ترك برس

أعلن مجلس الشعب التركي، بتاريخ 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1928، بإيعاز من رئيس الجمهورية ومؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، استخدام الحروف اللاتينية لكتابة اللغة التركية بدلًا من الحروف العربية، وذلك بموجب القرار البرلماني رقم 1353، والذي لم يقتصر على ذلك، بل نص أيضًا على مسح الكلمات العربية والفارسية بشكل تدريجي لجعل اللغة التركية لغة سلسلة، وأُطلق على هذا القرار حينئذ "الثورة الحرفية".

وفي ذلك السياق، ذكرت مجلة "دارين تاريخ" (التاريخ العميق)، في عددها الثامن والعشرين الصادر في أغسطس 2014، أن ما يُطلق عليه الثورة الحرفية قضى بشكل شبه كامل على الكنوز الأدبية والعلمية العظيمة التي كانت تزخر بها اللغة العثمانية، ولم يعد المواطن التركي قادرا على قراءة ما جمعه ودوّنه آباؤه وأجداده.

وتشير المجلة إلى أن عقوبة الذين يستخدمون الحروف العربية وصلت إلى حد الإعدام، وأنه لولا ذلك لما تم تخريب اللغة التركية بهذا الشكل، مبينةً أن الكثير من علماء الدين ومناصري اللغة العثمانية حاولوا الحفاظ على اللغة العثمانية وأصولها، ولكن اليد الحديدية للأجهزة الأمنية في تلك الفترة حالت دون تمكنهم من تحقيق ذلك الهدف.

وتبيّن المجلة أن العملية لم تكن فقط عملية تغيير حروف، بل كانت عملية شاملة تسعى لطمس كافة معالم الحضارة العثمانية القديمة، وإحياء معالم الحضارة التركية العلمانية الحديثة على أطلالها، والدليل على سعي مؤسسي الجمهورية التركية لطمر اللغة العثمانية التي تُعد أحد المعالم الأساسية للحضارة العثمانية العتيقة، هو قيامهم بعرض العديد من تلك الوثائق على دول ومؤسسات خارجية للبيع. وقد صدرت الوثيقة التي سمحت آنذاك لقسم الأرشيف التركي ببيع الوثائق للخارج بتاريخ 24 تموز/ يوليو 1930 موقعة من قبل رئيس الجمهورية آنذاك مصطفى كمال أتاتورك ورئيس البرلمان ووزير المعارف ورئيس الأرشيف القومي، وما زالت إلى اليوم محفوظة في أرشيف رئاسة الجمهورية التركية.

تنص الوثيقة على أن "الحروف العربية لن تُستخدم إطلاقًا في أي عملية كتابة للغة التركية، كما أنه لن تُعلق حتى أي لوحة تحمل كلمات عربية، وأن الجمهورية التركية ستبذل قُصارى جهدها للتخلص من كتب ووثائق اللغة العثمانية، وسيتم حرق بعضها وبيع بعضها الآخر".

وتفيد المجلة أن ما يدعو إلى السخرية هو طريقة بيع الوثائق، حيث ينص القرار على بيعها من خلال تقطيعها إلى قطع تضم كل منها أربعين سطرا، مبينةً أن مؤسسي الجمهورية التركية لم يقدروا إطلاقًا المعلومات والأفكار القيمة التي تحتويها هذه الوثائق وعرضوها للبيع وكأنها شيء مادي لا قيمة له ويجب التخلص منه بأسرع وقت ممكن.

وبحسب الصحيفة، فإن عملية البيع استمرت لمدة عام، وكانت بلغاريا المجاورة لتركيا من أكثر الدول التي قبلت شراء هذه الوثائق القيمة التي رآها الكثير عديمة الفائدة، ولكن بعد عام وبالتحديد بتاريخ 10 حزيران/ يونيو 1931 أصدر رئيس الوزراء حينذاك "عصمت إينونو" قرارا بوقف عملية البيع ووافق على القرار الرئيس أتاتورك.

تقول المجلة أن الفضل في إيقاف عملية البيع التي وصفتها بالمخزية يعود إلى الفيلسوف والحقوقي المرموق "جودت إنانج ألب" الذي وفد إلى مكتب رئاسة الوزراء كثيرًا ورجا عصمت إينونو كالأطفال لإيقاف هذه العملية التي تهدر القيم والكنوز الأدبية، وبعد محاولات عدة وافق إينونو على ذلك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!