سمير حجاوي - الشرق القطرية

يحاول الغرب توريط تركيا في المستنقع السوري بالضغط عليها لإرسال قوات برية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، في الوقت الذي يعلن فيه الغرب عجزه عن هزيمة هذا التنظيم، وتوالي التصريحات الأمريكية والغربية التي تبشر بالهزيمة أمام حفنة من المقاتلين، إلى الدرجة التي دعا فيها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى ما أسماه "الصبر الإستراتيجي"، وهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذا المصطلح، ويعتبر أن سقوط مدينة عين العرب كوباني ليس أمرا مهما، بل ويبشر بأن المزيد من المدن والبلدات ستسقط بأيدي مقاتلي البغدادي.

وفي ظل هذا العجز الغربي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا والغرب عموما الضغط على أنقرة للتدخل عسكريا في سوريا وإرسال قوات برية، بل إن واشنطن عبرت عن قلقها بسبب عدم تحرك تركيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وينتقدون تلكؤها بإرسال دباباتها وجنودها إلى عين العرب- كوباني، واتهمت تركيا باختراع الأسباب لعدم التحرك لتفادي كارثة أخرى، واستنكر مسؤولون أمريكيون "التلكؤ التركي"، قائلين إن "هذه ليست الطريقة التي يتحرك بها حليف في الناتو في الوقت الذي يستعر فيه الجحيم على مرمى حجر من حدودها".. واعتبروا مبررات تركيا لعدم التدخل غير مقبولة وغير منطقية، بل إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اتصل برئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو مرتين لحثه على التحرك.

أما نائبة رئيس البرلمان الألماني كلاوديا روت فكانت أكثر غضبا وصراحة ووجهت انتقادات حادة لأنقرة عندما اتهمت "تركيا بأنها تنتهج سياسة قذرة في التعامل مع داعش"، وقالت: "لا أتفهم إطلاقا سياسة تركيا".

ما لا تفهمه النائبة الألمانية هو الشروط التي وضعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتدخل وهي: إسقاط نظام الأسد وإنشاء منطقة عازلة وحظر الطيران وتوضيح ما هي أهداف الحرب، وهي الشروط التي رفضتها أمريكا وبريطانيا، وهذا يعني أنهم يريدون توريط تركيا في حرب لا يريدون هم خوضها باستثناء بعض الغارات الجوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو ما اعترف به الرئيس الأمريكي الذي قال إن الحرب في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية "صعبة"، وأن هذه الحرب تحتاج جيلا كاملا، وهذا ما قاله رئيس أركانه ووزير دفاعة ووزير خارجيته وقدر أحد المسؤولين الأمريكيين الفترة الزمنية الضرورية لهزيمة تنظيم الدولة 30 عاما، وبالتالي فهم لا يريدون خوض هذه "الحرب الصعبة أو المستحيلة".. ولهذا دعوا رؤساء أركان 20 دولة للاجتماع في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" لبحث احتمالات تشكيل قوة برية لقتال "الدولة الإسلامية".

نجحت تركيا ببراعة حتى الآن في التملص من خوض حرب الآخرين على حساب شعبها وجيشها وأمنها واقتصادها، فهذه "الحرب الغامضة" التي طالب أردوغان بتعريف أهدافها، ليست واضحة المعالم، ستكون وبالا على تركيا، ستدمر الاقتصاد وتنهك الجيش التركي وتخلق توترات داخلية كبيرة، وقد تتحول إلى حرب استنزاف تنتقل إلى الأراضي التركية.

لا شك أن الإستراتيجية التركية في التعامل مع مجريات الأحداث في سوريا والعراق تقوم حالياً على منع انتقال الفوضى والقتال إلى تركيا وعدم الانزلاق في تنفيذ "إستراتيجية أمريكية غامضة وغير فعالة" في مواجهة تنظيم الدولة الذي تمكن من السيطرة على عين العرب – كوباني ورفع راياته في مواجهة الجيش التركي الذي يقف على الحدود.

إضافة إلى ذلك، هناك إيران التي تحذر تركيا من التدخل وتعلن استعدادها لإرسال جيشها إلى سوريا للقتال، فهي تعتبر سوريا أرضا إيرانية ومنطقة نفوذ لا ينبغي أن تتدخل فيها أنقرة، فالنفوذ الإيراني يمتد حتى شرق المتوسط ويشمل ذلك العراق وسوريا ولبنان إضافة إلى اليمن في الجنوب، مما يعني بداية الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران على الأرض العربية، فالعالم العربي هو الرجل المريض الذي يتقاسمه الجميع، فأمريكا تدمير وتركيا تشترط وطهران تهدد والأنظمة العربية لا دخل لها.

خلاصة القول.. تركيا تلعب ببراعة منقطعة النظير وقادتها حذرون من التورط في حرب لا تخصهم والغرب لايريد أن يقاتل ويتخبط في سوريا والعراق والمنطقة، وأثناء ذلك يسجل تنظيم الدولة الإسلامية المزيد من الانتصارات والمكاسب على الأرض.

عن الكاتب

سمير حجاوي

كاتب وصحفي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس