إرغون يلدرم - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

تتحرك الإرادة التي تدير الدولة ضمن أطر النهج البراغماتي، وتتخذ خطوات لمصلحة البلاد ومستقبلها. هذه الخطوات متسقة، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن يغير الاتفاق من نظرة الناس إلى إسرائيل. لن يقبل أحد إسرائيل صديقا. لن يقبل أحد الصهيونية، لأنه لا السياسة ولا أي شئ آخر لديه القدرة على التأثير في المجال الوجودي.

السلام مع إسرائيل من أصعب المشاعر، لأن عقول المحافظين رسمت صورة إسرائيل كدولة مجرمة. الجميع من نجيب فاضل قيصاكورك (شاعر ومفكر إسلامي) ونجم الدين أربكان إلى سيزاي كاراكوتش (كاتب ومفكر وشاعر) يعتقدون أن إسرائيل دولة صهيونية. والصهاينة أكبر أعداء المسلمين، واليهود هم مجموعة ألّبت بين المسلمين عبر التاريخ، وعبد الله ابن سبأ تجسيد ملموس للعقلية اليهودية. خبر المسلمون أعظم الخيانات من اليهود، فخلال غزوة الخندق انحازوا إلى مشركي قريش، وحاولوا قتل النبي محمد. تركوا النبي موسى وحيدا وقالوا له "اذهب أنت وربك فقاتلا"، وقتلوا كثيرا من الأنبياء.

هذه المعلومات كلها متداولة بين المسلمين، ويمكن أن نطلق عليها معتقدات، ولذلك يفصل المسلمون أنفسهم عن اليهود. كانت هناك بالطبع قبائل يهودية على علاقة طيبة للغاية مع النبي محمد، وأطلق المسلمون على اليهود صفة أهل الكتاب. عاش اليهود في أمان داخل الإمبراطورية العثمانية. وفي واقع الأمر فعندما تعرض اليهود للقتل أو النفي في إسبانيا، منحهم أجدادانا المأوى. لدى المسلمين تجربتان مهمتان أحدهما تاريخية والأخرى معاصرة مع اليهود. أما الصورة المعاصرة لليهود فقد خلقها الاحتلال الإسرائيلي، فهو نظام عدواني استيطاني يقتل المسلمين في كل يوم، يتركهم يموتون جوعا، ولا يعترف بأي قانون أو نظام. احتفظت الجماعات الدينية والإسلامية والمحافظة دائما بمسافة بينها وبين هذا الكيان، فالجميع بدءا من حركة الرؤية الوطنية (ميلي غوروش التي أسسها نجم الدين أربكان) إلى حركة النور، والحركة النقشبندية، وباقي الحركات الإسلامية وضعت نفسها على مسافة بعيدة من الكيان الصهيوني. وهم يرون إسرائيل كيانا احتل بقعة إسلامية مقدسة، ويقتل إخوانهم وأخواتهم المسلمين. في الواقع فإن السلطان عبد الحميد الثاني معروف بحبه البالغ للقدس. بعث تيودور هرتسل جوالا مملوءا بالذهب إلى السلطان لكي يتخلى عن القدس، وهو ما رفضه السلطان، وبرهن له أنه يعمل من أجل القدس.

شارك المتدينون والمحافظون والإسلاميون في مسيرات احتجاج ضد إسرائيل في فترة من سنوات شبابهم، وأدانوا الأعمال الإسرائيلية التعسفية، وتظاهروا أمام المساجد أو في وسط المدن. ولذلك فإن لديهم مسافة وجودية وسوسيولوجية من إسرائيل. وهذه ذاكرة تكونت من فلسفة كتابنا المقدس، والتجربة السوسيولوجية التي نشأت من الاحتجاج ضد إسرائيل. ولذلك كان من أكبر خيبات الأمل عندما وقع أربكان اتفاقا مع إسرائيل تحت ضغط من أنصار انقلاب 28 شباط/ فبراير. نشر أنصار انقلاب فبراير خبر الاتفاقية بسرعة، حيث عرفوا أن الاتفاق سيخلق توترا بين أربكان ومؤيديه، لكنهم لحسن الحظ لم يقعوا في ذلك الفخ. بدأ الغرب في الضغط على تركيا، حيث كانوا يريدون منها أن تكون على علاقة جيدة دائما مع إسرائيل. ومن ثم عندما طلبت تركيا من الولايات المتحدة أسلحة وتحديث ما لديها من سلاح خلال انقلاب 28 فبراير، أحالتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل. من المستحيل بالنسبة للجماعات الدينية أن تنسجم وتتناغم مع إسرائيل، فإسرائيل ليست سياسة أو فلسفة يمكن قبولها وجوديا.

تأتي أكبر معارضة تركية لإسرائيل من الجماعات الدينية التركية، وهذا الحال سيستمر. ولا ينبغي لأحد أن يتوقع أن يتغير هذا الفهم، في الوقت الذي يعقد فيه الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) اتفاق واقعية سياسية مختلف مع إسرائيل.

الإرادة التي تدير الدولة تتحرك ضمن أطر النهج البراجماتي، وتتخذ خطوات لمصلحة البلاد ومستقبلها. وهذه الخطوات متسقة. ولكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن تغير هذه الاتفاقات من نظرة الناس إلى إسرائيل. لن يقبل أحد إسرائيل صديقا. لن يقبل أحد الصهيونية، لأنه لا السياسة ولا أي شئ آخر لديه القدرة على التأثير في المجال الوجودي. وفي الختام فإننا يمكن أن نتعاون مع إسرائيل في إطار السياسة، ولكن هذا لن يكون أبدا اتفاقا في المجال الوجودي. 

عن الكاتب

إرغون يلدرم

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس