فهمي كورو - خبر ترك - ترجمة وتحرير ترك برس

نحن شعب ينتابنا الشك دوما، فلا نكتفي بالاستماع وبتصديق "الحقائق" التي تقدّم أمامنا، وإنما نهتم بالسيناريوهات التي تكمن "خلف هذه الحقائق". ولا شك أن لكل شعب ميزة خاصة به، وهذه ميزة من ميزات الشعب التركي.

إنقاذ الرهائن بالأمس أيقظ فينا حسّ الشك مجددا. انتشر الشك عبر صفحات الجرائد وقنوات التلفزيون حتى وصل إلى البيوت والى كل فرد في المجتمع.

ولعل إجابة المسؤولين عن الأسئلة الحساسة بإجابات عامة غير دقيقة قد شعرتنا بأنهم يحاولون الهرب من إظهار "الحقيقة الكاملة" وهذا يقوّي ويزيد الشك عند عامة الناس.

وهنا يخطر على بالنا السؤال المنطقي التالي: كيف قبل الخاطفون بتسليم الرهائن برغم رفضهم السابق لهذا الطلب؟ ماذا قُدّم لهم لكي يسلموا الرهائن بهذه الصورة وأيّ حساب قد دفع من أجل ذلك؟

أنا لم أصدّق إطلاقا أن هدف الخاطفين هو أخذ فدية أو إيذاء تركيا أو جعلها مضطربة، ولن أصدق ذلك أبدا.

خبرتي الشخصية بخصوص الاختطاف الجماعي، والتاريخ كذلك يعلمنا، أن مثل هذه العملية هدفها تحقيق أهداف سياسية ضد الدولة المستهدفة.

عندما تمت مهاجمة السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلبة، واختطاف 52 مواطن أمريكي، ليطلق سراحهم بعد 444 يوم، كنت أنا في تلك الفترة في الولايات المتحدة الأمريكية وعايشت هذه العملية وكتبت كثيرا عنها في صحيفة "يني ديفير".

أعلم جيدا أنه ومنذ اليوم الأول لعملية الاختطاف بدأت محاولات المساومة ومحاولة عمل صفقة كبيرة منذ الساعات الأولى، برغم أن عملية السطو واختطاف المواطنين الأمريكان كان سببها غضب لحظي للطلبة الإيرانيين.

استخدم النظام الإيراني الجديد بعد الثورة الإسلامية الرهائن من أجل معاقبة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي استضاف الشاه الأخير الذي حكم إيران وهو محمد رضا بهلوي.

وفي تلك الأثناء قام المنافس الرئيس لجيمي كارتر "رونالد ريغان" بعمل مقابلات سرية مع إيرانيين في مدريد وباريس، لتعمل إيران على إدخال موضوع الرهائن ضمن الحملة الانتخابية لرونالد ريغان في الانتخابات الرئاسية، وكذلك استخدم ريغان موضوع الرهائن للترويج لحملته الانتخابية ضد جيمي كارتر.

وقد تم الإفراج عن الرهائن الأمريكيين في اليوم الذي تخلى فيه جيمي كارتر عن رئاسة الجمهورية وفي الساعة التي استلم فيها ريغان الرئاسة تم الإفراج الفعلي عن الرهائن.

وبأخذنا لهذا المثال نصل إلى نتيجة مفادها أن كل عمليات الاختطاف الجماعية كانت تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأنا كشاهد على تلك الأحداث استطيع أن أقول لكم: لو أن عملية الاختطاف لم تحصل لما فاز ريغان بالانتخابات الرئاسية على حساب كارتر.

عاش قنصلنا التركي والعاملين في القنصلية التركية في الموصل وعائلاتهم 101 يوم من الاختطاف. وحسب المعاملة التي تمت مع الرهائن المختطفين فإن الاحتمال الأقوى لعملية الاختطاف هو تحقيق أهداف سياسية. ونعلم جيّدا أن عملية الاختطاف تزامنت مع عملية انتخابية هامة جدا وهي انتخابات رئاسة الجمهورية التركية التي تحصل لأول مرة في تاريخ الجمهورية، ولهذا نستنتج أن هدف هذه العملية هو التأثير بصورة مباشرة على انتخابات رئاسة الجمهورية.

لكن عدم وصول الخاطفين لهدفهم له سببان: الأول هو تطبيق قانون منع تناقل الأخبار المتعلقة بالرهائن في الصحف وفي المواقع الإخبارية وتطبيقه من معظم العاملين في مجال الصحافة والإعلام. أما السبب الثاني فهو عدم استخدام أي من المرشحين لتلك الانتخابات لهذا الموضوع الحساس جدا بالنسبة للشعب وللمجتمع.

لا شك أن أهم نتيجة لعملية الإنقاذ الناجحة هذه بالنسبة لي هو عدم تحقيق الخاطفين لأهدافهم التي خططوا لتحقيقها من خلال عملية الاختطاف.

وهذا يوجب علينا احترام الطاقم الذي سهر وعمل ثم استطاع إنقاذ الرهائن بهذه الصورة الناجحة وفي الزمان والتوقيت المناسبين.

عن الكاتب

فهمي كورو

كاتب في موقع خبر ترك


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس