د. سماح هدايا - خاص ترك برس

العالم يتجه نحو مزيد من التطرّف والحرب والعنف. اجتماعات وتحالفات دولية لمحاربة الإرهاب ومؤتمرات. والإرهاب يعيث خرابا في سوريا قبل أي مكان آخر بأيدي نظام الأسد ورعاية روسيا وإيران. أما ربط الإرهاب بمقاومة الشعب السوري؛ فهو جزء من تزوير العالم للحقائق والكيل بالمكيال الذي يناسب سياسة الهيمنة التي يمارسها القوي المتغطرس في قهر الضعيف لتطويعه وسلبه ونهبه، وقد خبر  العرب هذه السياسة عبر عقود في فلسطين والجزائر والعراق واليمن وسوريا...

ما يحصل في حرب الموت السوريّة جزء من معركة بين دول كبرى وأذرعتها العسكرية والاستخباراتية. وقد كشفت معارك الشمال السوري الأخيرة، وما رافقها من تبادل أدوار بين النظام وداعش والقوى الكردية العسكريّة، مع استمرار القصف الروسي وزحف عصابات إيران، بوضوح أن التحالفات ضد الإرهاب هي نفسها تحالفات الإرهاب؛ فالذين جاؤوا ليسندوا نظام الأسد في حرب الإبادة والتطهير ويستفيدوا، هم، أيضا، الذين يتشدقون بحرب الإرهاب ويشنون حملات عسكرية باسم محاربة الإرهاب. ولم يعد من مجال لتجميل جرائمهم بحرب نبيلة ضد الإرهاب؛ فهم المجرمون وصانعو الإرهاب.

الصراع  الدولي يتأجج عالميا، وتحصد سوريا كثيرا من تفاعلاته، ويستمر  خلط الأوراق؛ فالصراع الدولي لا يتوقف إلا لتحقيق مكاسب، ولو كان ذلك على جماجم البشر الأبرياء. هو صراع الإرادات للغلبة والتسلط. تبدو روسيا أنها تتحكّم بالمشهد، لكنّ الأصح أنّ العالم  اتفق على هذا المشهد وصمت على القتل، فروسيا ليست بهذا الحجم العظيم الذي تروّج له خطاباتها ومواقفها، ليست بدولة عظمى اقتصاديا وفكريا وسياسيا، لا تملك سوى القوة العسكرية الباطشة؛ ولديها مشاكل وكثير شعبها  فقير مستعبد ذليل تائه وراء لقمة العيش. لكن النظام الروسي الدكتاتوري يلعب بامتياز على عواطف شعبه وعلى المطامع الصهيونية في المنطقة ويستغلّها، ويستفيد من المطامع الإيرانية ومن انشغال أمريكا في مشاكلها السياسية الداخليّة. لكنّ أمريكا قد لا تستمر بتجنب المعركة؛ فتبدأ حربا؛ لأنّ الإمبراطويات الكبرى لا تعتزل بسهولة ولا تنكفئ على ذاتها وتترك خصومها يتحكون بها، حتى لو قبلت هي؛ فلن يقبل خصمها إلا بانهيارها وسيجرها لمعركة... إنه سباق التدمير.

الواضح أن مواقف القوى الدوليّة، على الرغم من تباينها، مجتمعة على إنهاك الشعب السوري بالحرب خشية خطر الثورة على مصالحهم، فلم تردع نظام بشار، وبعضها دعم الميليشييات المذهبيّة والإرهابيّة لتفتيت الطاقات وهدر القوة الوطنيّة. حالة الإنهاك لدى الشعب السوري كبيرة، كذلك فقدان الثقة بالنصر وبالعالم بعد ست سنوات من حرب شرسة  طويلة منذ اندلاع ثورته؛ لكن، بالمقابل تتسع ذهنية المقاومة لحرب النظام وحلفائه، وتشتد إرادة الشعب السوري بعد كثير خسائره، في رفض الخضوع والاستسلام، خصوصا مع تعمق الإحساس بالظلم. فالشعوب مهما خسرت أقوى وأدوم بنفسها النضالي الطويل... وبالتالي فالواقع العسكري الإيراني الروسي الأسدي مهدد بالزوال؛ فالسوريون خرجوا ضد الاستبداد، وقدموا ثمنا كبيرا. ولم يعد هناك مجال لقبول أنظمة احتلال واستبداد في سوريا. لكنها مسألة وقت وحرب. أما خديعة الحلول السياسية التي تلتف على إرادة الشعب عبر مؤتمرات ومفاوضات من أستانة لجنيف؛ فلم تعد مقنعة أيضا واستهلكت كل التضليل. أحيانا، لا يكفي السلاح العسكري لتكون قوة عظمى تصنع تأثيرا ساسيا وحضاريا.  فالقوة، بلا شرعيّة، ضعف، كذلك لا تكفي نبالة القضيّة؛ لأنّ العقل والشرعية بلا قوة يضيعان... لذلك فالحل الإخضاعي على الطريقة الروسية وبحسب التصور الإيراني وبالرؤية الصهيونية، وعلى رغبة الأسد لن ينفع؛ لأنّ هؤلاء لا يريدون حلا سياسيا حقيقيا، بل استسلام الثورة والمعارضة والإذعان للطغيان والاحتلال. ولا مفر أمام الشعب السوري من استمرار النضال لهدفه التحرري النبيل.

إذا كان العالم قد توعّد وما زال يتوعّد السوريين بالإبادة والمحارق وتهديد كل من يخرج على منظومة استكباره بورقة الإرهاب والتحايل على الحقيقة بها؛ فينبغي التفكير برؤية جديدة حرّة مسؤولة، متكاملة الأبعاد والمستويات،. وينبغي إعداد خطط عمل غير واهمة، لإفشال ما يحاك من استعباد وإذلال، كذلك ينبغي بناء التحالفات السليمة التي لا تقوم على الولاء الذليل. فالسير في الحل السياسي وحده، وبلا تخطيط استراتيجي واضح، يتقاطع مع الإذلال والإخضاع، ويزيد في هدر الدم  السوري. خصوصا أن النظام يستمر في بطشه مستغلا  مجمل ظروف لصالحه: دعم روسيا، وميوعة الموقف الأمريكي الذي لا يرى في رحيل نظام بشار الأسد الدموي أولوية، ولم يقدّم حلا للخروج من الحرب، بل شعارات مضللة، وحربا هشة على الإرهاب. بالإضافة إلى أن الموقفين الروسي والإيراني راسخان في دعمه وتعميق الكارثة في سوريا، وتركيا في معارك الشمال السوري مقيدة بشروط روسيا وأمريكيا؛ كما أن التحالف التركي الروسي لناحية حل سياسي  ضعيف. والنظام العربي عاجز عن حل الأزمة السورية، وعقله لا يستطيع تمثيل الوعي العربي التحرري، وقد أثبتت القمة الأخيرة ذلك. ولذلك فإمكانية نجاح الحل السياسي بهذا الشكل المتداول خداع ووهم؛ فهو بمثابة دعوة للاستسلام والإذعان.

الأنظمة المستبدة والمعتدية تقف عائقا أمام حرية الشعوب. وتخترع المكائد وتشن الحروب لكي تحافظ على بقائها وتسلّطها، لكنْ هناك ثورات في العالم العربي وخارجه. وهناك تغيير. لا يمكن الوقوف ضده، مهما جرى تعويقه وإعاقته... الثورة السورية، جزء من حراك عربي سياسي ضد الاستبداد. وإن بدا أن الإذلال والذبج والقتل الذي ينتهجه النظام وإيران وروسيا، لا يمكن مواجهته إلا بالكفاح المسلّح، فإنّ حربا أخرى أهم، وهي حرب الذات لبناء الثقة والوحدة وتحديد موقف فكري عصري نهضوي يتجاوز الجهل السياسي والشعارات المزيفة التي تحكمت بالعقول لعقود طويلة. وسينتصر الشعب السوري إذا استمر بالمقاومة وأحسن الأداء السياسي بالتوحّد والسير على مرجعيّة جامعة ورؤية مشتركة، حتى  يغيّر المعادلات داخليا وخارجيا، ويستفيد من صراعات المصالح الدوليّة المتصاعدة لتحقيق هدفه.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس