رامي الجندي - خاص ترك برس

تتسارع تطورات الأحداث في الأزمة السورية بشكل دراماتيكي وبتعقيد كبير وربما على غير المتوقع؛ وسط صمت من المجتمع الدولي بل يتعدى ذلك إلى تآمر على شعب ينادي بخلاصه من قاتله منذ ست سنوات؛ عانى خلالها من أبشع عمليات القتل والتعذيب؛ ودمار لا يوصف في المدن السورية لم يحصل ربما في الحرب العالمية الثانية؛ حيث نفسها موسكو التي شاركت في دمار برلين تشارك اليوم في دمار سوريا راقصة على جراحها وشامتتة بما آلت إليه ثورة السوريين.

لكن ثمة مَن يعاني بدرجات أقل من تبعات الثورة السورية ومآلاتها الحالية؛ وآخرون أشد قُربًا جغرافيًا وإنسانيًا وأشد معاناة وتضررًا من نظام مجرم؛ فتركيا التي تمتلك أكبر جزء من حدودها مع سورية البالغة حوالي 822 كم والأطول مع جيرانها الثمانية؛ تتحمل ومنذ انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس عام 2011 استمرار نزوح الآلاف من اللاجئين إلى حدودها عبورًا من أراضيها إلى أوروبا بالإضافة إلى إيواء أكثر من مليونيين ونصف المليون لاجئ سوري على الأرض التركية حسب تقديرات رسمية تركية.

تنادي تركيا منذ عام 2012 وتعمل ما بوسعها من أجل إقامة منطقة آمنة على حدودها مع سوريا تمتد بعمق 10 كيلومتر بعد أن كانت الفكرة اﻷولى بعمق 50 كيلومتر قبل أربع سنوات؛ لكن أسبابًا عدة حالت دون إتمام ذلك؛ حتى تأزمت الأوضاع الإنسانية أكثر وتدخلت روسيا عسكريًا في سوريا أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي.

هناك خلط مفاهيمي حول تعريف المنطقة الآمنة والتي تسعى إلى إنشائها تركيا حيث تختلف عن المنطقة العازلة؛ إذ تتفق المنطقتان في ضرورة إصدار مجلس الأمن قرارًا بفرضهما؛ كما يتطلبان فرض حظر جوي بالإضافة إلى تواجد قوات برية في هذه المنطقة.

أما اختلاف المنطقة الآمنة، أن مجلس الأمن يكلف دولة أو أكثر بإنشائها وتنفيذها بالقوة بناء على توصيات من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ويتضح من ذلك أن الهدف منها هو توفير الحماية والمساعدات الإنسانية اللازمة للمدنيين والنازحين عبر ممرات آمنة؛ وهو تمامًا ما تطالب به تركيا وكذلك المعارضة السورية من المجتمع الدولي منذ وقت مبكر من عمر الثورة السورية.

لكن السؤال لماذا تريد أنقرة منطقة آمنة؟ تعتبر إقامة المنطقة الآمنة في حال إقامتها في شمال سوريا؛ ملاذًا آمنًا لآلاف النازحين السوريين الفارين من قصف الطيران الروسي للمناطق المدنية وحصار قوات نظام الأسد ومليشيات حلفائه في طهران وحزب الله للمدن السورية وخاصة حلب حاليًا؛ كما يعمل على التقليل من حجم النزوح إلى الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا؛ التي تشهد اختلافًا في الرؤى حول آلية التعاطي واستقبال اللاجئين السوريين الفارين إليها؛ في الوقت الذي تعتزم بعض دول الاتحاد الأوروبي كالسويد مثلا طرد من وصلها من اللاجئين؛ وعزم أخرى مصادرة أملاكهم ومقتنياتهم التي وصلوا بها.

كما أنه ومن خلال هذه المنطقة؛ يمكن للحكومة السورية المؤقتة افتتاح مكاتب تمثيلية لها فيها؛ بما يعني تواجداً لها على الأرض السورية فعليًا وحديقة خلفية للثوار والدعم العسكري ودعمًا لوجستيًا لمنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات الإغاثة الإنسانية؛ بالإضافة إلى وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في تقديم المساعدة والحماية للمدنيين المقيمين فيها.

لكن ما يحول حتى الآن دون إنشاء هذه المنطقة حتى من طرف تركيا وحدها؛ هو عدم التوافق في الساحة الدولية على إنشائها؛ كما أنها تتطلب حماية من قوات تابعة للأمم المتحدة أو من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب "تنظيم داعش" بقيادة الولايات المتحدة؛ بالإضافة إلى غطاء من حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي انضمت إليه تركيا منذ عام 1952؛ ويلتزم "الحلف" حتى الآن صمتًا واضحًا لا يتعدى التصريح بحق تركيا في حماية نفسها وحدودها وأجوائها.

تباينت مواقف الدول الكبرى بشأن إقامة هذه المنطقة؛ في حين رحبتا ودعمتا فرنسا وألمانيا مؤخرا على لسان المستشارة اﻷلمانية أنجيلا ميركل منطقة حظر طيران؛ لم تستبعد بريطانيا الفكرة؛ لكن كان تحفظ الإدارة الأمريكية عقبة أمام المضي في تنفيذها؛ إذ ترى واشنطن أن ثمة مخاوف تتمثل في الجهة التي ستسيطر على هذه المنطقة حال إنشائها؛ بالإضافة إلى آلية السيطرة عسكريًا عليها؛ في الوقت الذي تدعم فيه إدارة أوباما موقف تركيا الرامي لحل أزمة اللاجئين السوريين؛ وتغض الطرف عن قصف طيران موسكو للمدنيين اﻵمنين بل وتقوم كما أعلن وزير الخارجية اﻷمريكي جون كيري التنسيق مع روسيا عسكريا في سوريا حتى لا تتصادم الأجندات هناك؛ مما يعتبر أحد تجليات التناقض العملي في الموقف الأمريكي حيال الأزمة السورية.

فهل تكون مأساة نزوح عشرات الآلاف السوريين من حلب أولى دوافع المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته وإقامة منطقة آمنة أم يستمر فشله إنسانيًا أمام مأساة القرن الحادي والعشرين؟ وما الذي تمتلكه تركيا فعليا من خيارات تتفلت من بين يديها يوما بعد آخر بخصوص اﻷزمة السورية؟ وما المتوقع أن يقدمه التحالف الإسلامي ضد اﻹرهاب بقيادة السعودية التي اشترطت إرسال قوات عسكرية برية إلى الأراضي السورية لمحاربة تنظيم داعش حصرا بموافقة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة؟

عن الكاتب

رامي الجندي

باحث في الفكر الإسلامي والنهضة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس