برهان الدين دوران - جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

بعض الأخبار تدخل إلى النفس السرور بدون إرادة منا، ومنها خبر الإفراج عن الرهائن التسع وأربعين بعد اختطافهم لمدة 101 يوم، وتم تحريرهم دون أن يصيبهم أي أذى، لهذا نحن مدينون بالشكر إلى كل شخص ساهم وشارك في تنفيذ هذه العملية.

هذه العملية تثبت أن لتركيا "عمق عملياتي" داخل كلٍ من سوريا والعراق. وبعد إنقاذ الرهائن تخلصت تركيا من الضغط الذي كان ممارسا عليها من قبل داعش لاختطافها المواطنين الأتراك، وبالتالي أصبح موضوع موقف تركيا من الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" محلّ نقاش، فيما إذا كان سيتغير أم لا.

في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة التحضيرات لمواجهة داعش المرتقبة، وصل الى الصحافة خبر جديد. وهو ما صرّح به مدير وكالة الأمن القومي الأمريكية  (NSA) حول اسم جديد سيشكل تهديدا حقيقيا للمنطقة إلى جانب داعش وهو "منظمة خراسان". وحسب المسؤولين الأمريكيين فإن هذه المنظمة تتكون من بواقي تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أسيا.

هذا الخبر يعني أن تنظيمات جديدة تابعة لتنظيم القاعدة أو تابعة لداعش ستتشكل بسبب الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية". وهذه التشكيلات ستكون أكثر خطورة وأكثر تشددا. وهنا لا بد أن نشير الى أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه هذه المسألة ترتكز على مبدأ الحرب على الإرهاب، بينما ترتبط هذه التنظيمات ارتباطا عضويا بشعوب المنطقة مثلما حصل ويحصل في الصومال واليمن. ولهذا فإن عدم شن حرب متكاملة على الإرهاب بشتى أطيافه وأشكاله وأسبابه ومنه الإرهاب الإسرائيلي، سيعني خروج منظمات جديدة أكثر تشددا ولن نستطيع حينها منع انضمام الشباب إليها.

بعد الحرب على داعش سيستمر ظهور منظمات تدعي "الجهاد"، وستكون أكثر تشددا وأصولية وستكون سببا لزيادة التمزّق الديني والثقافي في الشرق الأوسط. وما يجري حول تركيا هو ازدياد خطر الأصوليين أكثر فأكثر.

لا يكفي أن ننظر إلى الموضوع بنظرة استخباراتية وأمنية فقط. لأن مثل هذه المنظمات تريد دينا إسلاميا "صلبا" سيزداد معه أسلوبهم في "التكفير" لكل من حولهم.

وجود هذا الخطر والوضع المرعب حول تركيا تزامنا مع نظام حُكم تركي يقوده حزب العدالة والتنمية يشكل فرصة وأملا للخروج من هذه المصيدة. وهذا لأن حزب العدالة والتنمية يرى في التنظيمات مثل داعش أنها تنظيمات خارجة عن تعاليم الإسلام، وهذا الأمر لم يصدر عن أناس علمانيين، وإنما يصدر من أشخاص تعلموا وتربوا على تعاليم الدين الإسلامي، لهذا فإن الحزب الحاكم لا يرى أي مشكلة دينية في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وهكذا يكون الدين الإسلامي قد دخل رسميا في رسم النظام السياسي التركي، الذي يحاول قدر الإمكان وضع هذه الإمكانيات وهذه القدرات لخدمة الشعب، ولبناء تركيا جديدة تتخذ من الإسلام مشربا وفكرا، وتعزز الديمقراطية التي ستساهم بلا شك في التقدم والاستقرار والرفاهية.

نعم وصلنا إلى جو من الحرية ينعم فيه الجميع بحق التعبير وحق الاعتراض وحق الفكر، لكن هذا يجب أن لا يكون سببا لتسهيل مهمة بعض المنظمات الأصولية التي من الممكن أن تسمم وتعكّر جو الحرية هذه. ولهذا على تركيا أن تتعامل بسياسة كاملة متكاملة ضد كل الخطر المحدق بها من حولها. هذه السياسة يجب أن لا يكون أمامها أي عائق فكري أو مذهبي على أساس سني أو شيعي. وهذا يعني أنّ على تركيا أن تُنتج لنا نظاما إسلاميا وسياسة تعتمد على المبادئ الإسلامية وسياسة في هذه المرحلة الحساسة، وإلا سيفهم العالم الإسلام بصورة مختلفة ومزيّفة ومنفّرة خلال العشر سنوات القادمة.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس