهم.

الكل يحارب الآن في سوربا بالوكالة ولأهداف خاصة، وهجمة حضارية شديدة، لذلك لا يمكن للعمل السياسي السوري النجاح من دون رؤية تاريخية واستشفاف أصيل وبناء مقاومة شاملة واقامة خطة متوازنة غير تقليدية تأخذ بعين الاعتبار رؤى القوى الإقليمية والمواقف الدولية وخلفياتها، وتشرك النخب المختلفة في صناعة القرار والعمل ضمن تشاركية في خط سياسي داخلي وخارجي واضح المعالم متفق عليه،  لقطع الطريق على روسيا والنظام والعالم الذي يستغل كل قوى الإرهاب لضرب الثورة وتفتيت المنطقة، ولا يمكن بالمقابل

إنجاز هذا الخط من دون توحيد الفصائل في جيش وطني يرفع راية وطنية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس