جلال سلمي - ترك برس

عُرف منذ الأزل أن المجتمع البشري حرص على تسيير أعمال استخباراتية متوافقة مع رؤيته وكيانه للحفاظ على حكمه، وهذا ما تؤكّده أدلة تاريخية منذ السومريين وحتى يومنا هذا، على حد قول المستشار السابق في جهاز الاستخبارات التركية "جواد أونيش" في مقاله حول الشروط اللازمة لبناء جهاز استخبارات أقوى لتركيا على موقع الجزيرة ترك، حيث يشير إلى أنه لا شك في أن بعض المفاهيم الحديثة، مثل "دولة القانون وحدود الاستخبارات الأمنية" و"المجتمع المدني والاستخبارات" و"السياسة والمجتمع الديمقراطي"، حدت من العمل الاستخباراتي في الدول الديمقراطية ولكنه يؤكّد على أنه لا يجب أن تشكل عائقًا على عمل الجهاز الاستخباراتي بشكل واسع، إذ لا بد من توجه الدول نحو المحافظة على التوازن بين المفاهيم المذكورة والعمل الاستخباراتي.

ووفقًا لأونيش، فإن تركيا في عام 2016، بسبب ما تمر به وما يحيط بها، تقف بين مطرقة عناصر حزب العمال الكردستاني - المدرج على لائحة الإرهاب في تركيا - في الداخل وسندان داعش على الصعيدين الداخلي والخارجي، وإضافة إلى ذلك فإنها تُذكر حول العالم على أنها دولة ديمقراطية، وهذا ما يحد من نطاق إجراءاتها الأمنية.

بناءً على ذلك، يذكر أونيش أن تركيا تواجه عدة معضلات أمنية على الصعيد الداخلي، أهمها:

ـ حرب طائفية مذهبية قومية مؤطرة بمصالح دول إقليمية وغير إقليمية تدعم هذه الحرب من أجل تحقيق مصالحها.

ـ تمدد داعش وعدم إبداء القوات الدولية الجدية اللازمة للقضاء عليها.

ـ التحرك الكردي الساعي لإقامة دولة كردية مستقلة باسم "كردستان".

ينوّه أونيش إلى أنه لا بد من أن يعي المتابع للشأن التركي تلك المشاكل التكتيكية والاستراتيجية، لكي يدرك مدى حاجة تركيا لعمل استخباراتي أقوى من الموجود لديها في الوضع الحالي.

أظهرت عملية استهداف داعش لمطار أتاتورك مؤخرًا صحة ما يدعيه أونيش من نقص استخباراتي حقيقي لدى الحكومة التركية، إذ أكّدت تلك العملية أن داعش مستمرة وممتدة في عملها في تركيا بشكل أوسع، الأمر الذي يستدعي عملًا استخباراتيًا أكثر شمولية لتجنب مثل تلك العمليات.

وحول الشروط التي يمكن أن تجعل من نظام الاستخبارات التركي أكثير نجاعة، يسرد أونيش الشروط التالية:

ـ الاتجاه نحو المحافظة على استمرارية العمل المؤسساتي الشفاف داخل منظمات الدولة، لإخراج عمل جماعي حيوي يكتنفه الإنجاز الفعال، بخلاف ربط العمل بأفراد والابتعاد عن الشفافية، حيث أن أسلوب العمل بهذا الشكل يولد ضعف في الإنجازات.

ـ الحرص على مبدأ فصل السلطات وتطبيق مبدأ المساءلة يدفعان جميع أجهزة الدول للعمل بشكل جاد، وكما أن تطبيق هذين المبدأين في ظل نظام ديمقراطي يحفظ للمواطن حقوقه ويدغدغ مشاعره الوطنية بشكل يدفعه إلى مساندة جهاز الاستخبارات في التبليغ عن كل ما هو مشبوه.

ـ زيادة التنسيق بين جهاز الاستخبارات والأجهزة الأمنية الأخرى، خاصة جهاز حرس الحدود الذي يُمثل خط الدفاع الأول لتركيا.

ـ فصل جهاز الاستخبارات عن السياسة، لا يمكن إغفال حجم الكمون الذي يصيب جهاز الاستخبارات في حين حدث ارتباط بينه وبين الحزب السياسي الحاكم، إذ يصبح عمله متماثل لمصلحة الحزب أكثر منها لمصلحة الدولة، وهذا من أكثر الأمور الخطرة التي يمكن أن تصيب جهاز الاستخبارات الذي بحاجة إلى استقلالية تامة.

ـ تطوير النوعية والخبرة الخاصة بأفراد الجهاز بشكل دوري.

ـ المحافظة على التوائم بين الأنشطة الحقوقية والقانونية للاستخبارات والقرار السياسي.

تأتي اقتراحات الخبراء لتأسيس جهاز استخبارات أقوى في ظل أتون سيناريو الأعمال الإرهابية المتكرر الذي أصاب تركيا منذ 20 تموز/ يوليو 2005 وحتى يومنا هذا بثمانية أعمال إرهابية مؤلمة أربعة منها كانت في إسطنبول وثلاث في أنقرة وواحدة في سوروج، مسفرة ً عن مقتل أكثر من 270 شخص وجرح ما يربو على 1000 شخص.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!