سليم الحكيمي - خاص ترك برس

انعقد  من 3 إلى 6 نيسان/ أبريل 2016 في إسطنبول "المؤتمر العالمي لميثاق الأسرة" برعاية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. الذي يهدف إلى الخروج بميثاق عالمي ينظم شؤون الأسرة بديلًا عن اتفاقية "سيداو" المرفوضة من دول ومنظمات عدة حول العالم. شارك في المؤتمر نزيهة معاريج، ووصفي عاشور، ومسفر القحطاني، وهندة الشواشي، وسالم الشيخي، وعبدالرزاق قسوم، وعمر بنعمر، عبد اللطيف بو عزيزي. ومن تونس  وفد من فرع الاتحاد برئاسة الدكتور عبد المجيد النجار وأحمد البيض وعمر بن عمر.

وقد انتهت المداخلات بجلسة ختامية تهدف في الأساس إلى خدمة ميثاق الأسرة الذي سيطلقه المؤتمر في ضوء الأطروحات والمناقشات لفصول وبنود ميثاق الأسرة العالمي والمرتقب لتقديمه للمحافل الدولية كبديل عن اتفاقية سيداو التي لاقت اعتراضات واسعة من دول ومنظمات حول العالم. في الحقيقة لا توجد قضية أثيرت في عالمنا الإسلامي بقدر قضايا المرأة، ولكن المشكلة أن معظم الطروحات هي بين الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير، كما أنها استغلت للتأثير في المنظومة الأخلاقية التي تتحكم في الأسرة، وتحكم روابطها.

وقد نجحت هذه المحاولات في معظم البلاد غير الإسلامية ونجمت منها مشاكل أسرية أثرت على الأطفال وترتب عليها آثار خطيرة على المجتمع. وإذا كان الاعتدال والتوسط  هو الحل الأمثل في جميع الأنشطة الإنسانية، فإنه بلا شك يكون الحل الأفضل في هذه القضية أيضًا، ولذلك وقع اقتراح أن يكون مبدأ (التوازن) الحل الأوسط المحقق للمساواة العادلة، لأن المساواة المطلقة قد لا تحقق العدالة بالعقل والطبع، بالإضافة إلى الشرع، ولكنها قد تحققها، فمبدأ العدل يجب أن يكون قاضيًا على المساواة كما هو الحاكم على غيرها باتفاق العقلاء، وبالنصوص الشرعية القاضية بحفظ مبدأ التوازن بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ولذلك فإن جعل (مبدأ التوازن) هو الحاكم في تحديد العلاقات والحقوق والواجبات منسجم مع الكون ومجموعة نصوص الشريعة.

المرأة بين التحرير والتغرير

ليس في الإسلام  تفضيل الرجل على المرأة، ولا العكس، وإنما وجود فوارق طبيعية وخلقية وبدنية، وهرمونية، وعناصر حيوية، لا بدّ أن يكون لها آثارها في نطاق العمل والاستخلاف والاستعمار الذي خلقنا الله لأجله بعد أداء العبودية له التي لا يختلف فيها الرجل عن المرأة، وإنما الاختلاف في مجال توزيع الأدوار لتحقيق عمارة الأرض. فالمساوة لا تكون على حساب العدل وهو ما ذهبت إليه منظمات نسوية في معركتها المتطرفة من أجل حقوق المرأة وأدت محاولات تحرير المراة إلى التغرير بها وأنشات النِديّة المغشوشة احترابا بين الرجل والمرأة أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق والتفكك الأسري والضياع والتيه الاجتماعي. وانتهت بالمرأة غنيمة وسلعة  لتدفع وحدها فاتورة التنظيرات المتطرفة في علاقتها بالرجل إضافة إلى الخطر الصحي البالغ.

فقد حذرت منظمة الصحة العالمية من زيادة معدلات الإجهاض الخطر على صحة النساء، إذ بلغت حالات الإجهاض المتعمد في العالم (46) مليون حالة في العام، ففي السويد وحدها 38 ألف حالة، وفي روسيا 62,6%. وصلت العدوى إلى بعض بلادنا، حيث بلغت حالات الإجهاض في تونس 14000 حالة سنويًا، وهذا يعني أنه يقتل في كل عام 46 مليون طفل. وفي مجال التفكك الأسري، نجد أنه قد بلغ منتهاه بسبب الأفكار الهدامة، حين نادت رائدات النساء في الغرب منذ فترة بأن الزواج مؤسسة لمنفعة الرجل، وأنه وسيلة للسيطرة على النساء، وعلينا أن نعمل على تدميرها، لأن في تدميرها تحرير للمرأة،  وقلن ايضاً: "ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة والأمومة، والغريزة الأبوية".

وروجت هذه الأفكار إلى أن تم فعلًا تدمير الأسرة، ومؤسسة الزواج، والأمومة.  فمنذ الستينات تراجع معدل الزواج بنسبة 33%، في حين تضاعفت نسبة الطلاق لتصل إلى 50%، ونسبة النساء اللاتي لم يتزوجن بلغت عام 1970 إلى 68%، والإحصائيات تشير إلى عزوف النساء عن إنجاب الأطفال، حيث إن 20% من النساء اللاتي بلغن 45 لم ينجبن اطفالًا، وظهرت ظاهرة الأطفال غير الشرعيين، حيث بلغت في عام 1994 في أمريكا إلى 50%، وبين السود إلى 70% وفي 15 مدينة من المدن الأمريكية وصلت إلى 90%، كما أن هناك 5.5 مليون  يعيشون مع النساء دون عقد زواج، ناهيك عن ازدياد نسبة والزواج المثلي المناقض للفطرة.

تدعم الأمم المتحدة معظم هذه التوجهات من خلال مؤتمراتها الخاصة بالسكان، وبالمرأة في القاهرة، وبكين، واتفاقية سيداو عام 1979، ومن خلال لجنتها الخاصة بها، والمواثيق التي تريد فرضها على الدول، حتى كشفت "سارة فلود بويران"، الممثلة الدائمة السابقة لمجموعة الكاريبي بالأمم المتحدة، عن المؤامرات التي تدبر بأروقة الأمم المتحدة ضد قيم الأسرة واستقرارها بدعوى الحرية والعولمة. وقد كانت الأمم المتحدة في عام 1948 أقرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تنص مادته 16 على أن الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والاساسية للمجتمع، وأن الرجال والنساء البالغين لهم حق الزواج وتكوين الأسرة. ولكنها تركزت وثائقها في العقود الأخيرة على الجنْدرة، والمنظور الأنثوي الراديكالي، الذي يطرح الشذوذ الجنسي حقًا من حقوق الإنسان، وأن الأسرة المرتبطة بالزواج الشرعي تقف في طريق الحداثة.

تركيا ستتقدم إلى منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة بهذه الوثيقة التي تحوي بنودا وميثاقا للأسرة يمكن اعتماده نصا تشريعيا للإنقاذ الحضاري بديلا عن اتفاقيات غربية مشبوهة. والقوة أن لا تلعن الظلام بل أن توقد شمعة في ديجور النظريات البائسة المتطرفة في علاقة الرجل بالمرأة التي ما زالت فيها نخبنا اليعقوبية في المنطقة العربية تردد الفزّاعات القديمة  في المعارك السياسية لتحرم المرأة من تشريعات متكاملة تقطع مع مجتمع الكراهية والاحتراب مع الرجل، فهي لا ترى من خلالها المشاكل الحقيقية للمرأة كالعنف ضدها الذي يتسبب فيه غياب التدين وليس وجوده، وكظاهرة العنوسة المتفاقمة التي بلغت في تونس 2.250 مليون عانس في شعب لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة.

الغفلة عن انطفاء أنوار الأفكار في الغرب

تاريخ علاقتنا بالفكر الغربي في العصر الحديث تحكمه مفارقة عجيبة: فأي فكرة جديدة تظهر في الغرب تنتقل إلينا أو ننقلها نحن -ففضلًا عن كونها لا تجد ما يحملها اجتماعيًا - فإنها ما إن تبدأ أصداؤها تتردد في فكرنا، وبالتالي في تصوراتنا ومطالبنا، حتى يكون قد تم تجاوزها في مسقط رأسها أو في طريقها إلى أن تصبح متجاوزة ونحن غافلون. يبرز ذلك في أمثلة ثلاثة:

1- عندما كانت أفكار عصر الأنوار تجد طريقها إلى بعض البلدان  العربية التي كانت مهيأة بصورة ما لتتردد لها فيها بعض الأصداء، وكان ذلك في أواخر القرن 19 وأوائل القرن  20، كانت تلك الأفكار - أفكار عصر الأنوار - قد فقدت "أنوارها" وأصبحت تنعت بـ"الايديولوجية البرجوازية"، بمعنى الفكر الذي يخدم مصالح الأغنياء، أصحاب رأس المال. وهكذا حلت محلها أفكار أخرى هي الفكر اليساري عموما، الذي شكلت الماركسية بصورة أو أخرى عموده الفقري.

2- عندما أخذ الفكر الماركسي اللينيني يجد له حيزًا ما في الفكر العربي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية - هو قيام كثير من المفكرين الأوروبيين اليساريين برفع شعار: "الماركسية في حاجة إلى ماركس جديد". في الوقت الذي كان فيه من سبقت شيوعيتُهم ماركسيتَهم، في العالم العربي، يتكلمون "ماركسية غير ماركسية" متمسكين بستالينية إمبراطورية لا ترى إلا في أمريكا فقط دولة إمبريالية، متناسية الإمبريالية الروسية نفسها التي ضمت جمهوريات بالقهر والجبر وهو ما ذهب إليه المفكّر "سلامة كيلة" حين أعلن نهاية اليسار الكلاسيكي.

3- في النظر إلى المراة، ظلت النخب العربية التي اعتبرت طويلا أن الدين جزء من المشكل وليس من الحل متأثرة بافكار النخبة الفرنسية، تستشهد - دون أن تعلن ذلك – بآراء الكاتبة الفرنسية "سيمون ديبفوار" المتاثرة بالفلسفة الوجودية الملحدة لجون بول سارتر التي عاشت بين 1908-1986 ورفضت الخضوع "لمصيرها" المرسوم كأم وزوجة. ظلت الكاتبة الوجودية المتطرفة مهووسة بقصة المجتمع الذكوري لتربط وضعية المرأة الفرنسية في القرن العشرين بالنماذج التحقيرية التي حاك خيوطها مذهب القدّيس طُوماس، وهي المرأة التي صاغت رؤية  النخبة التونسية الأنثوية حول المرأة، فانتهت بها إلى أكذوبة التّناصف النظري وليس الواقعي، و التنظير إلى المساوة الحادة وجعلتها تستهجن مصطلح التكامل بين الرجل والمرأة وتعده إهانة للمرأة.

غيّر الغرب رؤاه وصار يتحدث عن المساوة بين المرأة والرجل بمعنى تكافؤ الفرص وليس المساواة التي لا تعترف بالفروق بين الجنسين وتراها نقيصة... يحدث في الغرب تغيير هائل بينما لم يبلغ نخبنا النّبأ...، فليس بفرض القوانين تُحفظ الحقوق.

عن الكاتب

سليم الحكيمي

صحفي تونسي متخصص في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس