دانا ستاستير - فورن بوليسي - ترجمة وتحرير ترك برس

لو سقطت حكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، سيقع جزء كبير من اللوم - حسب وجهة نظركم - على عاتق رجل دين مسلم معروف يدعى فتح الله غولن وعلى إمبراطوريته الغامضة الممتدة عالميًا. على مدى العقد الماضي، كان أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية  في صراع هادئ مع أتباع غولن من أجل السيطرة على حركات الإسلام السياسي في البلاد. تلك معركة حدثت في الغالب وراء أبواب مغلقة - ولكن ليس بعد الآن.

كلاعب مركزي في السياسة التركية، في كثير من الأحيان جذب غولن انتباه المسؤولين الأمريكيين، في كل من واشنطن وتركيا. كما هو مفصل في الوثاثق الدبلوماسية الـ 155 الصادرة عن ويكيليكس التي تذكره، فقد وجد مسؤولون أمريكيون صعوبة في فهم غولن، ولكن البيانات التي تم جمعها عنه تقدم لمحة عن مدى عمق اختراقه هو وأتباعه للدولة التركية والتهديد الشديد الذي يمثله لحكومة أردوغان.

وفيما يلي خمس نقاط مهمة عن ظهور غولن في وثائق ويكيليكس:

1- هذه ليست المرة الأولى التي تنقلب فيها حركة غولن على أردوغان وحزب العدالة والتنمية

غالبًا ما تدعي حركة غولن أنها ليست منظمة سياسية، ولكن من المسلم به عمومًا أن أتباع غولن ممثلون على نحو غير متناسب في الشرطة المحلية (الوطنية) في تركيا. تنص إحدى وثائق السفارة الأمريكية من 2009 أن "سيطرة أنصار غولن على الشرطة الوطنية التركية أمر ليس مؤكدًا، ولكننا لم نجد أحدًا يفنّد ذلك، وسمعنا بأن المتقدمين للشرطة التركية الذين يتقاضون معاشات من غولن يتم تزويدهم بالأجوبة مقدمًا عن فحص القبول في الشرطة الوطنية التركية". في عام 2005، بعد مرور عامين على تولي أردوغان رئاسة الوزراء وخلال موجة مبكرة من خيبة أمل غولن مع حزب العدالة والتنمية، بدأ تحقيق في قضية فساد في الشرطة الوطنية التركية. تدخلت حكومة أردوغان، ونقلت رئيس مكتب الجريمة المنظمة في الشرطة الوطنية التركية إلى نقطة محلية. ووفقا لبرقية (وثيقة) للسفارة الأمريكية في يونيو/ حزيران 2005، فقد تم ترتيب النقل عبر وزير الداخلية عبد القادر أكسو الذي جعلته "محسوبيته الكردية، وصلاته بتجارة هيروين، وميله لفتيات في سن المراهقة، وصلات ابنه العلنية بالمافيا حلقة ضعيفة في مجلس الوزراء".

وبينما تستهدف تحقيقات الفساد مرة أخرى قادة حزب العدالة والتنمية، فقد عاد أردوغان مرة أخرى إلى إجراءات عام 2005، وبدأ في نقل وطرد المحققين في الفساد من جهاز الشرطة.

2- لدى حركة غولن وحزب العدالة والتنمية عدو مشترك، ولكن ليس بعد الآن

بعد التحقيق بالفساد عام 2005، بدا أن ضغط غولن على حزب العدالة والتنمية قد ضَعُفَ، وقبل وقت طويل وجد كل منهما عدوًا مشتركًا جديدًا: الدولة العميقة، وهو مفهوم في تركيا يشير عادة إلى منظمة من القوميين العلمانيين الأقوياء - في الغالب في الجيش - الذين أطاحوا بشكل دوري بالحكومات ذات الميول الإسلامية في أنقرة. كان كل من حزب العدالة والتنمية وحركة غولن ذات مرة هدفًا للمنظمة العلمانية في تركيا. تحول انتباه أنصار غولن في الشرطة إلى قوى مناهضة للديمقراطية داخل المؤسسة العسكرية، كما هو مفصل في وثائق السفارة الأمريكية، وفي عام 2008 بدؤوا باستهداف الدولة العميقة من خلال لوائح اتهام. تم تسريب وثائق تتضمن تفاصيل انقلاب مزعوم مخطط للإطاحة بحزب العدالة والتنمية وتقويض حركة غولن إلى صحف غولن. وأدى ذلك إلى محاكمات ارغينيكون التاريخية في البلاد، وإدانة قرابة 330 من الضباط العسكريين.

3- حركة غولن هي عمل تجاري، ووسائل إعلام، وإمبراطورية تعليم هادئة ولكنها قوية

يقع غولن في قلب الحركة، وهو رجل دين وعضو سابق في المؤسسة الدينية المهنية المدعومة من الدولة التركية "الديانات"، عارض الحكومة في الثمانينيات في خطب دينية شعر المسؤولون العلمانيون بأنها ذهبت بعيدًا جدًا. وتم توجيه اتهامات له بموجب القانون التركي لمكافحة الارهاب لقوله "ينبغي على أصدقائنا، الذين لديهم مناصب في الهيئات التشريعية والإدارية أن يتعلموا تفاصيلها ويتوخوا الحذر دائمًا حتى يتمكنوا من تحويل (البيروقراطية) ويكونوا أكثر إثمارًا نيابة عن الإسلام من أجل باستعادة البلاد". خاف العلمانيون الأتراك من أن هذه الخطب قريبة جدًا من كونها دعوات لاختراق الدولة العلمانية وتقويضها.

تقدر وثائق السفارة الأمريكية نقلًا عن مصادر تركية مطلعة على الحركة، أنها قد تضم بين مليونين وخمسة ملايين من الأتباع. الكثير منهم في وضع جيد، إما يتقلد وظيفة عامة أو يعمل في الشرطة أو القضاء. وتدعم المنظمة عددًا من المشاريع الريادية. ويأتي جزء كبير من ثروة الحركة التي يُعتقد أنها ثروة كبيرة جدًا وحجمها مموّه من خلال مجموعة متنوعة من المصالح الخيرية، من العمليات التجارية الملتوية والمنظمات التجارية. دفع رجال الأعمال من حركة غولن من هذه الثروة من خلال إنشاء شبكة من المدارس التي تركز على العلوم في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في آسيا الوسطى وأفريقيا، ولكن أيضا في الولايات المتحدة.

قال مؤيدو المدرسة الغولنية أنها تقوم على تعاليم غولن. وأكد مدرسون في مدرسة تابعة لغولن في أنقرة لمسؤولي السفارة أن "هذه ليست حركة سياسية". بدلًا من ذلك، على حد قولهم، تُؤَسس المدارس على مُثُل غولن الغامضة الصوفية، وتعتمد مبدأ أن "أي شخص ليس في كل مكان ليس في أي مكان"، وأنه "يجب أن تكون موجودًا عالميًا لتكون متمركزًا محليًا." من الصعب أن ينسجم ذلك مع قبول أنصار غولن أعدادًا في لحظات أقل تحفظًا، مثل اللحظة التي أشاد فيها  رئيس رابطة الصحفيين التابع لأنصار غولن علنًا ​​بقيام غولن بفتح المدارس في بلدان آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. والسبب واضح: اهزم الإيرانيين إلى آسيا الوسطى بالطريقة التركية 'وجه مبتسم للإسلام'. فقد أخافت مثل تلك العبارات حكومات آسيا الوسطى، وكان انتشار المدارس نقطة حساسة ثابتة في علاقات تركيا مع دول المنطقة.

4- حزب العدالة والتنمية وأنصار غولن في معركة عقائدية حول ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل الإسلام السياسي في تركيا

عندما تم تولى حزب العدالة والتنمية للسلطة في عام 2002 و2003، فعل ذلك بدعم من حركة غولن، وتم إعطاء أنصار غولن مناصب رئيسية في الحكومة الجديدة. تقريبا في نفس الوقت، في آذار/ مارس 2003، تمت تبرئة غولن من تهم الإرهاب، على الرغم من أنه اختار البقاء  في الولايات المتحدة منذ وصوله لأول مرة لتلقي العلاج الطبي في عام 1999. في البداية، يبدو أن تعاونهم قوي: في الأشهر الأولى من حكومة حزب العدالة والتنمية، بدأ الساسة مناقشة برنامج الضمانات لجعل المدارس الخاصة بأنصار غولن متاحة لعدد أكبر من الطلاب.

ولكن بعد ذلك يقال إن أنصار غولن في الحزب ضغطوا على الحكومة للمضي قدمًا في إصلاحات الجانب الأخلاقي، مثل قانون تحريم الزنا، قبل أن تشعر قيادة حزب العدالة والتنمية بأنه كان جاهزًا. وبحلول نهاية عام 2004، بدأ أنصار غولن السياسيين بإطلاع مسؤولين أمريكيين على أنهم "مشوشون" بشأن أردوغان وحزب العدالة والتنمية. قيادي في أنصار غولن "يقال إن له تأثيرًا على أكثر من 60 عضوًا أو أكثر في حزب العدالة والتنمية" وأعضاء البرلمان، "أعرب لـ[لمسؤولي السفارة] عن إحساس أنصار غولن بأنه لا يمكن لأردوغان القيادة". ثم جاء تحقيق الفساد المجهض عام 2005 للشرطة التركية من حزب العدالة والتنمية. تمكن كل من أنصار غولن وقيادة حزب العدالة والتنمية من إصلاح الأمور إذ عالجوا أمر الجيش العلماني في البلاد، ولكن الآن وصل تحالف المصلحة إلى نهايته.

على الرغم من اعتراف كل من حزب العدالة والتنمية وأنصار غولن بأنهم حركات سياسية إسلامية معتدلة، فإنهم يستوحون إلهامهم من تقاليد عقائدية مختلفة. تلتزم قيادة حزب العدالة والتنمية باعتقاد مختلف أساسي: "الرؤية الوطنية"، وهي أيديولوجية منحدرة من رئيس الوزراء التركي المخلوع نجم الدين أربكان، التي تم وصفها بأنها "نسخة تركيا للإسلام السياسي مع نغمات معادية للغرب والإسلام". في حين نشأ اتباع غولن على عمل العالم الكردي الصوفي بديع الزمان سعيد النورسي، والتركيز على المزيد من الانفتاح الثقافي مع العالم. وكان الانقسام الأيديولوجي إسفينًا في حزب العدالة والتنمية منذ البداية، فقد كان التنافس مستمرًا بين قيادات "الرؤية الوطنية" في الحزب وأنصار غولن في الحكومة.

5- لا يمكن للمرء أن يحصل على إجابة مباشرة من حركة غولن، وهذا ما أقلق العديد بشأن نواياها

وعلى الرغم من عيشه في الولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمان، تظهر وثائق السفارة الأميركية في أنقرة التي كشفها موقع ويكيليكس أن حكومة الولايات المتحدة لا تزال تسعى لفهم دوافع ومصالح حركة غولن، وحتى غولن نفسه. ويقول مسؤولون في السفارة أنهم لم يتمكنوا من الحصول على إجابة مباشرة على معلومات بسيطة مثل الحالة الزوجية لغولن.

يمكن أن يُفسر بعض من سرية المنظمة بالحذر الذي تعلمته حين تعرضها للاضطهاد من قبل السلطات التركية العلمانية في التسعينيات، ولكن هذا لم يطمئن المسؤولين الأمريكيين. في أيار/ مايو 2006، رفعت القنصلية الأمريكية في أنقرة برقية طويلة تفصل الإخفاء والتشويش الغريب فيما يخص طلبات الحصول على تأشيرة لأنصار غولن، والاتجاهات التي تشير إلى أنهم تدربوا على إخفاء انتمائهم لغولن وكيفية جعل طلباتهم أكثر نجاحًا.

وكانت السرية التي يعمل من خلالها غولن ممزوجة بنظريات المؤامرة. يعتقد بعض المنتقدين الإسلاميين أن غولن هو خلد (جاسوس) تموله الولايات المتحدة في المؤسسة الدينية، في محاولة لزعزعة صفوف الإسلام السياسي من الداخل؛ ويخشى العلمانيون أنه "مُلّا مشفر ماكر، يتآمر لتحويل تركيا إلى دولة إسلامية تحكمها الشريعة مختلف قليلًا عن إيران". لا يثق حتى أصدقاء حركة غولن تمامًا بنوايا الحركة. في العلن، اعترف غولن بالمعتقد في مجتمع ديمقراطي منفتح وشامل، ولدى الحركة علاقات وثيقة مع المسيحيين الأرثوذكس والجماعات اليهودية في تركيا، ولكن عندما ناشد غولن الحاخام الأكبر في إسطنبول في عام 2005 من أجل رسالة دعم لمساعدة غولن في تمديد إقامته في الولايات المتحدة، أخبر الحاخام المسؤولين الأمريكيين بأنه يشك في النوايا الجوهرية للحركة.

عن الكاتب

دانا ستاستر

مختص في السياسة الامنية للشرق الاوسط


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس