برهان الدين دوران – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

عادت فكرة "تغيير الخرائط" التي شغلت الأذهان لفترة من الزمن واحتلت مركز الصدارة مجددًا في "النقاش حول الفدرالية" في الشرق الأوسط.

حيث تعد الفدرالية في منطقتنا التي انهار فيها نظام الدولة القومية حلًا للبعض في حين أنها حلم مزعج للبعض الآخر. ولكن تفاقم "النقاش حول الفدرالية" ليس بهدف التوحيد بل على نحو سوف يغذي صراعات وعداوات جديدة. وخاصة أن هذا النقاش مرتبط إلى حد بعيد بمستقبل العرب والأكراد السنة في سوريا والعراق.

حيث توجد مخاوف تجاه التقسيم الذي ستجلبه الفدرالية. بسبب الفشل في إعادة إنشاء عراق جديد عن طريق تخطيط واحتلال كامل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ويشار كثيرًا إلى أن محمود بارزاني في سعي للبحث عن دولة مستقلة في شمال العراق إلى جانب أحجية داعش. أما الآن فإن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ظهرت حقيقة عدم مشاركته ضمن محادثات جنيف بشأن سوريا، أعلن في اجتماع جرى في منطقة رميلان عن نظام فيدرالي ديمقراطي في شمال سوريا وروج آفا.

وبناءً على ذلك، اتخذ حزب الاتحاد الديمقراطي خطوة أخرى نهائية من أجل إقامة "حكم ذاتي يمكنه التحول إلى دولة مستقلة". وفيما يتعلق بالتوقيت فإنه سلك هذا الطريق نظرًا لاحتمال مواجهته اعتراضًا من قبل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وتكمن هذه الشجاعة التي توفرت لدى حزب الاتحاد الديمقراطي وراء قناعة لدى الثنائي الروسي والأمريكي الذي يميل إلى فدرالية في سوريا.

وبالتأكيد أن التصريحات الأولى مختلفة. حيث قال مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أنهم "لن يعترفوا بأي منطقة حكم ذاتي أو شبه ذاتي في سوريا". كما قال بوغدانوف مساعد وزير الخارجية الروسي على نحو مشابه أنه "لا يمكن لأكراد سوريا الإعلان بشكل منفرد عن إقامة نظام فيدرالي منفصل داخل سوريا كدولة مستقلة وسيادية". ولكن الاقتراحات الروسية بالنسبة إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث كيانات لا تزال حديثة العهد في الذاكرة. كما الهواجس التي أشير إليها تتعلق بتوقيت الإعلان من أجل تعطيل لقاءات جنيف. وبالنسبة إلى الطرف الأمريكي فالأمر معقد أكثر. حيث يقال إن التقارب السلبي لدى وزارة الخارجية والسي آي إي لفكرة الفدرالية؛ يمكنه أن ينال دعم البنتاغون والبيت الأبيض أيضًا. وفي الواقع شغل النقاش حول موضوع إقامة ثلاث تشكيلات فدرالية وفق النمط الذي جلبته اتفاقية دايتون الخبراء والمؤسسات الفكرية في واشنطن لفترة من الزمن. والاحتمال الكبير أن وجهة نظر البنتاغون التي تعد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي حليفًا في الصراع مع داعش أصبحت هي السائدة. ولهذا السبب لا يبدو أن إعلان الفدرالية سوف يزعج الولايات المتحدة الأمريكية. كما يمكن تقييمه حتى كنتيجة لتفاهم ضمني روسي أمريكي. وهو ما يعد أساس الانزعاج على طاولة محادثات جنيف. حيث أشارت المعارضة السورية إلى معارضتها لهذا الإعلان في الوقت الذي وصفه النظام السوري بأنه مخالفة للقانون الدولي. كما صرح ستيفان دي مستورا المبعوث الخاص للأمم المتحدة عن اتفاق المعارضة والنظام على مبدأ عدم التطرق إلى موضوع الفدرالية، ووحدة سوريا، وسلامة أراضيها".

إذن هل يؤدي تحرك حزب الاتحاد الديمقراطي إلى حدوث تقارب بين المعارضة التي لا ترغب في التنازل عن فكرة وحدة الدولة كإحدى المبادئ الأساسية "للثورة السورية" والنظام؟ أم أن ميل المجموعات المتحاربة إلى نوع من الفدرالية مع مرور الزمن من أجل استمرار سيطرتها سوف يصبح موضع نقاش؟ وما آثار استيلاء حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق جديدة في المنطقة عندما بدأت موجة العمليات الموجهة ضد داعش على الساحة؟

ومما لا شك فيه أن القوى الإقليمية التي تورطت في سوريا سوف تقدم إجابات عن هذه الأسئلة مع التطورات الجديدة. بيد أن أكثر ما يقلق تركيا هو موضوع منطقة فدرالية يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي. لأنها تدرك أن الداعم لهذه المنطقة هو إرهاب حزب العمال الكردستاني عن طريق السلاح وأنماط التعليم الإرهابي على حد سواء. ومن المحتمل أن يشكل هذا الكيان الفيدرالي للقومية الكردية تهديدًا وضغطًا من المؤسسات الدولية على تركيا. أما إيران فإن قلقها أقل حاليًا.

إذا ما كانت روسيا تقرر الدعم الذي تقدمه لحزب الله والأسد بناءً على رغبة إسرائيل فإنها لا ترغب في خسارة إيران. أما إسرائيل فهي تدعم بشكل صريح الفدرالية لأنها لا تريد تأثيرًا قويًا لإيران والأسد في سوريا. في حين يتوقع أن السعودية لا تميل إلى الفدرالية. والخلاصة، مع الاستمرار في بلورة تخطيط سوري لدى الثنائي الروسي الأمريكي فإن التقاربات السورية لدى القوى الإقليمية يمكنها أن تتغير. وبدرجة أكبر لدى إيران وتركيا... لأن النقاش حول تغيير الحدود في الشرق الأوسط يشير إلى أكثر من مجرد محاولة رسم خريطة على طاولة بالنسبة إلى هاتين الدولتين القويتين.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس