ترك برس

قال الكاتب والمحلل الفلسطيني، ماجد عزام، إن النظرة العربية تبدو استنسابية انتقائية واستنسابية بامتياز تجاه السياسة، كما النظام السياسي في تركيا بشكل عام، مشيرًا أن هذه الانتقائية ليست مفيدة للطرفين العربي والتركي على حد سواء، فهي ترفع السقف من الجانب العربي، بما قد يؤدي إلى إحباط أو نقمة، ومن ناحية أخرى تحمل تركيا ما لا تحتمله وما لا طاقة لها به.

وأوضح في مقال له بعنوان "نظرة عربية انتقائية تجاه تركيا"، أن "الانتقائية في النظرة العربية تكاد تشمل كل الملفات والجوانب، غير أنها تتبدى أكثر في السياسة التركية تجاه القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل؛ كما في طبيعة النظام السياسي العلماني الديموقراطي في تركيا، والنموذج أو التجربة التركية التي يمكن استنساخها أو الاستفادة منها في العالم العربي، وتحديداً في دول الثورات التي تشهد تحولات تاريخية كبرى".

وأردف عزام في المقال الذي نشرته صحيفة (عربي21)، "في الملف الفلسطيني مثلا يتم التركيز من قبل أحباء تركيا والمتعاطفين معها على الموقف التركي المحق  الداعى لرفع الحصار عن غزة، بينما يتم تجاهل أو نسيان الموقف الاخر المعلن ايضاً من عملية التسوية وطبيعة الحل في فلسطين، كما العلاقات التركية الإسرائيلية الصامدة اقتصادياً، رغم كل الخلافات السياسية التي يجري العمل  الان على حلّها، بما يكفل تطبيع العلاقات السياسية والديبلوماسية بين البلدين".

وأضاف أن أنقرة تعمل طبعا ومنذ سنوات على رفع الحصار عن غزة، ولكن ضمن تعاطي أو تصور شامل للوضع في فلسطين. هي تعتبر الحصار غير أخلاقي، غير إنساني، وغير قانوني ولا بد من رفعه. وتعتبر أن الوضع في غزة كارثي مأساوي وتبدي الاستعداد لتحسينه، وإعادة تدمير البنى التحتية المدمرة فيه. وتعتبر من جهة أخرى أن حماس حركة سياسية مهمة لا ينبغي حصارها وتجاهلها، ولا يمكن إقصائها عن المشهد السياسي الفلسطيني، وحتى عملية التسوية، ومحاولات التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

في المقابل فإن أنقرة تدعم التوصل إلى حل سياسي قائم على مبدأ الدولتين. هي تؤيد طبعاً المبادرة العربية، وكما دول غربية كثيرة تتهم إسرائيل بالمسؤولية عن جمود العملية وإفشالها، وهى تدعم  المساعي السياسية والديبلوماسية للرئيس محمود عباس والسلطة، بما يتعلق بالانضمام إلى المنظمات الدولية كما رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة، حتى أن رئيس الوزراء الحالى  داوود أوغلو كان ارفع مسؤول غير فلسطينى  يحضر جلسة الجمعية العامة التى صوتت لصالح اعتبار فلسطين دولة مراقبة غير كاملة العضوية حتى أن  حفل الاستقبال الرسمي للمناسبة جرى في مقر البعثة التركية في الأمم المتحدة.

الى ذاك تدعم انقرة مشاريع خيرية واقتصادية فى الضفة الغربية كما تفعل فى غزة ايضا، بينما ارتفع حجم التبادل التجارى بين تركيا وفلسطين بنسبة771 بالمائة خلال السنوات العشر الاخيرة حسب إحصائية رسمية نشرتها وكالة الاناضول الرسمية للأنباء في 18 مارس اذار الماضي.

وأشار إلى أن تركيا ترفض الحصار الظالم ضد غزة، تدعم عملية المصالحة الفلسطينية. ولكنها تدعم من زاوية أخرى عملية التسوية ومساعي التوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني اسرائيلي وفق حل الدولتين، ولا تبدو كما يتحدث أو يكتب البعض احياناً وكأنها على أهبة الاستعداد لإرسال الجيوش لتحرير فلسطين.

وهنا لابد من الاشارة ايضاً الى أن وزير الخارجية التركى مولود شاويش أوغلو دعا علناً حركة حماس فى أيلول سبتمبرمن العام 2014 لاعتماد الأساليب السياسية والديبلوماسية من أجل انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

أما فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، فتركيا كانت من أوائل الدول الاسلامية-بعد ايران طبعا- التي اعترفت بالدولة العبرية، كانت العلاقات بينهماعادية جدّاً طوال عقود حتى تم تخفيض مستواها مرتين فى خمسينيات وثمانينيات  القرن الماضي على خلفية التعاطف والتأييد التركي للجانب العربي في الصراع  مع اسرائيل , ثم تحسنت، بعد ذلك وأخذت طابع استراتيجي في التسعينات أواخر زمن تركيا القديمة بعد اتفاق أوسلو وبث الانطباع بأن القضية الفلسطينية حُلّت أو في طريقها للحل، ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة اوائل القرن الحالى بدأت العلاقات تفقد الطابع الحميم، وتأخذ مسار عادي، كما مع بقية الدول فى المنطقة، أما القطيعة التي حصلت منذ ست سنوات بعد جريمة أسطول الحرية فلم تؤدي إلى إغلاق السفارات أو حتى توقف العلاقات الاقتصادية المتنامية والمدارة بالكامل تقريباً من قبل القطاع الخاص.

وتابع الكاتب الفلسطيني،

النظرة الاستنسابية العربية تبدو حاضرة أيضاً تجاه حوارات أو نقاشات تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، تركيا منذ اليوم الأول للأزمة تتحدث عن شروطها الثلاث لتحسين العلاقات وتشير بوضوح الى الخلاف مع الحكومة، ولكن مع التاكيد على عدم عداء مع الدولة الإسرائيلية نفسها، وهي حققت شرطين-الاعتذار والتعويض-، ويجري العمل الان على الشرط الثالث، ربما لا يتحقق رفع الحصار بالكامل، ولكن سيكون تخفيف جدّي وكبير له وستكون إعادة إعمار لغزة، وحل لأزمات الكهرباء والمياه المستعصية، وكما في أي اتفاق أو حوار ديبلوماسي لا أحد يحصل على كل ما يريد، ولكن  حتماً لن يكون اتفاق دون حلّ فعلي لمشاكل القطاع، وتسهيل إدخال المساعدات له، بينما تبدو حربة الحركة للمواطنين في يد رام الله والقاهرة أكثر مما هي في يد أنقرة.

أما فيما يخص التجربة أو النوذج التركى  خلال العقد الأخير فأنقرة أيضاً لا تخفي طبيعة نظامها السياسي العلماني والمسار التوافقي والديموقراطي للإصلاح، حتى أن الرئيس أردوغان تحدث من القاهرة تحديداً وبعد الثورة وزمن حكم الإخوان عن ضرورة اتباع النظام العلماني مع تعريف مرن ليبرالي، ومنفتح للعلمانية، وهو استعاد نفس التصريح منذ أيام على خلفية السجال الذي أثارته تصريحات رئيس مجلس النواب  التركى حول العلمانية والدستور الديني.

الغريب أن من يتحدث وكأن هناك خلافة في تركيا، هو نفسه من ردّ بحدّة على تصريحات أردوغان العلمانية في القاهرة، وهو الذي حاول إعطاء الانطباع وكأن  جوهر الموقف التركى  لا يمثله الرئيس، أو رئيس الوزراء، وإنما رئيس البرلمان، رغم أنه بدا معزولا فكريا حزبيا وسياسيا في تصريحاته عن حذف العلمانية في الدستور الديني الجديد الذي تمناه.

تركيا بلد ديموقراطي بها وجهات نظر متعددة داخل الحزب، داخل الحكومة وطبعا في البرلمان والشارع أيضاً، إنما أيضاً ثمة سياسة رسمية ومعلنة للحزب والدولة، يعبر عنها الرئيس والحكومة لا يجب باى حال من الأحوال الانتقاء والاجتزاء منها وكأنها لائحة طعام ، لأن هذا يضر أكثر مما يفيد فى بناء علاقة تركية عربية صحية نزيهة وواعدة.

طبعا هنا يجب التفريق بين مواقف الحشد الشعبي الإعلامي والحلف الأقوى المذهبي الإقليمي والدولي المعادي لتركيا الذي يفبرك المعطيات ويتبنى الشيطنة تجاه كل ما يجري في تركيا، كما جرى مع فضيحة المطعم الشهير الاسطنبولي،  وصورة ابن أردوغان الشهيرة مع رفاقه في المطعم. التي تمثل القاعدة وليست الاستثناء في تعاطى الحشد الشعبي الإعلامي مع الشأن التركي.

أما المحبين المتعاطفين والمساندين  لتركيا وتجربتها فيبدو موقفهم استنسابي انتقائي أكثر حيث يرون ما يريدون ويحبون ويتجاهلون ما لا يعجبهم وهذا تبدى واضحاً في مهرجان شكراً  تركيا الأخير، ورغم النية الحسنة  والمقاصد النبيلة ، الا انه حاد عن هدفه شكلاً وموضوعاً ما دعا مستشار رئيس الحكومة الأستاذ عمر فاروق للتوضيح بل الصراخ بأعلى صوته كي يفهم الناس أن تركيا بلد فيها نظام ديموقراطي لا يجب أن يتدخل الضيوف في تفاصيله وتعقيداته الداخلية أو يحملونه ما لا يحتمل، وعلى غير الديموقراطيين أو المهنيين ممن أفشلوا التجربة الديموقراطية في بلادهم الا يحاولوا  فعل الشيء نفسه في تركيا البلد الذي قام ويقوم تاريخياً بواجبه الأخلاقي الإنساني السياسي تجاه المظلومين والمستضعفين بغض النظرعن دينهم ملتهم وعرقهم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!