محمد زاهد جول - صحيفة القدس العربي

لم يكن من عادة حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني أن يذكر تركيا في خطاباته الكثيرة، سواء في أيام خطاباته المدروسة والمبرمجة مسبقاً، أو في خطاباته الانفعالية والعاطفية والطائفية، التي أخذت درجة الانفعال فيها تزداد منذ السنة الثانية للثورة السورية، وهي بحدود منتصف عام 2012، حيث اخذ حسن نصرالله يرسل مقاتليه إلى سوريا بحجة حماية الأضرحة والمقامات، وبحجة حماية القرى اللبنانية القريبة من الحدود السورية.

ولكن الأمر تطور إلى أن يدعي نصرالله أن الثورة على نظام الأسد هي حرب على المحور الذي ينتمي إليه، وهو المحور الطائفي من إيران إلى العراق إلى دمشق وبيروت، والذي يصفه حسن نصر الله وامثاله مجازا بمحور المقاومة، وفي حينها اعلن في خطاباته التي تبرر مشاركته في قمع الثورة السورية وقتل الشعب السوري، بأن مقاتليه سوف يقضون على الثورة في سوريا، التي كان يصفها بالتنظيمات التخريبية والعنفية والمتطرفة، وقال إنها لن تستطيع القضاء على نظام الأسد، وأن نظام الأسد باق، بل سيقضي عليها خلال أسابيع او خلال أشهر قليلة. في ذلك الوقت لم يكن أحد يتوقع ان تكون أمريكا قد اعطت الضوء الأخضر لمحور إيران وحزب الله عن طريق روسيا لدخول سوريا، لتغيير معادلة القوى العسكرية فيها، حيث كانت فصائل الثورة السورية على بعد ألف وخمسمئة متر من قصر المهاجرين في دمشق، وفي حينها كان العالم يعد بقاء الاسد بالأيام والأشهر، ولكن أمريكا رفضت سقوط الأسد على أيدي الثورة السورية، بحجة الحفاظ على مؤسسات الدولة، وضغطت على الدول العربية وتركيا أن يكون سقوط الأسد في ظل توافق دولي، وبعد تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، وبدون ان يكون للأسد دور فيها حتى رحيله، ولذلك علقت الدول العربية وتركيا آمالاً كبيرة على مؤتمر جنيف1، الذي رفضت روسيا الالتزام بتنفيذه واختلقت تفسيرا آخر له، فذهبت الجهود الدولية إلى جنيف2، ومؤتمرات فيينا وجنيف 3 وميونيخ واتفاق وقف الأعمال العدائية بين روسيا وأمريكا فقط، وكأنه لا توجد اطراف معنية بالأمر من السوريين. 

لم تعقد هذه المؤتمرات الدولية على فترات زمنية طويلة بين تحضير للمؤتمر وعقده وانتظار مفاعيله من وجهة نظر امريكا وروسيا، إلا لإعطاء بشار الأسد ومحور إيران والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني الوقت الكافي لتغيير مجريات المعارك العسكرية على الأرض، ولكن المفاجأة كانت في كل مرة أكبر وأصعب من التي قبلها، فعندما تدخل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا في بداية عام 2013 كان نظام الأسد يسيطر على 65٪ من الأراضي السورية، ولكن بعد سنة واحدة أصبح يسيطر على 20٪، أي ان خسارة بشار كانت أكبر، وهذا ما أفزع إيران وقاسم سليماني وحسن نصرالله، فحسن نصرالله وعد بوغدانوف مستشار وزير الخارجية الروسية لابروف أن يقضي على الثورة السورية خلال أشهر قليلة، ولكنه تفاجأ بعجزه عن ذلك اولاً، وأخذ يحصد قتلاه يوما بعد يوم، وزاد الحرج عنده أكثر امام ولي امره المرشد علي خامنئي، الذي ظن فيه وفي مقاتليه بطولة وجسارة اكبر، ولكنهم خيبوا ظنه، وهذا ما جعل حسن نصرالله يزداد غضبا في خطاباته وتبدو عليه علامات الانفعال والتوتر، واتهام الجهات الدولية بأنها هي التي تقاتل في سوريا وليس الشعب السوري، لإيهام العالم وانصاره بأنها هي السبب في فشل كل مقاتليه وكتائب الحرس الثوري الإيراني الطائفي ان تحقق نصرا في سوريا، حسب تصورهم. 

لقد أخطا حسن نصرالله كثيرا عندما رفض أن يفهم أنها ثورة شعب، وأنها أقوى من كل القوى الخارجية التي تحاول القضاء عليها، وبقي هو ومحوره يتفننون في وصف الثورة بالإرهاب والتكفيريين والوهابيين وغيرها، تنفيسا عن احقادهم وفشلهم في القضاء على ثورة شعب شجاع، فلما واجهت دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية الانقلاب الحوثي في اليمن في بداية عام 2015 جن جنون حسن نصرالله، وادرك ان كل مخططاته في تقديم العواصم العربية على طبق من دماء المسلمين لخامنئي قد باءت بالفشل، ولذلك أخذ الانفعال النفسي يقوده إلى السباب والشتائم للسعودية، مقرونة بمعاداة وتشويه صورة إحدى المدارس الفكرية الإسلامية وهي المدرسة السلفية الحنبلية والتيمية والوهابية، وشتمها بطريقة طائفية حاقدة، وهي تمثل مذهبا من المذاهب الإسلامية الأربعة، ولكن انفعاله افقده صوابه، وأفقده ثقة العرب والمسلمين، وسبب ذلك ليس ظنه بأن السعودية هي التي تدعم الثورة السورية، وإنما لأنه يريد ان يبرر فشله العسكري بأن السعودية وإسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا هي التي تقاتل في سوريا، وبهدف ربط السعودية بتنظيم الدولة الإسلامية، لاتهام السعودية بانها تدعم «داعش» وتسلحه بالفكر والمال والسلاح، وهدفه تشتيت الأنظار عن فشله في القضاء على الثورة السورية. 

وبعد ان أوشك الأسد على السقوط مرة أخرى منتصف 2015 بفعل ضربات الثورة السورية المباركة، استنجدت إيران بروسيا، فلبت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية دعوة المرجعية الكبرى لولاية الفقيه خامنئي فوراً، وأرسلت بسلاح الجو الروسي لقصف الشعب السوري وتدمير مستشفياته مع مدارسه ومساجده وأسواقه وقتل الأبرياء، بعد أن فشل القصف الحربي للطائرات الروسية من القضاء على فصائل الثورة السورية في الأشهر الثلاثة الاولى من الغزو الروسي، مما اضطر حسن نصرالله إلى توسيع عدائه للسعودية والدول العربية الخليجية إلى مهاجمة تركيا، وبالأخص بعد العدوان الروسي على تركيا، وبعد ان ظهر أن الغزو الروسي لم يغير من المعادلة العسكرية في سوريا شيئاً، وقد تزامن ذلك مع المواقف السعودية من التدخل البري في سوريا، وأخذت السعودية تقول بأن الخطة البديلة هي الخيار العسكري، وإن رفض بشار الأسد الرحيل بالسياسة لا بد ان يرحل بالقوة، والرحيل بالقوة، وقد بدأت الطائرات السعودية الوصول إلى قاعدة انجيرليك التركية.

هذا التدخل السعودي والعربي والتركي لمحاربة التنظيمات الارهابية في سوريا يحرج روسيا وإيران ومحورها، التي تدعي بأنها لن توقف عملياتها ضد الارهاب، حتى بعد توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، بينما عملياتها العسكرية هي ضد فصائل الثورة السورية المعتدلة، ولذلك فإن مهاجمة حسن نصرالله لتركيا هي نوع من الإفلاس الذي دفعه لمهاجمة السعودية لأكثر من سنة تقريباً، وفي الوقت نفسه يسعى حسن نصرالله من خلال مهاجمته لتركيا تقديم انتصار أو انتقام لفظي وصوتي وإعلامي لأسياده في إيران ضد تركيا، طالما فشل بتقديم انتصار حقيقي على الأرض، وهو لا يحقق شيئا منها.

إن حسن نصرالله يصرخ كثيراً في خطاباته لأنه يهزم كثيرا على أرض الواقع في سوريا ولبنان، فقدوم روسيا عسكريا إلى سوريا كان أكبر دليل على فشله وخسارته، وبقاء ميليشات حسن للسنة الرابعة في سوريا بدون ان تغير شيئا على أرض الواقع، ودفعها للكثير من الخسائر وفي مقدمتها الخسارة النفسية والأخلاقية امام الشعب السوري واللبناني والعربي والعالم الإسلامي، فضلاً عن ازدياد عدد القتلى من الشباب اللبناني الذي اوشك ان ينفجر في وجه حسن نصرالله واكاذيبه بقرب الحسم، كل ذلك جعله مثل الذبيح الذي يلفظ انفاسه ولكنه لا يهدأ من الصراخ والاضطراب.

إن الخسارة التي لحقت بحزب الله اللبناني في سوريا كبيرة جداً، ويخشى حسن نصر الله ان تؤدي إلى طرده من قبل خامنئي، أو اغتياله من قبل أنصاره قبل أعدائه، وحيث لا يستطيع ان يكسب معركة في سوريا، فهو يريد ان يقدم خدماته الإعلامية على الأقل، سواء في سب السعودية أو تركيا ودول الخليج، واتهامها بانها تنفذ خططاً إسرائيلية وامريكية، والعجيب انه يتهمها بانها هي التي تصنع الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، بينما لم يعرف العالم الإسلامي هذه الفتنة الطائفية إلا بعد الثورة الخمينية عام 1979، ولم يعرف العالم الإسلامي الفتنة الطائفية، إلا حيث تعبث القيادة الإيرانية بالأقليات الشيعية المسكينة، التي كانت في عيش هادئ وسعيد في بلادها الإسلامية قبل ان تنفث فيها الخمينية فتنة الطائفية، وتجعل منها ضحايا أحقاد تاريخية قومية فارسية لا علاقة لها بها، فالعلويون والزيديون بل الجعفرية العراقية كانوا في راحة وغنى عن مشاكل ايران السياسية في المنطقة.

لقد أخطأت الأقليات الشيعية العربية بقبولها المشاركة في الفتن الطائفية في البلاد العربية وخارجها، سواء في العراق او لبنان او سوريا او اليمن وغيرها، وقد دفعت ثمن خطئها أو بعضا منه، ولا بد ان تعمل لتحرير نفسها من أسر الأيديولوجيا الطائفية البغيضة التي تنشرها القيادة الإيرانية بحجج كثيرة، وعليها أن تنقذ نفسها وشبابها وأطفالها، فالإيرانيون يخسرون أخلاقهم ومبادئهم، ولكن الشيعة العرب يخسرون انفسهم وشبابهم وأطفالهم وبيوتهم واعمالهم ومعيشتهم وبلدانهم بدون فائدة، ولعل المواقف الحازمة للدول العربية وتركيا في رفض الصراع الطائفي هو أفضل خيار لأبناء المذهب الشيعي في الوطن العربي والعالم الإسلامي للخروج من هذه الفتنة اولاً، ولعل تجريم الأحزاب الطائفية التي رهنت نفسها لخدمة إيران واعتبارها تنظيمات إرهابية مثل، حزب الله اللبناني من قبل دول مجلس التعاون الخليجي هي خدمة أخرى للشيعة العرب للتحرر من التبعية لإيران، ولكن كل ذلك لا يكفي حتى تصبح الطائفية الإيرانية مرفوضة بقرارات القمة العربية وقمة منظمة التعاون الإسلامي، بل والأمم المتحدة، فهذه القرارات ستكون أكبر خدمة لعقلاء الشيعة وفضلائهم وشعوبهم الشريفة، وستكون خدمة للشعب الإيراني الأسير عند قيادة فاقدة للصواب، أفقرت الشعب الإيراني المسكين بحجة مواجهة الاستكبار الأمريكي لأكثر من عشر سنين ثم استسلمت له في الملف النووي وغيره، فإلى متى يصبر الشعب الإيراني على من يقوده في حروب ظالمة وتائهة ضد المسلمين، وإلى متى يصبر على الفقر والبطالة بحجة بطولات وهمية وخاسرة؟

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس